نفّذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في القلمون تهديداته. أعلن ذبح أول عسكري لبناني مخطوف، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات بين مسلحي الجرود والجيش اللبناني
«أنا الرقيب علي السيد… من فنيدق عكار». تلك هي الكلمات الأخيرة التي سمعتها والدة العسكري بصوت ابنها الذي كان مخطوفاً لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» في جرود عرسال، قبل أن تقع عليه القرعة ليقتل ذبحاً، بحسب الصور التي تناقلها مؤيدون لـ«داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي. ربما لم يُقتل بعد، ولا «دليل حسياً» على استشهاده. مصادر قيادة الجيش تجزم بأنه لم يُذبح. لكن تهديدات أمير التنظيم «أبو طلال الحمد»، وتسريبات مصادره، تؤكد أن علي السيد هو المقتول، وأنه لن يكون المذبوح الأخير. كذلك الصور التي جرى تداولها أمس، فهي تُظهر شبهاً إلى حد التطابق بين الرأس المفصول عن الجسد ووجه الرقيب علي السيد. عائلة علي السيد لم تنتظر تحليلاً ولا مختبرات. ثمة حالة من اليقين في بلدته بأن «علي استشهد».
ربما هي النتيجة «الطبيعية» لخفة تعاطي المسؤولين مع الملف على الرغم من حساسيته ودقّته. الدولة اللبنانية قررت أن تقف في موقف العاجز، منذ أن اختُطِف جنود من الجيش ودركيون في عرسال بداية الشهر الجاري. وحتى ليل أمس، بقيت السلطة ترفع الشعار ذاته: العجز، وارتضاء النوم بذلّ تحت حدّ سكين خاطفي الرهائن العسكريين. لم يُدعَ بعد مجلس الدفاع الاعلى (أو ما يعادله) إلى الانعقاد، لردع المسلحين الذين يحتلون منطقة لبنانية تفوق مساحتها مساحة العاصمة. سيُعقد اجتماع أمني اليوم، فهل سيجرؤ المسؤولون على اتخاذ قرار بتحرير جرود عرسال من محتليها؟ أم أنهم سيستمرون في الرضوخ، وانتظار «مكرمة أميرية» قطرية تحرّر من سيبقى على قيد الحياة من العسكريين المخطوفين، لقاء إطلاق سراح سجناء من رومية، أو استجداء «مكرمة رئاسية» سورية تطلق مئات المعتقلين الذين يطالب الخاطفون بتحريرهم؟
في بلدة فنيدق العكارية حال من الهلع والغضب الشديدين تسود جراء قتل العسكري الذي اختُطِف من موقع للجيش في جرود عرسال قبل نحو 25 يوماً. عائلة السيد تؤكد أن الشاب الذي يظهر في الصور هو ابنها، فيما يصرّ عدد من الأمنيين والضباط العسكريين الذين تواصلوا مع العائلة على نفي الأمر، طالبين من العائلة «عدم تصديق كل ما ينشر من صور على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها قد لا تعود بالضرورة لعسكريين لبنانيين». واللافت أن قيادة الجيش لم تصدر بياناً ينفي عملية القتل.
على الرغم من تضارب المعلومات، وتكتّم قيادة الجيش، تندب نساء بلدة فنيدق شهيدهن المغدور، ويسيطر الاستنفار والغليان على رجال البلدة وشبابها. يقول أحد أفراد العائلة إن «أحداً لم يفهم كيف تمت عملية قتل علي أو الدوافع الكامنة وراءها»، مشيراً إلى أن «الصور وصلت إلى هواتف معظم أبناء البلدة عبر برنامج «واتس أب» فجأة، من دون أن يتسنى لنا التأكد من صحتها». وأكد أن «عائلة علي ومعها كل أبناء فنيدق لن يسكتوا عمّا حصل، لأنه ناتج من إهمال الدولة اللبنانية وتقصيرها الفاضح بحق جنودها، لكننا لن نقوم بأي خطوات قبل يوم غد حتى تأتينا أجوبة شافية عن كل أسئلتنا»، معبّراً عن أن العائلة «لن تقيم عزاء قبل أن تتسلم جثة علي وتنتقم له».
وفي موازاة ذلك، جرى تداول مقطع فيديو يظهر فيه العسكري علي السيد والجندي عبدالرحمن دياب وهما يحملان بندقية حربية ويُعلنان انشقاقهما عن الجيش في الأيام الأولى لأحداث عرسال، علماً بأن مصادر مقرّبة من تنظيم «الدولة» كانت أكّدت حينها أن العسكريين المذكورين «أُجبرا على أداء هذا الدور، وأن البندقية التي في حوزتهما هي لزوم الإخراج»، لا سيما أن «توقيت عرض الفيديو أتى بعد المقطع المصوّر لعناصر قوى الأمن الذين أعلنوا فيه انشقاقهم عن الجيش وحزب الله»، بطريقة مسرحية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصورة التي ظهر فيها الجندي مذبوحاً بدا فيها يرتدي نفس «القميص» الذي ظهر فيه في المقطع الذي أدى فيه دور الانشقاق. وعن سبب اختياره من الطائفة السنية، أشارت المصادر إلى أن «الحد سيقام على المرتدين من أبناء جلدتنا يليهم الروافض ثم المسيحيون».
صور ذبح أحد الرهائن توّجت يوماً أمنياً حافلاً أظهر واقع الحال في عرسال على حقيقته: جرود البلدة الشاسعة لا تزال محتلة من قبل مسلحي المعارضة السورية، القادرين على استهداف الجيش اللبناني ساعة يشاؤون. ويوم أمس، أدى هجومهم على موقع للجيش في الجرود إلى فقدان جندي، كان من ضمن مجموعة من 5 عسكريين. عادت الاشتباكات مجدداً، لتتحوّل البلدة والجرود المحيطة بها إلى ساحة معركة. ورغم سقوط شهداء وجرحى للجيش، إضافة إلى نقل عشرات المصابين بين المسلحين إلى مشاف ميدانية في عرسال، أكدت مصادر مسلّحي «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية» أنه «لم يحصل أي اشتباك مباشر مع الجيش»، مشيرة إلى أن الاشتباكات تقتصر على القصف وإطلاق الصواريخ من نقاط محددة. وادّعت المصادر نفسها أن «الجندي المفقود قُتل»، نافية أسر أي جندي في اشتباكات أمس.
وبحسب المصادر الأمنية اللبنانية، «استهدف المسلحون المنتشرون في جرود عرسال دورية من الجيش اللبناني، بعدما حاولوا في الليلة السابقة التسلل والالتفاف حول موقع للجيش في وادي حميد عند أطراف البلدة». وذكرت المصادر أن «الجيش رصد منذ أيام تحركات لمسلحين من النصرة وداعش في جرود عرسال، ومحيط النقاط العسكرية المتقدمة التي يوجد فيها الجيش، وتلك المطلة عليها». وكشفت أن عدداً منهم دخلوا عرسال «بأسلحتهم الظاهرة، ووجهوا اتهامات لعراسلة بالتعامل مع الجيش وحزب الله، وأنه سيتم إعدامهم». وهذا ما «دفع عشرات العائلات إلى ترك البلدة قسراً، حرصاً على سلامة أبنائها»، بحسب أحد أبناء بلدة عرسال.
وتحدثت المصادر عن تعرض آلية عسكرية من نوع «هامر» تابعة للواء الثامن في الجيش اللبناني لكمين في محلة وادي الرهوة في عرسال من قبل مسلحين، مشيرة إلى أن «المسلحين تمكنوا من خطف العسكريين الخمسة الذين كانوا بداخلها، فجرت ملاحقة المسلحين والاشتباك معهم بالأسلحة المتوسطة والثقيلة». وذكرت المصادر أنه «تم تحرير أربعة من العسكريين، وتدمير آلية تحمل سلاحاً من عيار 23 ملم عائدة للمسلحين، في حين بقي عسكري آخر لدى المسلحين، وسط تردد معلومات عن مقتله».
وفي هذا السياق، نشر تنظيم «الدولة» بياناً جاء فيه: «بعد قبولنا تمديد المهلة الممنوحة للدولة اللبنانية لمدة ٤٨ ساعة لتجاوب الحكومة بملف الأسرى على المفاوضات والمطالب، فوجئنا بدبابات أُرسلت إلينا وصواريخ من الجيش بإيعاز من حزب الله للتفاوض بطريقة مباشرة». وأكمل البيان، «وما كان ردّ جنود الدولة الإسلامية إلا قتل من يعتدي علينا». وختم البيان بالقول: «نحن بسيوفنا سنجزّ الرؤوس». وكان قد سبق هذا البيان بيان آخر يتحدث أحدهما عن «محاولة الجيش اللبناني التسلل إلى نقاط رصد في جرود نحلة وفليطة، فتصدى لهم مجاهدو الدولة الإسلامية وأوقعوهم بين قتيل وجريح». وقد رأى التنظيم في بيانه أن «هذه الخطوة تصعيد من قبل الجيش اللبناني الذي قصف الجرود بالصواريخ»، محمّلاً المسؤولية لحزب الله الذي «يورّط الدولة اللبنانية لعرقلة المفاوضات، لدفع الدولة الإسلامية إلى قتل الأسرى». وذكرت مصادر مقربة من التنظيم أنه سيبث في غضون ساعات تسجيلاً يُظهر الجنود المخطوفين من قبله.
من جهة أخرى، نشر الموقع الرسمي لـ«النصرة» المعروف بـ«مراسل القلمون» الخبر الآتي: «تم القبض على عدة عملاء لحزب الله الإيراني.. من ضمن مهامهم الضرب على حواجز الجيش اللبناني حول عرسال وسنوافيكم بالتفاصيل».
أما بشأن مصير الجنود الأسرى لدى «النصرة»، فتنقل مصادرها لـ«الأخبار» :«تصرف المسؤولين في الدولة اللبنانية ولامبالاتهم سيدفعاننا مضطرّين إلى قتل جميع الأسرى». في المحصلة، عادت المفاوضات إلى النقطة الصفر. رسالة المسلّحين مفادها: «فاوضوا أو نذبح جندياً آخر»، فبماذا ستردّ الدولة اللبنانية؟
http://www.al-akhbar.com/node/214495
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه