25-11-2024 03:17 PM بتوقيت القدس المحتلة

«داعش»... باقون هنا شوكة في حلقكم وأسيادكم

«داعش»... باقون هنا شوكة في حلقكم وأسيادكم

مَنْ يُعوّل على الغرب المسيحيّ لإنقاذ المسيحيين في المشرق العربيّ لا يُعوّل عليه، ذلك لأنّه في الغرب المسيح الذي يؤمنون به هو الدولار، والعذراء التي يُقدّسونها هي النفط.

أسامة بن لادن صنيعة المخابرات الأميركيةهو سؤالُ مُكرر طرح من قبل، ولكن في خضّم الأحداث والمستجدّات على الساحة العربيّة، نجد أنّه من الأهميّة بمكان العودة إلى هذا السؤال المفصليّ مرّة أخرى، نظراً إلى حساسيته وصعوبته على حدٍ سواء: تنظيم «القاعدة» الإرهابيّ بامتياز، هو من الأبناء الشرعيين لرأس حربة الإمبرياليّة في العالم، بلد الشياطين الجُدُد.

الولايات المتحدّة الأميركيّة، التي عملت استخباراتها على تشكيله في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت الحرب الباردة ما زالت مُستعرّة، لكي يقوم أفراده بالـ«جهاد» ضدّ الـ«مُلحدين» من الاتحاد السوفياتي سابقاً، الذين غاصوا في الوحل الأفغانيّ، وبما أنّ الله يُمهل ولكنّه لا يُهمل، فها هي أميركا اليوم، تذوق الأمرين في أفغانستان من روافد هذا التنظيم الذي أقامته.

زهير أندراوس/ جريدة الأخبار

إذ أنّ السحر انقلب على الساحر، ولكن ما يؤرقنا، لا بلْ يقُضّ مضاجعنا هو أنّ التنظيم الإرهابيّ لم يُنفّذ حتى اليوم أيّ عمليّة «جهاديّة» ضدّ إسرائيل، كما أنّ الشكوك حول مقتل زعيمه السابق، أسامة بن لادن، ما زالت تُساور الكثيرين، بما في ذلك كاتب هذه السطور.

ذلك أنّ أميركا العظمى، التي زعمت أنّها قامت باغتياله لم تنشر حتى كتابة هذه السطور أيّ شيء عن العملية «البطوليّة»، كما أنّ زعمها بأنّ جثة بن لادن ألقيت في البحر، لكي لا يتحوّل قبره إلى مزارٍ، هي بمثابة ذرّ الرمال في العيون، لا أكثر ولا أقّل. فالزعيم الراحل، "الرجل والبطل والشهيد صدّام حسين"، الذي قدّمه العرب أُضحية في أوّل أيام عيد الأضحى المُبارك دُفن ولم يتحوّل قبره إلى مكانٍ «مُقدّس» يحُجّ إليه الكثير من المؤيدين من جميع أصقاع المعمورة. ولكي لا نُفهم خطأً، علينا التشديد والتأكيد بصورة لا لبث فيها أنّ طرح السؤال، لا يعني بأيّ حالةٍ من الأحوال، توجيه دعوة لهذا التنظيم الوحشيّ والبربريّ والهمجيّ، لكي يقوم بعمليات عسكريّة ضدّ أهداف إسرائيليّة، إنْ كان في الداخل، أو في الخارج.

■ ■ ■

وبما أنّ تنظيم «القاعدة» بات في نظر الاستخبارات الأميركيّة بضاعةً فاسدةً، فكان لا بُدّ من خلق تنظيمٍ جديدٍ، لكي يقوم بأداء الدور التخريبيّ والهدّام، الذي رسم في دوائر صُنع القرار في واشنطن، والذي يتلخّص في تفتيت الدول والشعوب العربيّة، وتمزيق النسيج الاجتماعيّ في الوطن العربيّ، على خلفية طائفيّة، مذهبيّة، عرقيّة، وتمزيق المُجتمعات الناطقة بالضاد عبر استخدام مصطلحات أخرى يعّج بها مُعجم الاستخبارات الأميركيّة، التي تقوم بتنفيذ السياسة الرسميّة للمستوى السياسيّ في البيت الأسود، ونقصد بذلك مُخطط الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والقاضي بإنتاج الفوضى الخلاقّة في الوطن العربيّ، بهدف مواصلة السيطرة عليه واستباحته والإمعان في إفقار شعوبه وسلب ثرواته، إنْ كان بشكلٍ مباشرٍ، أوْ عن طريق الحُكّام العرب، الذي يتبعون لأميركا تبعيّة مُطلقة، بصفتها حامية عروشهم المهزوزة وممالكهم المأزومة ومشيخاتهم المهزومة ودولهم التي لم تصل لغاية الآن إلى مرحلة الدولة، فكم بالحريّ الدولة الحديثة والعصريّة.

تنظيم «القاعدة» بات في نظر الاستخبارات الأميركيّة بضاعةً فاسدةً

وبما أنّ الاستعمار الجديد، كما القديم، يتبنّى مبدأ الحاجة أمّ الاختراع، فكان من الضروريّ بالنسبة له، إنتاج تنظيم جديد، أُطلق عليه الدولة الإسلاميّة في العراق وبلاد الشام (داعش) ليُساهم في المُخطط ويعيث فساداً وقتلاً وذبحاً في الوطن العربيّ. هذا التنظيم القديم، بحلّته الجديدة، أكثر شراسةً من سلفه (القاعدة)، والسؤال الذي يُحيّر، إنْ لم يكُن أكثر من ذلك: من أين حصل هذا التنظيم الـ«جديد» على الأسلحة المتطورّة والمتقدّمة؟ كيف وصلت إليه سيارات الدفع الرباعيّ الجديدة؟ أمّا السؤال الذي لن نجد له جواباً، على الأقّل في الفترة القريبة: كيف تمكّن التنظيم البربريّ من جمع الأموال بحيث تصل ميزانيته اليوم، وفق المعلومات المؤكّدة، إلى سبعة مليارات دولار؟

■ ■ ■

وبما أنّ أميركا تتفنن في إيجاد المُبررات والمسوغات لهذا التصرّف أوْ ذاك، فإنّ رئيسها باراك أوباما، قام بإرسال بعثات أمنيّة إلى العراق لضرب هذا التنظيم، الذي بات يُحقق الانتصار تلو الانتصار على الجيش العراقيّ شبه المُنحّل. ولا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً عسكرياً أو استراتيجياً لكي يتوصّل إلى النتيجة بأنّ هذه المساعدة الأميركيّة لن تتمكّن من منع انتشار هذا السرطان، أيْ داعش، في جسد الأمّة العربيّة. مع ذلك، يحّق لنا أنْ نسأل: لماذا قامت قيامة أميركا ولم تقعد ضدّ داعش في العراق فقط؟ ماذا عن جرائمه ومذابحه في بلد المُقاومة والمُمانعة، سوريا؟ لماذا لم تلجأ أميركا والقارّة العجوز والدول العربيّة لمُكافحة الدواعش في بلاد الشام؟ هل لأنّ هذا البلد العربيّ، دعم وما زال يدعم المُقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة؟ هل لأنّ دمشق ترفض الرقص على موسيقى النشاز التي يعزفها البيت الأسود وربيبته-حبيبته، إسرائيل؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ هل الدّم العربيّ السوريّ بات في نظرهم رخيصاً إلى هذا الحدّ؟.

أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين حسب اعلان داعشولكي نُحدد الأمور أكثر، تنظيم داعش الإرهابيّ، الذي قام أحد أفراده بقتل الجنديّ السوريّ وأكل أحشائه ووثّق هذه الفظاعة التي لا يحتملها العقل الإنسانيّ بالصوت والصورة، تنظيم داعش يصول ويجول من دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ في سوريا منذ ثلاث سنوات ونيّف، ولم نسمع من الغرب «الحضاريّ» أيّ كلمة ضدّ هؤلاء التتار. ولكن لكي نكون على درجة من الإنصاف نقول إنّ الغرب المُتمسح، وليس المسيحيّ، بدأ يُعرب عن توجسّه عندما بدأت تُنشر في وسائل الإعلام التقارير عن عودة «المُجاهدين» من سوريا إلى بلادهم في أوروبا وحتى أميركا. بكلماتٍ أخرى، بالنسبة لهؤلاء الغربيين، فإنّ الدّم العربيّ لا قيمة له على الإطلاق، ولكن أنْ يُراق الدّم في أوروبا أو في أميركا، فهذا خطٌ أحمرٌ، لا يُسمح لكائن مَنْ كان أنْ يجتازه. ومرّة أخرى، هذه شهادة على أنّ الغرب يتعامل مع الناطقين بالضاد بفوقيّةٍ واستعلائيّةٍ، وما زال، وباعتقادنا المتواضع سيبقى، ينظر إلينا كدونيين متخلّفين وحطّابين، وأننّا على هذه الأرض لا نستحّق الحياة.

■ ■ ■

وهناك نقطة أخرى يجب التطرّق إليها، وأنا أقول لكم الحقّ، أتطرّق إليها بادئ ذي بدء كإنسان يؤمن بقيم الحياة على هذه اليابسة ويُحاول تطبيقها على أرض الواقع، ومن ثمّ كعربيّ يعتّز بالانتماء لهذه الأمّة، وبطبيعة الحال كفلسطينيّ يفتخر بفلسطينيته، وأخيراً كابن للطائفة المسيحيّة الكاثوليكيّة: مَنْ يُعوّل على الغرب المسيحيّ لإنقاذ المسيحيين في المشرق العربيّ لا يُعوّل عليه، ذلك لأنّه في الغرب المسيح الذي يؤمنون به هو الدولار، والعذراء التي يُقدّسونها هي النفط. هذا الغرب، الذي يصمت صمت أهل الكهف على الإبادة الجماعيّة التي يتعرّض لها المسيحيون في العراق، وطبعاً أقليّات أخرى، من قبل برابرة القرن الـ21 هو الغرب الذي فقد كلّ تعاليم الربّ يسوع وبات عبداً للرأسماليّة، لقد وصلت به الوقاحة والصلف إلى التعدّي على الوصايا العشر: فقد شطب منها كلمة لا، حيث تحولّت وصية لا تقتل، إلى اقتل واقتل واقتل. السيّد المسيح والمسيحيّة وتعاليمهما المُتسامحة براءُ من هؤلاء الأوباش. إنّهم عبءٌ على المسيحيّة وعلى المسيح.

■ ■ ■

ولكي نضع عدداً من النقاط على بعضٍ من الحروف، يكفينا الإشارة في هذه العُجالة إلى إعلان الرئيس الفرنسيّ فرانسوا هولاند أنّ بلاده على استعدادٍ لاستقبال المسيحيين من المشرق العربيّ ومنحهم جميع الامتيازات، لم يهب هولاند للدفاع عنهم في بلادهم، ولكن عندما تعرّضت مصالحة الاستعماريّة في مالي في القارّة السمراء للخطر، لم يتردّد ولو لبرهةٍ من الزمن، وقام بإرسال جيشه المُدجّج بالأسلحة. علاوة على ذلك، هذا الكرم الفرنسيّ لا يدور في فراغ، وبطبيعة الحال لم يأتِ من فراغ، إنّه قولاً وفعلاً قلباً وقالباً، يهدف لإخراج المُخطط الغربيّ الخبيث القاضي بإفراغ المشرق العربيّ من المسيحيين إلى حيّز التنفيذ، ولكن هولاند ومَنْ على شاكلته من الاستعماريين، الذين تفوق خطورتهم خطورة داعش على المشرق، يعتقدون أنّ هذا العرض السخيّ سيُقطّع أوصال المسيحيين ويسلخهم عن أمتهم العربيّة. لا يا مسيو هولاند، إنّ المسيحيين يرفضون الاستجابة لمصيدة العسل والسم التي نصبتها أنت وأعوانك، إنّهم يُفضّلون الموت، كباقي الأقليّات، على مُغادرة أوطانهم، التي كانوا وما زالوا فيها منذ أكثر من ألفي عام. نُذّكرك يا هولاند بما قاله السيّد المسيح: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه، ونجزم قائلين: ماذا ينفع الإنسان لو ربح باريس وخسر وطنه!

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه