بزي كان من «سرايا الاستشهاديين» الخاصة التي دخلت بلدة الغندورية بعدما أراد العدوّ تحويلها الى ركام، فمني بخسائر فادحة
يأخذنا مهدي توبة في مجموعته القصصية «فاتح القلوب ـ راني بزي وقصص أخرى» (مركز باء للدراسات)، الى أغوار الجهاد متنقلاً في الذاكرة بين 2000 أي عام التحرير، وتموز (يوليو) 2006 حيث النصر الاستراتيجي على العدوّ الصهيوني. قصص واقعية تدخل القارئ الى عوالم المقاومين، ولحظاتهم في مواجهة العدوان، فهم أبطال عرفهم الناس بعد استشهادهم.
القصص الأربع تُروى بلسان «ناصر» الشاب الذي لم يختبر نفسه في أي معركة لكنه التحق بصفوف المجاهدين المتجهين الى مواقع الالتحام الأمامية في حرب تموز 2006 في بلدات عيناثا ومارون الراس وبنت جبيل.
سرد يتلوه ناصر منذ مرافقته لمجموعة المقاومين حتى وصوله الى المكان المقصود وتوزعه في ما بعد مع سلاح الهندسة في المقاومة لمساندته في نقل الأسلحة وتمويه العبوات.
البداية مع «فاتح القلوب» كما لقبه زملاؤه الجامعيون، أو صانع العبوات «الحاج حاتم» الذي كُشف عن اسمه في نهاية الأقصوصة تزامناً مع لحظات استشهاده. راني بزي هو بطل حرب تموز وأحد مهندسيها. كان له التأثير الأبرز في شخصية الراوي ناصر في بثه لروح الطمأنينة والسكينة في نفوس المجاهدين مهما احتدمت المعارك واقترب الموت.
نتعرف إلى راني بزي أو الحاج حاتم (اسمه الجهادي) في هذه القصة من خلال تصنيعه للألغام التي لعبت دوراً مفصلياً في الحرب وأسهمت في نصب الكمائن للعدو الإسرائيلي. وهو برز أيضاً في نقل العبوات وزرعها مموهة لاصطياد الجنود ودبابات «الميركافا» على الطرق الترابية التي كانت تسلكها في الجنوب.
بزي كان من «سرايا الاستشهاديين» الخاصة التي دخلت بلدة الغندورية بعدما أراد العدوّ تحويلها الى ركام، فمني بخسائر فادحة. هناك استشهد بزي قبل يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار ومعه 13 من تلامذته خلال مواجهات «مثلث التحرير» (عيترون، بنت جبيل وعيناثا).
بعد الحاج حاتم، ينتقل الكاتب الى قصة «إني مهاجر الى ربي» وحديث عن الإعلام الحربي وتصوير وصايا المجاهدين. يتذكّر ناصر من خلال نظره الى أحد المجاهدين، قصة «ساجد» شقيق المجاهد الواقف أمامه هنا ويعود إلى عام 1999 مع مواجهات «الجبل الرفيع» والاشتباك مع قوات النخبة الصهيونية (إيغوز). وصلت المعركة في ذاك التاريخ الى الالتحام المباشر: جندي صهيوني مقابل مجاهد. تكبدّ وقتها العدو خسائر فادحة واستخدم جميع اسلحته وآلته الحربية ولملم جنوده المتوزعين بين قتيل وجريح. وهناك «هاجر الى ربه» ساجد بعدما أوصى بأن تأخذ والدته مقطوعته الشهرية لأنه كان يوقن بأنه لن يتسلمها بنفسه.
يتنقّل في الذاكرة بين 2000 أي عام التحرير وتموز (يوليو) 2006
يكمل السرد بعد التحرير مع قصة «يا سريع الرضا». لم يسترح المجاهدون بل تضاعفت مهماتهم خصوصاً لجهة بناء مراصد قبالة فلسطين المحتلة والعمل على أسر جنود صهاينة منذ اللحظات الأولى لاندحار الصهاينة. هذه القصة القصيرة تظهر جلياً كم أنّ العدو فعلاً أوهن من بيت العنكبوت رغم امتلاكه لأعتى الآلات العسكرية مقابل عدد قليل من المجاهدين الذين كان يصل عددهم الى 6 استطاعوا بناء المراصد رغم أنف العدو. حادثة طريفة لكن معبرّة حين رشق أحد المجاهدين دبابة بعبوة طعام معلب فارغة داخلها حجر، فما كان من هذه الدبابة الا أن تراجعت خوفاً الى الوراء وبثت دخانها للتمويه تحضيراً للاختفاء.
ويستذكر الراوي الحاج قاسم الذي زار المجاهدين في مرصدهم وقدم لهم النصائح العملانية لمواجهة بطش العدو. الحاج قاسم الذي أقسم بأن لا تطأ اقدام العدو أرض بنت جبيل، وعمل على نصب الكمائن له، استشهد بدوره لدى تفقده جريحاً جراء شن العدو لغارة على المكان الذي كان يوجد فيه.
القصة الأخيرة «تذكار وولاء» تعود إلى بدء حرب تموز 2006 مع أشهر سلاح استخدم وكشف عنه في هذه المعركة: الصواريخ المضادة للدروع التي أشعلت فخر الصناعة الصهيونية: دبابات «الميركافا» مع قصة وجدانية شخصية للراوي (ناصر) الذي ذهب الى ساحات الجهاد رغم عدم موافقة والدته واختبر الموت مع المقاومين، واصفاً تلك اللحظات بطريقة انسانية مؤثرة.