في الوقت الذي لا تزال فيه قوى سياسية تشكّك بالخطر الفعلي الذي يمكن أن تشكّله «داعش» وأخواتها على نسيج المنطقة وعلى الداخل اللبناني تحديدا
لا أرقام دقيقة لأعداد المسلحين في الجرود
ملاك عقيل
في الوقت الذي لا تزال فيه قوى سياسية تشكّك بالخطر الفعلي الذي يمكن أن تشكّله «داعش» وأخواتها على نسيج المنطقة وعلى الداخل اللبناني تحديدا، يمكن توقّع المزيد من جولات الاستخفاف من قبل البعض في التعاطي مع سبت عرسال الأسود ونتائجه!
وبغض النظر عن تناقض التقديرات بين السياسيين حيال الخطر الفعلي الذي تشكّله «داعش» و«جبهة النصرة» على الساحة اللبنانية الغارقة بنزاعاتها وأزماتها المتداخلة، مع شهيتها المفتوحة على كل أنواع الفتن، ثمّة جهات رسمية سياسية تراهن على أن الحلحلة التي بدأت تلوح في أفق المنطقة قد تمنع حصول «عرسال 2».. وربما قد تساهم في طيّ ملف المخطوفين.
في المقلب العسكري الصورة مغايرة. فما دامت المجموعات المسلّحة لا تزال منتشرة في الجرود، والجبهة السورية مفتوحة، والأسرى في قبضة الارهابيين، وبعض عناصر من «الدولة» و«جبهة النصرة» تقصد عرسال لأخذ حاجتها من المؤن، وبوجود عيّنة صغيرة مسلّحة من أهل البلدة قد تستنفر بأي لحظة حين «يناديها الواجب»، فإن «قصة عرسال لم تتنه بعد».
بالطبع حصدت الأغلبية العظمى من أبناء عرسال، ومعها الجيش، ثمار ما زرعته القيادة السياسية طوال أعوام الأزمة السورية، من تقصير في مواكبة ارتدادات البركان السوري على الساحة اللبنانية. أما وقد وقع المحظور، فإن عرسال بعد 2 آب ليست كما قبله.
سريعا طُرحت «الاسئلة المشروعة» لمحاولة كشف القطب التي تحكّمت بالمشهد العرسالي الدموي، وبغية تحديد المسؤوليات في العسكر والسياسة. أخذت الحكومة بصدرها قضية المخطوفين من الجيش وقوى الامن الداخلي، ونقلت النقاش الى مكان آخر. جاء ذلك في محاولة للتغطية على تقصيرها حيال «اللازم والضروري» اللذين لم تقم بهما في مسألتي النازحين والحدود، باستبسالها اليوم لتأمين عودة آمنة لكل المخطوفين الى عائلاتهم، من دون الخضوع، أقلّه حتى الآن، لشروط الجهات الخاطفة.
القيادة العسكرية، وبشكل تدريجي، أدلت بدلوها بدءا من اليوم الثاني لمعركة عرسال من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده قائد الجيش في اليرزة، ومن ثم من خلال مواقف متفرّقة صدرت إما شخصيا عن العماد جان قهوجي أو من خلال «المصادر العسكرية».
كل ذلك تحت عنوان ان الخسائر الناتجة من معركة عرسال، إن لناحية عدد الشهداء أو عدد الأسرى، تبقى أقل كلفة على البلد برمّته في ما لو نجحت المجموعات الإرهابية في تنفيذ مخططها الفتنوي، والذي قبل أن يتمدّد شمالا، كان يمكن أن يشكل جبهة نار مفتوحة بين عرسال واللبوة وجيرانها.
العنوان الآخر ان حسابات الرئاسة لم تكن حاضرة بأي لحظة على طاولة اليرزة، فالمعركة أصلا فُرضت فرضا، والتعاطي معها تمّ وفق معياري استعادة السيطرة على كافة بقع انتشار الجيش، وتجنّب تحويل عرسال الى أرض محروقة بوجود عشرات آلاف المدنيين، مع الحرص على عدم الانجرار الى فخّ السجالات السياسية. أما مفهوم المحاسبة فقد طُبق عبر تحقيق داخلي أجري خلال المعركة وبعدها.
لا تملك جهات عسكرية رقما تقديريا اليوم لعدد المسلحين المنتشرين في جرود البلدة. وبما أن «عرسال لم تنته بعد»، فإن القيادة في اليرزة تتّخذ إجراءات احترازية مع التحسّب لكل الاحتمالات، والعمل بسرية تامة على أكثر من معطى منعا لكشف الأوراق أمام العدو، خصوصا أن مشروع إقامة الامارة لا يزال قائما وينتظر فرصة أخرى. هذا مع العلم بأن 12 فصيلا مسلحا وقّع الميثاق الذي تمّ الاتفاق عليه بين المجموعات المسلّحة «تجاه قرى الرافضة وبعض قرى النصارى» وهي: «جبهة النصرة ـ القلمون»، «الدولة الاسلامية ـ ولاية حمص»، «الدولة الاسلامية ـ ولاية القلمون»، «سرايا الحسين بن علي»، «لواء الغرباء»، «مجموعة أبو علي الشيشاني»، «لواء وأعدوا»، «لواء التركمان» (أبو القاسم)، «تجمع قارة»، «لواء الحق»، «لواء الحمد»، «درع الشريعة».
وثمّة مخاوف جدّية من أن يدفع فصل الشتاء المسلّحين الارهابيين الى التغلغل مجددا والزحف نحو البلدة، بينما الوقائع تشير الى ان عددا من هؤلاء يستفيد حاليا من حصص غذائية تصل الى عرسال ويتمّ الاستيلاء عليها بالقوة أحيانا.
وتفيد معلومات في هذا السياق بأن عدد المسلّحين اليوم داخل البلدة أقل بكثير مما كان قبل 2 آب، حيث كانت الغالبية العظمى من هؤلاء تتّخذ من اهالي عرسال دروعا بشرية لها، بينما القسم الأكبر منهم يتمركز الآن في الجرود. ووفق المعطيات، لا معلومات حتى الساعة عن اعتقال «داعش» أو «النصرة» لأي من أهالي البلدة، في وقت تسيّر فيه دوريات رصد للجيش بشكل دائم في عرسال.
وبعكس البيان الصادر عن «جبهة النصرة» «ببقاء العسكريين الأسرى في عرسال الى حين انسحاب المسلحين الى داخل سوريا»، فإن مصادر عسكرية تعيد التأكيد أن المسلّحين أخرجوا المخطوفين من عرسال بعد عملية الأسر مباشرة، بينما لم تتأكد المعلومات حتى الساعة عن وجود منشقّين في الجيش التحقوا بـ«داعش» و«النصرة» بعد الهجوم مباشرة.
الأهم منذ ذلك، أن دولارا واحدا من المليارات المرصودة للجيش لم يصرف حتى اللحظة عتادا وأسلحة وذخائر، أما التبرّعات فسلكت الخط العسكري السريع. وقد شكّلت حركة الرئيس نبيه بري في اليومين الماضيين مؤشّرا على مواكبة عين التينة بشكل مباشر لملف التسليح في غياب الرئيس سعد الحريري المفترض أنه المعني الأول بالإشراف على تفاصيل هذا الملف.
عسكريا، كل التعزيزات المطلوبة لمواجهة سيناريو مماثل، تتخذ تحت سقف الممكن والمتاح. في تقدير المطلعين، فإن الاستنفار السياسي بعد وقوع الكارثة ظلّ دون المطلوب حيال احتمال سقوط الخطوط الحمر مجددا، وإمكان استفاقة اللبنانيين ذات يوم و«الدولة الاسلامية» صارت على حدودهم وبينهم!
http://www.assafir.com/Article/1/368865
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه