بدأ التحذير في خطابات السيد وبشكل علني منذ عام منذ عام 2003 حين نبه من بداية الخطر التكفيري
خليل موسى – موقع المنار – دمشق
وقائع تتحدث عن أنها أصبحت من كبرى الدول مساحةً في المنطقة، ولم يعد ذكرها مجرد ظاهرة إعلامية او سياسية بقدر ما أصبحت واقعا إجراميا بكل ما تعنيه الرؤوس المقطوعة والمعلقة كيافطات الإعلان، والحديث عن هذه الظاهرة التي تتفشى كبقعة زيت حمراء على قطعة من الكتان، ليس بجديد، إنما هناك اول من كان قد تنبه منه وحذر الجميع منذ بداية ظهور الفكرة التي أصبحت اليوم خطرا محدقا بكل مكونات الحياة في المنطقة، وأولها الخطر الوجودي.
انطلاقا من سورية، وصولاً إلى العراق، والتهديدات التكفيرية باحتلال كامل المنطقة، وخارطة ترتسم، أو هناك من رسمها وما على التكفيريّ إلا التنفيذ، تحديدا ما جاء في العام 2003 حين انتشرت على مواقع الانترنت خارطة جديدة تنبئ بما أطلق عليه حينها "شرق أوسط جديد" مُقسم دينياً وطائفياً، ومنذ ذلك الوقت وسماحة السيد حسن نصر الله يحذر من خطر كان لم يبدأ بعد إنما استشف ذلك من خلال عمق النظرة والتفكير والحنكة التي لديه، كل هذا جعله يتلمس الخطر ويحذر منه ويدعو للوقوف في وجهه.
بدأ التحذير في خطابات السيد وبشكل علني منذ عام منذ عام 2003 حين نبه من بداية الخطر التكفيري الذي بدأ في أفغانستان فقال سماحته حينها "أي اتجاه تكفيري في الامة هو اتجاه تدميري والاتجاه التدميري يسقط كل الحرمات، لا يبقى هناك حرمة لا للمسجد الحرام ولا لمسجد النبي ولا لمقام علي ولا خليفة ولا صحابي ولا تابع بإحسان، الاتجاه التكفيري لا يبقي حرمة لا لدم ولا لعرض ولا لمال ولا لمستقبل، الاتجاه التكفيري هو اتجاه شيطاني غرائزي متحجر لا يستند لأي منطق قرآني او نبوي، ويجب أن يواجَه".
كما لم يغفل سماحته حينها التحذير مما يجري اليوم في المنطقة وجاء بكلامه "عندما تثار العواطف والاحقاد الضغائن، وعندما الأحقاد تسيطر على المشاعر، لن يبقى مكان لعاقل شيعي أو لعاقل سني، ستصبح الساحة بيد (السي آي إيه) ويد الموساد اللتين أقسم بانهما تخترقان العديد من المجموعات التي ترفع شعار الاسلام وراية من اجل ضرب المسلمين من داخل مجموعاتهم، ومن داخل تنظيماتهم ومن داخل مؤسساتهم."
التحذيرات التي استمرت خلال الفترة كاملة من ذاك الوقت لم تلق الصدى المطلوب حتى ظهور داعش، ومن ابرز ما تحدث عنه السيد في خطاباته الاخيرة، كان عن الخطر الوجودي على شعوب المنطقة. وشرح سماحته لخطر داعش على المنطقة، متمثلا بقوله "المسار الحالي خطير للغاية لأنه يهدف إلى تفتيت كل شيء"، متابعا بصريح عبارته ضرورة مواجهة "الخطر الوجودي يكون أولوية في المواجهة، وخلاف ذلك يكون أعمالاً غير مسؤولة"، كما كان لافتا تركيز السيد على الأماكن التي تسيطر فيها داعش وربطه بإشارات استفهام عن دعمها وسبب وجودها هناك وتمثل هذا بقوله "داعش يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، وسيسيطر على النفط والأنهار وسدود رئيسية ولديه كميات كبيرة من السلاح والذخائر".
كما كان حديث السيد حسن دائما يشرح الممارسات التي يقوم بها التكفيريون في المناطق التي يسيطرون عليها فقد كان يربط دائما ما بين التصرفات والنوايا والارتباطات لهذا التنظيم الذي ظهر فجأة وربطه أيضا بالكيان الصهيوني.
موقع المنار الالكتروني وللوقوف على التحذيرات التي أطلقها السيد حسن، وعلى ما سبق من حديث، استضاف في دمشق الدكتور أسامة دنورة الباحث والمحلل السياسي، الذي بدأ حديثه باستعراض لما يجري في المنطقة على يد داعش من تكفير وارهاب واصفاً بأنه "وصل الى حدود غير مسبوقة في تاريخ المنطقة الحديث، وربما ندر مثيلها عبر التاريخ الإنساني على امتداد الحضارات المتعاقبة على المنطقة والإقليم.."
كما اكد دنورة ان ما مثلته من الشعارات المذهبية مهّد لاستشراء ظاهرة الإرهاب، وعمل على منحها الغطاء المعنوي المطلوب بهدف تغطية طبيعة التوظيف السياسي لظاهرة التطرف الديني بحيث تصب في خدمة مصالح الدول المعادية لشعوب المنطقة واستقلال قرارها الحر.."
كما ذهب للتأكيد على كل ما ذكره سماحة السيد حسن نصر الله من ممارسات وتدمير الارهاب التكفيري للمجتمع الاسلامي والعربي ليدخل بعدها الى القول بأن المجتمع الدولي تنبه أخيرا لهذه الظاهرة وأصدر القرار 2170 الذي أقر إجراءات تستهدف وقف التمويل والتعامل الاقتصادي والإمداد بالسلاح والمقاتلين عن داعش وجبهة النصرة، تاركا تساؤلا عن مدى جدية المجتمع الدولي في تنفيذ القرار المذكور.
حديث دنورة عن المُحذِّر الاول من خطر الكفير في المنطقة..
يقول دنورة "لقد حققت المقاومة الوطنية اللبنانية ممثلةً بالسيد حسن نصر الله قصب السبق في تشخيص داء الإرهاب التكفيري والتحذير منه ومن آثاره التدميرية على المنطقةبجميع مكوناتها دونما تمييز".
ووفق دنورة "فقد أكد السيد نصرالله أن التهديد الثاني بعد الكيان الإسرائيلي الذي يهدد كل دول المنطقة، هو خطر الارهاب التكفيري، ورأى أن "التكفير بحد ذاته لا يشكل خطرا اذا كان الامر يبقى في الدائرة الفكرية"، ونوه الباحث إلى "إشارة السيد أكثر من مرة إلى أن أهل السنة معرضون قبل غيرهم للضرر الأقسى والأعم جراء فكر وسلوك الجماعات التكفيرية، وقد أثبتت هذه الجماعات عبر إعدامها لرجال الدين السنة، وتدمير الأضرحة والمقامات التابعة للطائفة السنية"، وتكفيرها للسواد الأعظم من أتباع الطائفة السنية، ليصل المحلل السياسي من خلال ما يعرضه إلى نتيجة لخصها بعبارته "ثبتت صحة وجهة نظر السيد واستشراقه الدقيق لمستقبل وتطور سلوك هذه الجماعات، وهو ما ظهر بشكل صارخ بعد تمدد داعش في العراق.."
الأسباب التي جعلت السيد حسن يتنبه للخطر التكفيري برأي التحليل السياسي للواقع..
المحلل السياسي أسامة دنورة من خلال قراءته للواقع الأخير حول داعش والخطر التكفيري ذهب إلى بحث الأسباب التي جعلت السيد حسن نصر الله يتنبه بالخطر قبل وقوعه بسنوات، ويحذر منه كما جاء بمقارنات ومفارقات موضوعية بين التيار الذي يقوده الأمين العام لحزب الله، والتيار التكفيري ليخلص إلى نقاط عدة :
يقول دنورة "امتلك السيد نصر الله معرفة وافية وتفصيلية بتركيبة القوى التكفيرية ونمط تفكيرها"، ليبدأ بسرد النقاط التي برأيه سبب لما يقوله وقسّمها إلى نقاط أساسية:
أولاً- الوعي التاريخي والفلسفي والسياسي العميق الذي تمتلكه المقاومة ممثلةً ببناها السياسية والفكرية وأمينها العام.
ثانياً- إدراك المقاومة لأسلوب المزاوجة بين الحراك الشعبي المحرض بأساليب إعلامية دعائية وفتاوى دينية، والنشاط الارهابي كطريقة لتشكيل عامل ضاغط يستخدم كورقة هامة في اللعبة السياسية الإقليمي..
ثالثا- الاختلاف والتناقض في الرؤية والمشروع الحضاري الذي تمثله المقاومة من حيث كونها مشروعا وطنيا يستلهم القيم الدينية لتحرير الأرض والإرادة، بالمقارنة مع سعي القوى التكفيرية لتسخير القيم ذاتها في اتجاه معاكس يصب في إضاعة بوصلة الصراع مع العدو الإسرائيلي يستفيد منه الغرب.
رابعا- التناقض الجوهري في الهيكل السياسي الحداثي المتمثل في الشورى والتقاليد الديمقراطية التي تصنع القرار السياسي في الحزب عبر مؤسسات سياسية واجتماعية مركبة، من جهة، في مقابل حالة الزعامة الفردية الأحادية، التي تميز مصادرة قرار كامل المجموعة التكفيرية لمصلحة أميرها أو زعيمها الأوحد.
خامسا- التناقض بين المشروع السياسي لحزب الله في لبنان والمشروع السياسي الاستئصالي للجماعات الإرهابية على مستويين: يتعلق أولهما بانخراط الحزب في الحياة السياسية اللبنانية وقبوله بالأطراف جميعها كشركاء في الحياة السياسية على قدم المساواة، في مقابل رفض الجماعات التكفيرية لبنية الدولة ومؤسساتها السياسية لصالح هدم هذه البنى والاستعاضة عنها بفوضى سياسية لا تتمتع بالبنيتين المؤسساتية والهرمية، أما المستوى الثاني برأي دنورة فيتعلق بتناقض البنى الإيديولوجية التي تمثل عمقاً استراتيجياً فكرياً لإيديولوجية المقاومة مع تلك البنى التي في نظر التكفيريين.
البند الأخير أفرده دنورة إلى لبس في علاقات داعش، فتحدث عن التناقض المحسوس بين استقلالية القرار الوطني للمقاومة واعتمادها على تحالفها مع دول المنطقة التي تتمتع بالقرار الحر، في مقابل غموض ظروف التمويل والتسليح والنشأة التي تميز الجماعات التكفيرية، لا سيما علاقاتها المؤكدة مع الأنظمة التابعة للولايات المتحدة والدعم الذي تلقته بصورة مباشرة او غير مباشرة وتحت مسميات متعددة من الغرب والولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي على حد سواء..
إذاً من النقاط التي ذكرها دنورة ومن حديثه عن التنبه المسبق للخطر والتحذير منه كان لا بد أن يقف العالم أمام هذه التنبيهات الصريحة وقفة واضحة والعمل على التخلص من حدوثها حسب ما يقول مراقبون، إلا إذا كانت نوايا الدول المعادية هي كما كان يراها السيد حسن نصر الله، وهذا ما اثبتته الوقائع اليوم.