25-11-2024 03:43 PM بتوقيت القدس المحتلة

في زمن "الإقصاء" هل ينفع أن نحدّد من هو المثقف والمفكر والملهم؟!

في زمن

اللافت أن ورقة الشيخ جرادي كان يجب أن تناقش مع المثقفين والمفكرين العلمانيين بالدرجة الأولى، الذين ينكرون على المتميز الديني صاحب الحراك الاجتماعي الانساني بانه مثقف أو مفكر

في زمن في زمن الإقصاء والتحديات الكبرى التي تواجهها الأمة الإسلامية والعربية، يبدو أنه بات ملّحاً البحث عن معاني مفردات تقّرب الحوار بين الجماعات الإنسانية، ولتنجح المهمة لازماً توضيح بعضاً من هذه المفردات التي تستخدم جزافاً في عالم الإعلام والثقافة خصوصاً.

زينب الطحان/ موقع المنار

فقد دعى معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية إلى ندورة نقاشية حيال مفردات "المثقف"، الملهم، والمفكر، ورأى أن الفارق عموماً بين المفردات الثلاث يكمن في الالتباس والخلط القائم في تعريف وتمييز المثقف والمفكر والملهم.

ومن المفارقات الغريبة أن يرى المعهد أن بعض المثقفين قد يقدّمون معالجات فكرية ويطرحون مشاريع وقضايا فكرية، الأمر الذي يثير بعض النقاد، كما قال مدير المعهد الشيخ شفيق جرادي، من الذين رأوا أن وظيفة المثقف هي تجسير العلاقة بين الواقع والفكر. كما أن من مهماته نقل شؤون وشجون واحتياجات الناس وتطلعاتهم، بل قد تكون من مهمات المثقف إجراء النقد اللاذع أحياناً تجاه الأفكار والرسالات والقضايا الدينية. ولكن ليس من مهمة المثقف أو الثقافة تقديم المشاريع الفكرية على الرسالات والطروحات الفكرية، إذ هذا ممارسة دور غير الثقافي، وهو دور الفكر والمفكر. 

إلا إن هذا الكلام لم يجد له مسوغاته عدد من الحاضرين في النقاش، الأستاذ محمود حيدر ردّ على الشيخ جرادي، بأن المفكر هو حكماً مثقف بالدرجة الأولى، وعندما يتمكّن المثقف من الوصول إلى طرح قضايا فكرية جدية وبناءة يصبح معها مفكراً معتداً به. أما الدكتور علي زيتون فقد نقل النقاش إلى الشكل الأكاديمي للقضية حين بيّن أن الثقافة والمعرفة لا ينفصلان، والمعرفة إذا استطاع ممتلكها تحويلها إلى طاقة تحدده سلوكه وطرائقه يصبح مثقفاً. والثقافة تقوم على أمرين متداخلين: الأول رؤية إلى الحياة والكون، والثانية تتداخل مع الأولى لتشكل عالما مختصاً، فيستطيع طرح أسئلة مهمة من الإشكاليات والتساؤلات وعندها يصبح مفكراً، فما المانع من أن يتمكّن المثقف من طرح مشاريع فكرية للأمة؟! ومن يمنع عليه ذلك؟!!..

الشيخ شفيق جرادي في الندوةوالجدير بالذكر أن العالم العربي توقف عن انتاج الثقافة والمعرفة في القرن الخامس ميلادي، ومنذ ذلك الحين والعربي ينقل الثقافة الغربية وبات من الصعب ان تطلق على أحدهم صفة مثقف ومفكر إذا كان خارج هذه الدائرة، وهذا بحكم الواقع. وختم الدكتور زيتون مداخلاته مؤكدا على أن من يحدد مهمة المثقف والمفكر، ومن يساعد على القيام بدورهما هو أمر مردّه إلى المؤسسات العلمية والفكرية، والجهد الفردي لا يكفي أبداً.

الكاتب الصحفي نصري الصايغ، أقرّ أنه يجب الاعتراف بأنه من أشد الأمور صعوبة على أهل الثقافة والمعرفة هي مسألة تعريف مفردة أو مصطلح ما. وهو عامة يقف مع المصطلح المائع والمطّاط بعكس ما هو عليه في القضايا العلمية إذ يجب أن يكون التعريف حاسما وجازماً، إلا ان الإنساني هو المتغير الدائم. وفي تعريف يثير الجدل اكثر مما يزيح الغموض عن القضية قال الصايغ أن تعريفه لكلمة مفكر هو الذي ينتج الفكر، والفيلسوف هو منتج حقائق مؤكدا "بكل أسف" لأنها تصبح لهذه الحقائق سلطة تمارسها علينا، اما المثقف هو الذي لا ينتمي إلا عرضا إلى عالم الأفكار والحقائق إذ إنه ملتزم بقضايا الناس والحراك الإنساني العام، ويضع أنفسه في كل شيء، مؤكدا أن كبار المثقفين من العصور القديمة كانوا من السفسطائين. والمثقف هو الوحيد المطلوب منه أن يكون موجودا. 

وتناوب عدد من الحاضرين على مناقشة ورقة الشيخ شفيق جرادي الذي أثار تساؤلا ملحقا بالقضية الأساس هو لماذا يستثنى شخصيات فذة قادرة على تحريك المجتمع نحو عملية تغيير كبرى وتؤدي أدوارا استثنائية في الثقافة والفكر من صفة مثقف أو مفكر؟!..هل لأن هذه الشخصيات تتشارك بلغة شبه رسولية برمزيتها وحيويتها وطاقتها المفعمة بالحياة، وهي التي نصطلح عليها بالشخصيات الملهمة، أمثال غاندي وجمال الدين أو الإمام الخميني؟، والبعض لا ينسبهم إلى شريحة المفكرين وإن كانوا قد تحولوا إلى محركين حضاريين.

اللافت أن ورقة الشيخ جرادي كان يجب أن تناقش مع المثقفين والمفكرين العلمانيين بالدرجة الأولى، الذين ينكرون على المتميز الديني صاحب الحراك الاجتماعي الانساني بانه مثقف أو مفكر، فمشكلته مع هؤلاء وليس مع الحضور الذي اتسمت غالبيته من طبقة المتدنيين المثقفين، اللهم إلا وجود الكاتب نصري الصايغ المعروف بعلمانية المعاصرة الذي أصر بدوره على انه شخص تعددي يقبل كل الأخرين مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والثقافية والفكرية.