لا يمكن المقاومة الفلسطينية أن تزعم بوجود حليفٍ لها في قطر (السيلية والعديد) وتركيا (الأطلسي)، ولا أن تنكر أو تتنكر لوجود حليفٍ أصيل لها في دمشق (منذ الأزل) وبيروت وطهران.
ها هي أكبر حرب بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني تخاض على أرض غزة بلحمها الحي وبسواعد مقاتليها. وهي المرة الأولى التي تتمكن فيها المقاومة (في غزة) بإقرار العدو والصديق من كسر الآلة العسكرية للصهاينة دفاعاً وهجوماً.
غسان أبو ستة* سعد حميد**/ جريدة الأخبار
كذلك فإنها المرة الأولى التي يلح فيها كيان العدو على وقف النار مراراً وتكراراً دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة (على تواضعها هذه المرة) ويجابه من الجانب الفلسطيني بشروط لوقف النار.
فعلاً إنه زمن جديد...
ها هو عالم «سيادة راعي البقر» يتلاشى مع دخول أفواج من الدول إلى مصاف القوى الكبرى من دول «البريكس» الخمس إلى إيران إلى قارة صاعدة عن بكرة أبيها (أميركا اللاتينية) تعلن تضامنها مع القضية الفلسطينية ومع الحق الفلسطيني بما يتجاوز آفاق بعض الفاسطينيين أنفسهم وأكثرية عرب المشاهدة والرثاء (عند افتراض حسن النية).
فعلاً إنه زمن جديد...
ها هو الواقع العربي يتمزق أمام ناظرينا بين انفجار الشعوب رفضاً للقمع والتهميش والفساد، ولكن دون رؤية ودون بوصلة وبين استغلال أعدائها «لخواء الهدف» الذي سهّل مهمتهم في تفجير هذه الشعوب والمجتمعات من الداخل بواسطة صواعق التكفير الدموي والتعصب المذهبي. وفي خضم هذا الأتون تضيع العروبة وتحشر فلسطين في خانة التلاطم العربي.
فعلاً إنه زمن جديد...
إن هذه الأزمان الجديدة مترابطة ومتشابكة بعضها ببعض وتتباين في روابطها واحتمالاتها بين تناقضات مستحيلة وبين إمكانات وترابطات، بل وحتميات تامة!.
كيف ذلك؟ إليكم ما يأتي:
لا يمكن، بل ويستحيل على الواقع العربي الحالي ببؤسه الفادح أن يكون ظهيراً للمقاومة، لا بنسخته الأطلسية القطرية، ولا بنسخته الأطلسية السعودية.
لا يمكن، بل ويستحيل على السلطة الرسمية الفلسطينية الراهنة التي أدمنت الحضن الأميركي (فتح المفاوضات) والأحضان العربية النفطية (فتح وحماس تبويس اللحى) أن تكون جسراً واصلاً بين شعبها وبين عديد دول العالم المتضامنة والمتعاطفة مع قضية تحرره وكرامته وسيادته. بل إن هذه الرسمية الفلسطينية كفيلة بإحباط هذه الدول وتحييدها كما حدث مع الصين الشعبية (على سبيل المثال لا الحصر).
لا يمكن المقاومة الفلسطينية أن تزعم بوجود حليفٍ لها في قطر (السيلية والعديد) وتركيا (الأطلسي)، ولا أن تنكر أو تتنكر لوجود حليفٍ أصيل لها في دمشق (منذ الأزل) وبيروت وطهران. لا يمكن، بل ولا يجوز لسوريا التي دفعت ثمناً باهظاً لالتزامها القومي ولريادتها في الصراع العربي الإسرائيلي ولإصرارها على إمداد المقاومة الفلسطينية، أن تخرج من مشهد حرب غزة وأن تكتفي بكليماتٍ قليلةٍ. على سوريا أن تكون في قلب المشهد الفلسطيني الغزي، وهي أحرى العرب بذلك، وإلا فإنها تكون قد أعطت أعداءها بمحض إرادتها النتيجة التي أرادوها.
كذلك فإنه لا يمكن ولا يجوز للقوميين ولليساريين الفلسطينيين («الجبهات» كلها) أن يصبحوا ضيوفاً ومدعوين في أرضهم وعلى مأدبتهم تسبقهم الجموع في حضورها وأدائها على مستوى الميدان القتالي والجماهيري والسياسي الفلسطيني. إن «الجبهات» مدعوة (بكل إصرارٍ وأمل) لأن تفهم قبل فوات الأوان أن واجبها تجاه فلسطين والعروبة (وحتى اليسار) لم يكن يوماً بهذا الإلحاح والأهمية والتاريخية.
إليكم بعض الممكنات...هي (أي «الجبهات») التي تستطيع أن تسند المقاومة بحلف عربي وإقليمي متين.وهي التي تستطيع أن تكون جسراً حياً واصلاً بين شعبها وأمتها وبين شعوب العالم المتضامنة وفي طليعتها قارة جيفارا الصاعدة.
وهي التي تستطيع إخراج الحالة الفلسطينية الراهنة من الاستقطاب والتجاذب البائس بين قطر/ تركيا والسعودية/ مصر.
وهي التي تستطيع أن تقدم للشعب الفسطيني ثقافةً تنأى به عن مصائب ومخازي التبعية الغربية والتبعية الخليجية. وهي التي تستطيع أن تقدم خطاباً سياسياً ومشروعاً وطنياً وقومياً يجمع ويوائم بين ضرورتي المقاومة العسكرية والتفاعل مع موجبات وأعراف المجتمع الدولي (كل المجتمع الدولي).
وهي إن فعلت ذلك تكون قد وفّرت لفلسطين ولمن أراد من العرب أسباب الصمود والانتصار.
ولكن هذه الممكنات (الورقية) لا معنى لها إن لم تنتفض («الجبهات») على أزمنة الركود وقلة الحيلة والتذرع بضيق ذات اليد، فلا مبرر بعد اليوم لذلك بوجود إنجاز غزة الأسطوري وباستعداد ظهيرٍ عربي وإقليمي مقتدر وجاد ومعني وبوجود حليف دولي له بالجبهات تاريخ وأهداف وأبطال ونضالات مشتركة. إن المقاومة ليست مجرد كلام أو تاريخ، بل هي فعلٌ وحاضرٌ مكانه في غزة وأوانه الآن...
ألم يحن الوقت ليعود جيفارا غزة إليها؟
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه