يقتضي الحد من خطر الظاهرة الداعشية عدم الاكتفاء في التعامل معها بما هي بنية موجودة بذاتها، بل التعامل معها من حيث هي جماعة قائمة بغيرها، وبالتالي التوسع في معالجة مسبباتها وظروف نشأتها وامتداداتها
حبيب فياض
يقتضي الحد من خطر الظاهرة الداعشية عدم الاكتفاء في التعامل معها بما هي بنية موجودة بذاتها، بل التعامل معها من حيث هي جماعة قائمة بغيرها، وبالتالي التوسع في معالجة مسبباتها وظروف نشأتها وامتداداتها. ذلك مطلوب كون «داعش» حالة متحركة غير جامدة ، ممتدة وغير محصورة، وقادرة على التوالد والتعويض عما يلحق بها من نقصان في الامكانات البشرية والمادية. فالداعشية ليست وليدة لحظة استثنائية من تاريخ المنطقة، بل هي نتاج شبه طبيعي لمسار غير طبيعي من التراكمات المؤسسة لتفشي ظاهرة العنف في أوساط العرب والمسلمين.
واذ لا استثناءات في كون المنطقة كلها، بمكوناتها وشعوبها، عرضة للخطر الداعشي، فإن المنهج التتابعي يفضي الى القول بأن المعضلة الداعشية سعودية المنشأ والولادة، وذلك بمعزل عما اذا كانت طبيعة العلاقة بين «داعش» ونظام الحكم في المملكة قائمة على أساس التآلف أو الاختلاف. فالاسلام التكفيري الذي تفرعت منه «داعش» وأخواتها انما هو، بالدرجة الأولى، نتاج البيئة السعودية القائمة بالتواطؤ على ثنائية «الدين» والعشيرة، والخاضعة قهراً لثلاثية التحجر في فهم الدين، الجور في السلطة، والتبعية في العلاقة مع الخارج.
في المملكة، يُختزل الدين بالمذهب الوهابي بوصفه الدين الرسمي والوحيد للدولة. إذ الوهابية بما هي نزعة تكفيرية، ليست مجرد مذهب معترف به في المملكة بل هي متبناة كإطار شرعي وديني للنظام والحكم. وهي بذلك (الوهابية) حاكمة على قاعدتين: التشدد في المعتقد، باعتبار كل من خالف أو أنكر تعاليمها كافرا. والتعسف في الممارسة، بدءا من المطوعين الذين يجوبون في الشوارع والاسواق لإجبار الناس على إقامة الصلاة، مرورا بحرمان المرأة من قيادة السيارة، وليس انتهاء بهدم الأضرحة والمقامات الدينية بتصنيفها من مظاهر الشرك. ينجم عما تقدم أن الوهابية هي الوجه الفقهي والعقائدي لـ«داعش»، فيما هذه الأخيرة هي الوجه «الجهادي» للوهابية.
لا يكفي العامل العسكري وحده لمواجهة الخطر الداعشي بوصفه وجوديا يتهدد المنطقة بأسرها. المواجهة العسكرية من الممكن ان تؤدي الى إضعاف «داعش» ومحاصرتها والحد من فاعليتها وانتشارها، لكنها لن تؤدي الى استئصالها والخلاص من شرورها على طريقة رميها في الصحراء. فالخلاص منها غير ممكن من دون اصلاحات جوهرية وتغييرات بنيوية في البيئات المنتجة لها، وفي مقدمتها البيئة السعودية. ذلك ضروري، اولا من اجل ضمان الحد من التكاثر الداعشي في المجتمعات المصدرة للجماعات التكفيرية، وثانيا من اجل إفساح المجال امام عودة الداعشيين الى بلادهم على امل الاندماج في المجتمع و ممارستهم المعارضة ضمن الوسائل المشروعة، وصولا، ربما، الى المشاركة في السلطة. في غير هذه الحالة ستظل كرة الثلج الداعشية تتدحرج في أكثر من اتجاه.
لا تمكن مواجهة الحراك الداعشي القائم والقادم، من دون استراتيجية موحدة يتم تبنيها من قبل الاطراف المتضررة منه، إضافة الى وقف اشكال الدعم والتأييد التي تقف خلفه. فـ«داعش» المدعومة اقليميا أكبر من دولة، فيما هي المجردة من هذا الدعم جماعة اقرب الى العصابة. و«داعش» المحتضنة محليا تستطيع احتلال جغرافيات واقامة دولة الخلافة، بينما هي الفاقدة لهذا الاحتضان ليست سوى خلايا يقتصر فعلها على القيام بعمليات ارهابية. و«داعش» الحاملة للواء السنة تستطيع اثارة العصبيات واشعال نار الفتنة بين المسلمين، في حين انها المجردة من هذا اللواء مجموعة من المجرمين الخارجين على الاسلام والانسانية.
تضعنا المعضلة الداعشية أمام معادلة مختلفة، وهي أن مواجهة القوات السورية لـ«داعش» عامل حاسم، في حين ان تغييرات جوهرية في النظام السعودي باتت ضرورة للخلاص من هذا الخطر.
http://www.assafir.com/Article/1/367927
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه