يخبر سيغال: «سي أن أن» كيف أن «العرب يمكن أن يكونوا أصدقاءه، وليسوا جميعهم أعداءه، بل جيرانه». ويضيف بأنه يدرك أن خطوته لن توقف الاحتلال، لكنه يأمل أنّ تلهم آخرين
على هامش الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، تتجه أنظار الإعلام الغربي اليوم، وما يتبعه على الموجة ذاتها عربياً، إلى «الداخل الإسرائيلي»، لتقديم أخبار ذات طابع اجتماعي وإنساني.
وبالرغم من أن تلك الأخبار تبدو للوهلة الأولى منفصلة لا رابط بينها، إلا أنها تشكل بِكُلِّيَّتِها تتمة غير مباشرة للدعاية العسكرية والسياسية الإسرائيلية، حين النظر إلى اختيار توقيت عرضها واتفاقها في المقصد والهدف.
خلال الأيام الماضية، تناولت كل من وكالة «رويترز» و«بي بي سي عربي» وقناة «العربية» بشكل موسّع، الجدل المثار حول زواج الفلسطيني محمود منصور من اليهوديّة موريل مالشا.
وتم نشر التقرير عشرات المرات وإعادة بثه بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي من دون وجود ما يبرر هذا الاهتمام الخاص بالخبر، كما عرضته قناة «بي بي سي عربي» أكثر من أربع مرّات.
وتمّ التركيز في تداول الخبر، على دور الشرطة الإسرائيلية التي شكلت سلاسل بشرية حول مكان العرس، لمنع أكثر من 200 يميني متطرف، من مهاجمة المدعوين. ولم يحد التعاطي الإعلامي مع الخبر، عن السياق العام التضليلي الذي يروّج للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كأنّه مسألة ثأر بين المسلمين واليهود، بشكل يعرّيه من الطابع السياسي والحقوقي. تشابهت التقارير حول الزفاف في مضمونها، إذ ركّزت على صورة «إسرائيل المتحضرة التي تحترم حق الناس في الاحتجاج»، مشيرةً إلى أنّ العريس رفع دعوى أمام المحكمة قبل الحفل طالباً وقف الاحتجاج، لكن دعوته رفضت.
رسمت التقارير صورة العروسين السعيدين، رغم الاختلافات بينهما. وتم التركيز على النساء المسلمات اللواتي يحتفلن جنباً إلى جنب مع صديقات العروس من ذوات الفساتين القصيرة والملونة، مقابل صور المحتجين الغاضبين الذين يلوحون بالأعلام الإسرائيلية، في إشارة ربما إلى أنّ «إسرائيل» تتسع للجميع، يمينياً متطرفاً كان أم عاشقاً.
وفي سياقٍ بدا منفصلاً، نشرت «سي أن أن» تقريراً بعنوان: «الإسرائيليون الرافضون: لماذا نشعر نحن أيضاً بأننا «تحت الاحتلال» (3:03 د.)، تلتقي فيه مراسلة القناة صايمة محسن، بمراهق إسرائيلي رفض الانضمام إلى «قوات الدفاع الإسرائيلية». يبدأ التقرير بلحظة خروج يودي سيغال من السجن لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أسرته، قبل العودة إليه مجدداً، ليستكمل 20 يوماً آخر خلف القضبان.
يخبر سيغال: «سي أن أن» كيف أن «العرب يمكن أن يكونوا أصدقاءه، وليسوا جميعهم أعداءه، بل جيرانه». ويضيف بأنه يدرك أن خطوته لن توقف الاحتلال، لكنه يأمل أنّ تلهم آخرين، بالتفكير مرّتين قبل الانضمام إلى الجيش. تركّز «سي أن أن» على «المناخ الديموقراطي» الذي يسود المجتمع الإسرائيلي، بدءاً من الأسرة المنقسمة بين أبناء يخدمون في الجيش الإسرائيلي وابن مستنكف، وأم محبة تحترم الاتجاهات المختلفة لأبنائها، وأب يقول إن «حماس مخطئة لكن إسرائيل ليست بالملاك». ينسحب ذلك على الجيش الإسرائيلي نفسه الذي لا يجبر الشبان على الخدمة قسراً.
نسمع في تقرير «سي أن أن» أمّ الجندي المتخلّف عن الخدمة تقول: «نحن نحتاج إلى أن نسمع هذه الأصوات الرافضة. يجب ألا نخاف، لا شيء سيحدث لإسرائيل إذا ما قال 400 شخص بأنهم لا يريدون الذهاب إلى غزة». وللمفارقة، تختصر عبارة الأم الأخيرة سبب اهتمام الإعلام الأميركي بمتابعة حالة سيغال وأمثاله، إذ إنهم قلّة، لا يشكلون خطراً على «دولة إسرائيل». لكن إعطاءهم هامش استنكار ممارسات الجيش الإسرائيلي، يخدّم صورة «الدولة الديموقراطية» كما يروّج لها الإعلام، ويظهر الجيش باعتباره مؤسسة «لطيفة» وغير قمعية، قد تضمّ في صفوفها بعض «السيئين».
انطلاقاً من المغالاة بتظهير خبر العرس، والاهتمام بقصص سيغال، لا يصعب التنبؤ بأن المؤسسات الإعلامية الكبرى ستنتهج في الأسابيع القليلة القادمة سياسة جديدة، تحيد فيها كاميراتها عن ساحات المعارك، وتتنقل بين البيوت والشوارع في فلسطين المحتلة لإنجاز تقارير مؤثّرة، أبطالها «مدنيّون إسرائيليون»، يقدّمون صورة مضيئة عن «إسرائيل المتعددة والديموقراطية»، في بؤرة مظلمة تسمى الشرق الأوسط.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه