ليست واضحة بعد طريقة تعاطي الإعلام العربي بكافة أشكاله مع هذه الدعاية، فهو في بعض الأحيان عنصر من عناصرها بطريقة غير مباشرة، فبحجة نقل الصورة ننشر الصورة، وبحجة الموضوعية نشارك في زرع الخوف
فلنتخيل معاً هذا المشهد: المسؤولون عن الملف الإعلامي في تنظيم داعش الإرهابي جالسين أمام حواسيبهم في حال نشوة تتزايد عند تزايد عدد متتبعيهم على twitter وبسماتهم تزداد عند ازدياد نسبة مشاهدي قنواتهم في Youtube .
نستطيع أن ترى بريق أعينهم وهم يتأملون خريطة انتشار الفيديو الذي قاموا بنشره, ونستطيع تصور لسان حالهم كأنهم يقولون: أنظروا إنهم يخافون, لاحظوا تعليقاتهم, تصريحاتهم الإعلامية, أصبحنا داخل منازلهم .. إلخ. إذاً هي نشوة انتصار، على الأقل انتصار على الصعيد الترويجي ونشر البروباغندا الخاصة بهم .
المشكلة ليست في أن يحقق العدو انتصاراً بأدواته، فهو شيء يحصل غالباً، فالحرب سجالٌ كما يقال, لكن المشكلة هنا هي أن يسجل العدو انتصاراً بغير أدواته, وكي لا أكون متشائماً جداً فلنقل بأدواته ولكن مستفيداً من أدوات خصمه.
فتنظيم داعش حالياً بالإضافة إلى منتدياته الإلكترونية - والتي تعدّ من أعمدة أدواته الإعلامية للترويج لفكره ولتجنيد العناصر- أصبح أيضاً يستفيد من وكالات الأنباء العالمية, المواقع الإلكترونية, مواقع التواصل الاجتماعي, مواقع تبادل الصور والفيديو لنشر البروباغندا الخاصة به. ومعروف أن البروباغندا هي في الأساس عملية توجيه المعلومات والرسائل ونشرها بطريقة مركزة تهدف إلى التأثير على سلوك أكبر مجموعة ممكنة من الأشخاص باستخدام مجموعة من العناصر مثل الشعارات والتكرار والاستفادة من الشخصيات والتنميط .
إذاً، نتكلم هنا عن عملية نشر أفكار ورسائل. وعندما تضع كلمة نشر أمام كلمة إنترنت فستحصل في خلال ثوانٍ على نتائج مذهلة فيما إذا قمت بدمج هذين المصطلحين. وفي الزمن الحالي لا تحتاج للترويج لشيء ما سوى إلى حاسوب مع اشتراك إنترنت وإلمام ببعض مواقع التواصل وأساليب الدعاية. هذا بالنسبة إلى فرد واحد, فما بالك إذا ما تكلمنا عن تنظيم فكري وأصولي كبير مدعوم في بعض الأماكن من جهات استخباراتية ويعتمد في كل حركة يقوم بها على أساليب الإقناع والدعاية والترويج . لكنهم أصبحوا يلعبون اللعبة باحترافية أكثر.
هم الآن لا يكتفون بإظهار القوة فحسب, بل يركزون أيضاً على استقطاب العواطف وهو أخطر بأضعاف من إظهار القوة. ففي الآونة الأخيرة نشر مركز الحياة، الذراع الإعلامية للتنظيم، فيديو مترجماً إلى اللغة الإنجليزية على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر اﻷطفال الصغار، وهم يفطرون في شهر رمضان الكريم مع المسلحين. وبعدها بأسبوع، نشر مركز الحياة فيديو يتزامن مع قدوم عيد الفطر المبارك وينهي شهر رمضان بعمليات قتل جماعية، كما ينشر مركز الحياة خطابات إخبارية على الإنترنت مترجمة إلى الإنجليزية. هذه الدعاية تواكب حركة داعش خطوة خطوة.
مئات الصفحات على موقع facebook وآلاف البوستات يومياً والتي تحتوي على كم هائل من التحريض الوقح والعلني وعدد كبير من الشائعات والمعلومات المضللة عن تحركات داعش في العراق وسوريا, بالإضافة إلى شائعات عن دولة داعش في لبنان, وآلاف التغريدات على موقع twitter يومياً كان آخرها صورة مركّبة لعلم "الدولة الاسلامية" على هاتف ذكي أمام البيت الابيض، في توجه يميل أتباع التنظيم ومناصروه الى تعميمه للقول إنهم موجودون في كل مكان، وحتى في قلب واشنطن. وقبل أيام، انتشر فيديو تحت عنوان "رسالة الى الشعب الاميركي" وفيه صور نعوش ملفوفة بالعلم الاميركي وكتب تحتها:"هذا ما سيحصل لكم في اي مكان كنتم اذا قصفت المقاتلات المجاهدين".
أضف إلى ذلك صور القتل الجماعي للجنود العراقيين الذين تنشر صورهم على الموقع نفسه. وفي أبريل/ نيسان 2014 طور التنظيم تطبيقاً الكترونياً مجانياً يسمى "فجر البشائر"، يقوم بنشر التغريدات – التي وافق عليها مديرو داعش الاعلاميون – تلقائياً على حسابات المشتركين في الخدمة. الموضوع نفسه أيضاً على Youtube الذي يستفيد منه داعش في نشر مقاطع الفيديو التي يظهر فيها وحشيته من قطع الرؤوس إلى الإبادة الجماعية إلى الرسائل المسجلة وغيرها .
في الجهة المقابلة، استطاع الإعلام الغربي تخطي فخ البروباغندا في بعض الأحيان وفشل أحياناً، بل لعله فشل غالباً. أما في نجاحاته، فلنأخذ مثالاً موضوع قتل الصحفي الأميركي جيمس فولي منذ أيام. لا يخفى على أحد أن الهدف الرئيسي لداعش هو انتشار مقطع الفيديو ليصل إلى جميع أنحاء العالم. لكن مع بداية نشر الفيديو لم تقم أي من وكالات الأنباء العالمية بعرضه, وقام موقع youtube بحذف المقطع مباشرة, لكنه بقي على مواقع أخرى لا تسيطر عليها الحكومات. وقررت صحيفة نيويوك بوست أن تستفيد من الفيديو بطريقة هجومية ورد الصفعة إذ نشرت صورة من الفيديو مع عنوان "المتوحشون".
المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي امتنعوا عن تداول الفيديو المنشور بمبادرات فردية أعربوا فيها عن وعيهم للبروباغندا الداعشية. ولم يكن هذا الوعي نفسه على مستوى التفاعل العربي مع الخبر, إذ قام العديد من المواقع الإخبارية بنشر الفيديو. كذلك الأمر بالنسبة لعدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي, وساهموا بشكل غير مباشر في نشر هذه البروباغندا. إذاً، بات جلياً التكتيك الدعائي الذي يعتمده داعش, والخطة والأهداف والأدوات.
ولكن ليست واضحة بعد طريقة تعاطي الإعلام العربي بكافة أشكاله مع هذه الدعاية, فهو في بعض الأحيان عنصر من عناصرها بطريقة غير مباشرة, فبحجة نقل الصورة ننشر الصورة, وبحجة الموضوعية نشارك في زرع الخوف, وبحجة التغطية الكاملة نوصل رسائل داعش إلى المكان الذي تريده داعش. لذا، فنحن نحتاج الآن أكثر من أي مضى إلى ندوات وخطط مشتركة وفرق عمل لمواجهة هذه البروباغندا التي لن تدخر جهداً في تطوير نفسها .