مع تنامي موجة "الربيع العربي" وتطور أحداث لما أطلق عليه في الغرب ب "الثورة السورية"، إتخذت إيطاليا موقفاً سياسياً "حذراً " (ماركو فينتورا- بانوراما ٢٨/٨/٢٠١٣) من الاحداث الجارية في سوريا.
*حمزة جمول
مع تنامي موجة "الربيع العربي" وتطور أحداث لما أطلق عليه في الغرب ب "الثورة السورية"، إتخذت إيطاليا موقفاً سياسياً "حذراً " (ماركو فينتورا- بانوراما ٢٨/٨/٢٠١٣) من الاحداث الجارية في سوريا.
لم تعارض روما مطالبة الغرب بتنحي الاسد ودعم "المعارضة المدنية"، طردت السفير السوري في ايار ٢٠١٢ ولكنها إستمرت في طرحها بضرورة تعزيز فكرة الحوار بين السلطة والمعارضة من اجل الوصول الى حل سلمي ينهي الصراع الدائر.
ضمن هذا السياق، عارضت الحكومة الايطالية ووزيرة خارجيتها آنذاك، إيمّا بونينو، الموقف الامريكي ورفضت التدخل العسكري في سوريا وحذّرت من خطورة دعم المسلّحين المتطرفين.
يتلخص الموقف الإيطالي في الازمة السورية وفقاً للآراء المتداولة في روما كالتالي: عدم معارضة مطالب الغرب بتنحي الأسد، نعم للحوار بين السلطة والمعارضة، لا للتدخل العسكري في سوريا ولا لدعم الارهاب.
تعود أسباب الموقف الأول إلى إنعدام قدرة السياسة الايطالية في التأثير على بقية الدول الاوروبية والتي ترتبط مباشرة بقرارات الولايات المتحدة الامريكية. تبلور الموقف الثاني كنتيجة لقراءة إيطالية خاصة عن الوضع في سوريا مفادها ان الحوار هو الحل الأفضل بسبب عدم قدرة اي من الطرفين الانتصار، لهذا دعمت ايطاليا محادثات جنيف ١ و ٢.
تتمثل دوافع اللآء الأولى، رفض اي تدخل عسكري في سورية بسبب قناعة وزيرة الخارجية السابقة إيمّا بونينو ان " اي تدخل عسكري في سوريا سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة"، ( Il Fatto Quotidiano- ٣٠ آب ٢٠١٣ ). تعود أسباب اللآء الثانية الى الاعتقاد ان إيطاليا هي أولى الدول الاوروبية المهددة من خطر إجتياح الارهاب المتفشي في سوريا.
مع تنامي ظاهرة الارهاب في سوريا بدأت تنجلي الحقائق وبدأ يتزايد الحديث عن خطر تمدد الارهاب الى أوروبا وبدأ الرأي العام يتسآل عن أسباب الازدواجية في دعم الإرهاب في سوريا ومحاربته في مالي . ازداد هذا القلق في إيطاليا عندما بدأت تكشف الصحف الايطالية عن مشاركة مواطنين إيطاليين متشددين في الحرب في سورية.
إرتفعت وتيرة القلق العام في إيطاليا بعد مقتل المواطن الايطالي جوليانو ديلنوفو (من مدينة جنوى) في ١٨ حزيران ٢٠١٣. إستمر هذا القلق بالتصعاد مع صدور تقارير أمنية وصحافية تفيد عن تواجد ما يقارب ال ٥٠ مواطناً ايطالياً يقاتلون في سوريا( la stampa – ١٨ حزيران ٢٠١٣).
ما زاد الطين بلة في إيطاليا، هو نشر "داعش" في تاريخ ٢٨ آب ٢٠١٤ شريط فيديو يدعو الى الجهاد في "دولة الخلافة " مترجم الى اللغة الايطالية (يعود شريط الفيديو للمواطن الكندي أندريه پولين). يضع هذا الامر إيطاليا في مواجهة مباشرة مع "داعش" التي تعتبر " إيطاليا " أرضاً خصبة للدعوة الى الجهاد ( Il Foglio ٢٨ آب ٢٠١٤).
تعقيباً على كل ما تقدم، اثار أسامة الصنتاوي (إمام مسجد تجمع بالسموا – ميلانو) الجدل ودق جرس الإنذار حين قال انه "علينا الا نتفاجأ بوجود إيطاليين يقاتلون في سورية" ( Il Fatto Quotidiano – ٢٨ آب ٢٠١٤).
اذا، بينما ترفع بريطانيا نسبة التهديد بالإرهاب الى الحد الأعلى والأخطر في سلم التهديد، تعتبر ايطاليا ان "الجميع مهدد من داعش ولا يوجد دولة محصنة".
ضمن هذا الاطار، تعمل ايطاليا على تنفيذ استراتيجية أمنية لمواجهة الخطر النابع من الداخل والى تنفيذ خطوات مستقبلية تتمثل في "تسليح الأكراد، التشاور مع إيران، تركيا ودول الخليج العربي"، (مقابلة مع وزيرة الخارجية الايطالية – فيدير ما موغيرني – La Reppublica – ٢١ آب).
ان التطورات الأمنية في المنطقة وتنامي تهديد "داعش" لأوروبا عزّزا رؤية الرئيس الإيطالي جورجو نابوليتانو التي تتبناها وزيرة خارجية إيطاليا فيديريكا موغيريني والتي تفيد بضرورة الإستفادة من فرصة إعادة إنتخاب الرئيس الأسد للإسراع بفتح قنوات حوار سياسية مع الدولة السورية لما لها من تداعيات إيجابية على الامن القومي الايطالي وعلى فعالية الدور الإيطالي " الجديد" في المنطقة.
من هذا المنطلق، تعتبر إيطاليا أن إعادة فتح قنوات الحوار مع الدولة السورية خطوة ضرورية من أجل دعم أولويات إيطاليا في المنطقة؛ مكافحة الإرهاب بالتشاور مع ايران ودول الخليج العربي، دعم وتسليح الأكراد في مواجهة "داعش" في العراق، تطور العلاقات الإقتصادية الإيطالية العربية، تحقيق السلام بين الفلسطينين والإسرائيلين، حماية الأمن القومي الإيطالي ومعالجة أزمة المهاجرين الغير شرعيين.
أصبح واضحاً لمؤيدي نظرية تعزيز الدور الإيطالي في منطقة الشرق الأوسط، أن الخارطة السياسية للعالم قد تغيرت وأنه على إيطاليا إعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي آخذين بعين الإعتبار المبدأ التالي: الحل الرئيسي للأزمة الأمنية والاقتصادية الإيطالية (ومعها الأزمة الأوروبية) يكمن في التوجه نحو الضفة الجنوبية للمتوسط، وفي دعم التعزيز الأمني مع الدول العربية التي قررت مواجهة الارهاب (على رأسها سوريا) والانفتاح على السوق العربية والإيرانية.
تولّي إيطاليا إذاً أهمية مطلقة لإعادة رسم نفوذها وحضورها الجيو- سياسي من خلال الإستفادة من رئاستها للاتحاد الاوروبي ومن خلال وجود فيدرس موغيرني على هرم السياسة الخارجية الاوروبية.
تسعى الخارجية الإيطالية إلى تغيير السياسة الخارجية الإيطالية والأوروبية نحو تواجد أكبر على الساحة الدولية ودور أكثر فعالية في حل الأزمات من أوكرانيا الى الشرق الأوسط. ضمن هذا الاطار زار رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزي القاهرة وبغداد وزران قبله وزيرة الخارجية موغيرني، بيروت، عمان ورام الله.
في المحصلة، تملك إيطاليا أوراقاً إيجابية لتلعب دوراً أكثر فعالية في الشرق الأوسط على الأقل في تقريب وجهات النظر خصوصاً اننا نعيش زمن إعادة تشكيل التحالفات الدولية وبروز أدوارٍ لدولٍ جديدة في المنطقة.
كل هذا في ظل إعادة رسم الخارطة السياسية للعالم وتطورات سياسية تتمثل في التفاوض الأمريكي الإيراني المباشر في جنيف، التقارب السعودي الايراني – الروسي، إعادة إنتخاب الأسد وإنتخاب السيسي في مصر، تنامي "خطورة" التيارات الوطنية اليمينية في أوروبا والمعادية للإتحاد الاوروبي. كل هذا يضع الإتحاد الأوروبي أمام تحديات رئيسية في الأشهر القادمة، ويضع إيطاليا بشكل خاص أمام مهمة سياسية قد تتبلور بشكل إيجابي في فترة رئاسة إيطاليا للإتحاد الاوروبي وبعد تعيين السيدة موغيرني (وزيرة خارجية ايطاليا الحالية) ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي.
الأسئلة التي تطرح في هذا المجال، كيف ستؤثر إيطاليا على القرار الأوروبي فيما يتعلق بالملف السوري وهل ستصبح إيطاليا فعلاً بوابة التفاعل الاورو- متوسطي؟
* باحث وكاتب في الصراعات الدولية
المصدر: رأي اليوم - http://www.raialyoum.com/?p=145112
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه