لا توجد، بعد، دلائل جدية على أن الولايات المتحدة ملتزمة تطبيق القرار الدولي 2170 ضد «داعش» و«النصرة». يعتقد رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي أنه، بعكس تنظيم «القاعدة» الأمّ، ليس لدى «داعش»، حتى الآن
ناهض حتر
لا توجد، بعد، دلائل جدية على أن الولايات المتحدة ملتزمة تطبيق القرار الدولي 2170 ضد «داعش» و«النصرة». يعتقد رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي أنه، بعكس تنظيم «القاعدة» الأمّ، ليس لدى «داعش»، حتى الآن، خطط تهدّد الولايات المتحدة وأوروبا بصورة مباشرة. وهو تقويم صحيح؛ فـ «داعش» تنظيم إقليمي محلي، وليس أممياً، وأحد الخلافات الرئيسة بينه وبين «القاعدة»، إصرار الأول على أولوية مقاتلة «العدو القريب»، ثم على إقامة الدولة والخلافة في جغرافيا سياسية معينة تضم مناطق قبلية ــــ سنية تمتد عبر البادية السورية وحولها.
وهذا المشروع هو تكرار بسيط للدولة السعودية التي قامت على تحالف قبلي ــــ وهابي، وتمكنت من إقامة المملكة العربية السعودية في معظم أراضي الجزيرة العربية، بالإرهاب «المقدّس».
بماذا يضر مشروع الدولة «الداعشية» هذا المصالح الأميركية؟ بالعكس؛ إنه ينشئ محمية نفطية أخرى على الطريقة الخليجية، وينتج عنه تقسيم سوريا والعراق، مما يُضعف هذين البلدين العربيين المركزيين، ويلزّهما إلى تفاهمات مع واشنطن التي استعادت، بمناسبة تهديدات «داعش»، قدراً من نفوذها في العراق، وتبتزّ سوريا، لفرض نفوذها على هذا البلد العربي الوحيد الذي يتمتع بالسيادة الوطنية.
لكن «داعش» ــــ ذلك المشروع الذي انتجت برنامجه، على الأرجح، دوائر استشراقية استخبارية بريطانية، تعرف المنطقة، تاريخياً وسياجتماعياً وديموغرافياً وثقافياً، أكثر من الحكومات والمثقفين في المنطقة، أعربت، سريعاً، عن طموحها التوسعي في اتجاه إقليم كردستان، بينما البلدان الآخران المرشحان، هما الأردن والسعودية. وعلى رغم أن حكومات كردستان والمملكتين كانت قد تورّطت، بهذا الشكل أو ذاك، مع الدواعش، منذ البداية، وخصوصاً في انقلاب الموصل، فإن الحدود التي تطمح إليها هذه الحركة القبلية ــــ التكفيرية ــــ الإرهابية، تشمل كردستان العراق، وأقساماً من الأردن والسعودية، حيث الأرضية الاجتماعية الطائفية السياسية، مناسبة للغاية؛ الحواضن موجودة والتأييد والرجال والمال والسلاح.
أفلت الوحش من العقال، وصار، حسب ديمبسي، يشكل «تهديداً إقليمياً». وهو، بالمناسبة، يشمل، لاحقاً، أقساماً من تركيا؛ لكن الأخيرة لا تزال تقدم خدمات الاستقبال والنقل والدعم اللوجستي لمقاتلي «داعش» وسواها من التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا.
ديمبسي «واثق» من أن الأتراك والأردنيين والسعوديين سينضمون إلى الولايات المتحدة، في «سحق داعش»؛ فماذا عن المتضررين مباشرة من هذا التنظيم ــــ «الوحشي» حسب ديمبسي نفسه ــــ أي العراقيين والسوريين، ماذا عن الروس والإيرانيين؟ كل هؤلاء يريدون «جبهة موحدة» ضد الإرهاب، لكن واشنطن لا تزال مصممة على العمل وحدها، رفقة الأنظمة الإقليمية الحليفة، وبالتعاون مع تنظيمات «معتدلة»، ولكنها، في الحقيقة، لا تقل وحشية عن «داعش». ما حدث حتى الآن: بضع طلعات جوية أميركية لم تلحق خسائر تذكر بالدواعش، ولكنها أرسلت إليهم رسالة واضحة: ممنوع الاقتراب من كردستان؛ وصلت الرسالة! وهذا كاف بالنسبة للأميركيين الذين لم يقدّموا لبغداد، حتى الآن، الدعم التسليحي والاستخباري اللازمين للمواجهة، كما أنهم، وهذا هو الأهم، لم يمارسوا أي ضغط على الأتراك للتوقف عن القيام بدعم الإرهاب عبر حدودهم، بينما الدعم السعودي لا يزال مستمرا للمجموعات الوهابية الطائفية المسلحة في سوريا، وتتولّى عمّان، شؤون الجماعات المسلحة السنية العراقية «المعتدلة»، ولا يوجد هناك تفسير للمظاهرات الداعشية العلنية في عدة مناطق في الأردن، وتوخّي الأجهزة الأمنية عدم الصدام معها، والاكتفاء باعتقالات هامشية.
في الجانب الإيجابي، يشكل القرار الدولي بمكافحة «داعش» و«النصرة»، انتصاراً سياسياً لسوريا والعراق وإيران وروسيا؛ لكن، في الجانب السلبي، هناك سيناريو حرب أميركية منفردة وطويلة المدى وضعيفة الفاعلية، لا تهدف إلى تصفية «داعش»، ولكن إلى ضبط حركتها في الحدود المرسومة للمصالح الأميركية (في تكرار للحالة الباكستانية) وابتزاز حلف المقاومة، بما في ذلك استمرار دعم التمرد المسلح المعدود «معتدلاً» ضد سوريا، وإطالة مرحلة عدم الاستقرار في المنطقة.
في مواجهة هكذا سيناريو، أعلن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم أن سوريا تشكل الركن الرئيسي في أي تحالف إقليمي أو دولي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وأوضح أن أي عمليات عسكرية على الأراضي السورية من دون موافقة حكومتها، يعد «عدواناً». في اليوم التالي، قرر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، طلعات استطلاع جوية فوق الأراضي السورية، لترصّد «داعش»؛ يعني ذلك اصراراً أميركياً على التصرف بصورة منفردة، وأنها تنوي أن تفتح حرباً مديدة لحسابها في العراق وسوريا، بينما يواصل السعوديون والقَطريون والأتراك، انتاج الإرهابيين ودعمهم، و«مكافحتهم»، في عملية تشبه «الباب الدوّار»!
تطبيق القرار الدولي 2170، يعني وضع الرياض والدوحة وأنقرة تحت الفصل السابع، واجبارها على وقف دعم الإرهاب ووقف الحملات الطائفية المذهبية والقيام بحملات جدية لتجفيف منابع تمويل الإرهابيين، تحت التهديد بجلب قادة هذه الدول إلى المحكمة الجنائية الدولية. غير أن أهمّ ما في هذا القرار هو أنه يسمح للحكومة السورية، بطلب عون عسكري صريح من حلفائها؛ فإذا لم تلاق دعوة موسكو لقيام تحالف دولي ــــ مع الغرب ــــ ضد الإرهاب في المنطقة، فإن قيام هذا التحالف ــــ حتى من دون واشنطن وأوروبا ــــ يشكّل ضرورة استراتيجية لسوريا، كما لإيران وروسيا اللتين يدق التكفيريون الإرهابيون أبوابهما؛ ينبغي ألا يترك الإيرانيون والروس، للولايات المتحدة، فرصة تكرار الحالة الباكستانية في المشرق العربي.