يعتبر التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي وإهمال الوسائل الأخرى، أحد المفاهيم الخاطئة التي تسود في العصر الرقمي الذي تشوبه الكثير من الخرافات والتناقضات
«ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر دعوات التغيير في تونس ومصر، ودعم الاحتجاجات والتظاهرات، غير أنّ التفاعل وجهاً لوجه هو الذي أنتج قوّة التغيير وحركها، ولعب الدور الأهم في تلك الثورات. وإن جاز التعبير، يمكن القول أنّ ما حدث في مصر كان نتيجة «ناسبوك» وليس «فايسبوك».
بتلك الكلمات يوضح البروفسور في «الجامعة الأميركية في بيروت» نبيل دجاني دور وسائل التواصل الاجتماعي في الثورات، مشيراً إلى أن دورها الأساسي يرتكز على الاتصال (إرسال رسالة)، وليس على التواصل (خلق التفاعل بين الأشخاص). جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها دجاني بعنوان «وسائل الإعلام الاجتماعية، والثورة، والخصوصية، والمراقبة في العصر الرقمي»، مع الأكاديمي جاد ملكي، ضمن فعاليّات «أكاديميّة التربيّة الرقميّة والإعلاميّة في بيروت».
انطلقت الأكاديميّة في 10 آب/ أغسطس الحالي في «الجامعة الأميركيّة» وتختتم بعد غد السبت. تنعقد الأكاديمية في دورتها الثانية، برعاية مؤسسات المجتمع المفتوح، وموقع «المونيتور» الالكتروني، والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، وتضمّ خبراء دوليين في مجال التربية الإعلامية والرقمية.
يناقش المشاركون، وفق الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور رامي نجم، سبل تطوير التربية الإعلامية والرقمية وإدخالها في المناهج الجامعية إذ لا تدرس بعض الجامعات اللبنانية تلك المادّة التي تعزِّز التفكير النقدي عند الطلاب، وتساعدهم على معالجة المواضيع الصحافية بمهنية أكبر وأدق. يحدد المشاركون حاجات التعليم العربي الذي يفتقر إلى مناهج إعلام حديثة، والعوائق والأولويات في شأن التربية الإعلامية والرقمية وسبل تطويرها بما يتناسب مع الواقع العربي. يشارك في الأكاديمية ستون طالبا وأستاذا من لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن، العراق، مصر، اليمن، عمان، الإمارات، وهي مبادرة من برنامج «الدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت»، وتضم خبراء دوليين في مجال التربية الإعلامية والرقمية، على أن يقدم المشاركون فيها مشاريعهم النهائية للعموم غداً، عند الساعة 11:30 قبل الظهر.
خلال محاضرة ألقاها دجاني بعنوان «وسائل الإعلام الاجتماعية، والثورة، والخصوصية، والمراقبة في العصر الرقمي»، قال البروفيسور نبيل دجاني، إنّ البيئة الأكاديمية تنغمس اليوم بوسائل الاتصال الجماهيرية، مع وصف البعض الربيع العربي بثورة «فايسبوك» أو «تويتر»، ما يؤدي إلى إهمال دور وسائل التواصل المباشرة والتقليدية مثل التواصل في الجوامع والكنائس وفي المقاهي وغيرها.
يعتبر التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي وإهمال الوسائل الأخرى، أحد المفاهيم الخاطئة التي تسود في العصر الرقمي الذي تشوبه الكثير من الخرافات والتناقضات. فعلى سبيل المثال، يعتقد البعض أن الإنترنت متوافر للجميع، وهناك تجانس وحيادية في استخدام الوسائط الرقمية، غير أن مدير «برنامج الدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية» جاد ملكي يشرح، أنه لا يوجد تكافؤ في الوصول إلى الوسائط الرقمية. تسجل كثافة الإنترنت الحركة عينها التي تسجلها القوى العسكرية، والملاحة الجوية، والتجارة، إذ ترتفع وتيرة الحركة بين القارة الأميركية وأوروبا/ وتنخفض اتجاه القارة الأفريقية والشرق الأوسط.
ويشكّل التقدم في العمر، والأمية، واستخدام بعض اللغات مثل اللغة الهندية، وقلّة الخبرة التقنية، والإعاقات الجسدية، عوائق عدّة لاستخدام الإنترنت. تستحوذ ست شركات عالمية على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تمتد سيطرة «فايسبوك» تدريجياً على معظم القارات. ولا تعتبر محركات البحث، وفق ملكي، حياديّة إذ تختلف نتائج البحث التي يظهرها مثلا موقع «غوغل» بين شخص وآخر وفق البيانات الشخصيّة واهتمامات المستخدم وعمله.
يزداد اليوم الطلب على المعطيات الرقمية من قبل الحكومات الرسميّة والشركات لأهداف أمنيّة أو سياسيّة أو تجاريّة. وعلى عكس ما يظنّ البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في إزالة الحواجز بين الأفراد، يرى ملكي أنّها تعزّز الانقسامات الفئوية، فيزداد التركيز على ما هو محلي وما هو «قبلي» ويقلّ الاهتمام بما هو بعيد.
يحتاج تطوير الفكر النقدي عند الأفراد في شأن وسائل الإعلام الرقمية، وفق الأستاذة في قسم الدراسات الإعلامية في «الأميركية» الدكتورة مي فرح، إلى محو الأميّة الرقميّة، ومعرفة الأفراد بسبل إنتاج الإعلام وصناعته لكي يتمكنوا عندئذ من تمييز المعلومات الصحيحة من المعلومات المغلوطة، والتنبه إلى أن وسائل الإعلام الرقمية لا تظهر، في الكثير من الحالات، واقعاً موضوعياً أو صورة حيادية.
تساهم التربية الإعلامية والرقمية، وفق جاد ملكي، في تطوير الفكر النقدي عند المستخدمين، وتمكينهم من مواجهة الآثار السلبية للإعلام الرقمي والتقليدي، مثل بعض الصور النمطية التي يكرسها عن جسد المرأة والنحافة وعمليات التجميل والمثليين والأقليات والبروباغندا، وفي تعزيز قدرتهم على استخدام أدوات التواصل الاجتماعي بفعالية لتغيير واقع معيّن أو التعبير عن الرأي.