26-11-2024 04:26 AM بتوقيت القدس المحتلة

نصرالله.. يقرأونه بلغة الجسد، ونقرأه بالفكر والرؤية

نصرالله.. يقرأونه بلغة الجسد، ونقرأه بالفكر والرؤية

لهؤلاء العرب نقول: ننصحكم بمشاهدة "نصرالله في عيونهم" علَّ وعسى أن ترى عيونكم كيف تُسَطِّر ثلاثية الإيمان والإرادة والشجاعة الملاحم الأسطورية



أمين أبوراشد

لعل الوثائقي الموثَّق بشهادات الإسرائيليين، من باحثين استراتيجيين وخبراء بتحليل لغة الجسد، الذي تبثُّه قناة "الميادين" تحت عنوان "نصرالله في عيونهم"، يخطفنا الى عالمٍ مختلف لم نكن قبل بضع عشرة سنة نصدِّق أننا قد نشاهد فيلماً "هوليودياً" مشابهاً له، فشاهدناه واقعاً صهيونياً استسلمت له إسرائيل بجبروتها وتاريخها على مستوى قيادتها وحكومتها وشعبها، على أمل أن يشاهده العرب الذين أمضوا عقوداً من الخوف أمام "بعبع" كيانٍ عدوانيٍّ محتلٍّ متغطرس، أطلق عليه السيِّد حسن نصرالله بعد سَحقِه وسَحلِه في لبنان، إسم "بيت العنكبوت".
 
العرب الذين أهداهم نصرالله "نَصرين": عامي 2000 و 2006، وأضاف إليهما من رؤيته وثقافته ومدرسته إنتصارات الصواريخ الغزَّاوية المحلِّية الصنع، بعد أن كشف للمقاومة الفلسطينية هشاشة بنيان البيت العنكبوتي عندما يُقصف في داخله.
لهؤلاء العرب نقول: ننصحكم بمشاهدة "نصرالله في عيونهم" علَّ وعسى أن ترى عيونكم كيف تُسَطِّر ثلاثية الإيمان والإرادة والشجاعة الملاحم الأسطورية، وعساكم تتوقَّفون عن صناعة الموت والإنتحار وتُصيبُكم عدوى صناعة الكرامة، ولو أننا نشكُّ بانتقال هذه العدوى إليكم، لأن ربيعكم الأصفر لا يليق به اخضرار الحياة.

نصرالله..، يترقَّبه الإسرائيليون بشغف، والكلام لإسرائيليين! يصدِّقونهُ أكثر من قياداتهم، يَهَابُونهُ ويخشون ما في جعبته عند كل إطلالة، يحلِّلون طريقة جلوسه ونبرته وهدوئه وثورته، ويقرأونه من خلال لغة الجسد: قويٌّ واثقٌ مصمِّمٌ، سواء كان يتحدَّث بهدوء واليد تشبُك اليد، أو تفلَّتَت إحداهما عن الأخرى وارتفعت واشتدَّت قبضتها، والويل والثبور وعظائم الأمور متى رفع سُبابته وبدأ "التبشير" بما هو آتٍ!!!

هكذا قرأ الإسرائيليون ويقرأون حسن نصرالله، وإذا لم يقرأه البعض من العرب واللبنانيين بعد "النصر الإلهي" و"الوعد الصادق" وما تلاهُمَا وما قد يتلُوهُمَا،  فقد تكون لديهم مشكلة في ألف باء الرؤية، ونجد أنفسنا نقرأ عليهم بسطور قليلة ومتواضعة الوقائع الآنية، لبنانية كانت أو عربية، وفلسطينية بشكلٍ خاص، طالما أن فلسطين بخارطتها وقضيَّتها ومقدَّساتها ليست على أجندات العرب.

لبنانياً، ها هي الأصوات الخائفة على الكيان والمصير من هجمات التكفير ارتفعت. البعض راهن بكل مسؤولية ووعي على معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" على أنها الخيار اللبناني الأوحد والأسلم والأقوى، في مواجهة منتهكي الحدود والسيادة والكرامة ومكفِّري الديانات، ومنتهكي المقدسات والأرزاق والأعراض وآكلي لحوم البشر، من حَمَلَة ثقافة كتاب "إدارة التوحُّش" لأبي بكر ناجي، ثقافةٌ ينفرُ منها الدين وتتبرأ منها القِيَم، وزرعت في جوارنا الإقليمي مجازر لم يعرف التاريخ لها مثيلا.

البعض الآخر من اللبنانيين، مدعوٌّ لجردة حساب ذاتية علَّ الرهانات الخائبة على تغييرات إقليمية لمصالح ذاتية تتوقَّف، ويلتقي اللبنانيون على استراتيجية دفاعية واحدة في ضوء المستجدات وتوسُّع الحدود في مواجهة الأخطار الداهمة، تماماً كما سَبَق وأكَّد عليه السيِّد نصرالله مراراً، من منطلق الفرصة الأخيرة للحفاظ على الوطن ووحدة مواطنيه.

عربياً، لسنا نمتلك ما نقوله في العرب وللعرب، ونترك لهم يصنِّفون هذه الجماعة "مُعارضة مطلبية" والأخرى مجموعة إرهابية، طالما أن جامعتهم العربية أقفلت أبوابها من زمان، ومجلس التعاون الخليجي قد طالته الشظايا "الربيعية"، والتكفير يطرق أبواب العروش، ومع إعلان ولاية الفرات أمس كرابع ولاية لدولة "الخلافة" في بلاد الشام، ومع هرولة من صنعوا داعش والنصرة لإقامة الأحلاف في مواجهتهما، وسط توجُّهات داعشية لتأسيس دولة "خلافة" جديدة على الحدود بين تونس والجزائر بدعمٍ من جماعات تكفيرية ليبية، تنتفي الحاجة للتذكير مجدداً بثمار "الربيع العربي"، من مآسي ليبيا وتونس واليمن والعراق وصولاً الى الحرب على سورية ومحاولات مدِّ اليد الى الداخل اللبناني التي ينتظرها البترُ القاطع.

فلسطينياً، نقول للأخوة الفلسطينيين: مدرسة حسن نصرالله في النصر لا تقتصر على لغة الصواريخ التي أجدتموها، ورغم تواضع صواريخكم فأنتم على إسرائيل انتصرتم وسوف تنتصرون في أية معارك مقبلة، ونتانياهو أحيل للتحقيق في مسألة فشل عدوانه على غزَّة ولكن،
ليست الوحدة مطلوبة فقط خلال الحرب مع العدو، بل هي مطلوبة لإدارة النصر الذي أنتم تختلفون عليه في السلم، سيما وأن إسرائيل قضمت يوم أمس 4000 دونم في الضفَّ الغربية لإقامة المزيد من المستوطنات بهدف ترميم الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي المهدَّد بالإنهيار!

هناك قولٌ عظيم ارتأينا تأجيل البوح به خلال معارك البطولة في غزَّة: "إذا رأيت رجُلاً يمتطي حصانه ليعبر النهر، لا تناديه لتقول له حصانك مُصابٌ بالجرب، بل دعه يصل أولاً الى الضفَّة الأخرى بأمان".
كثيرة كانت متناقضة مواقف القيادات الفلسطينية خلال العدوان على غزَّة رغم وحدة البندقية، وآثرنا عدم المناداة قبل أن يصل الحصان بفارسه الفلسطيني المنتصر الى الضفَّة الأخرى بأمان لنقول الآن:
حرامٌ ألاّ يقطف الفلسطينيون ثمار نصرهم وتثميرها للجولات الآتية، وحرامٌ العودة الى لغة الشرذمة بين القوى والفصائل في موضوع إدارة غزَّة ما بعد النصر، وإذا كنا لا نرى إمكانية وجود قائدٍ فلسطينيٍ واحدٍ يجمع هذه القوى والفصائل تحت قيادته، وأن ينتهي الإنقسام بين من يعيشون على أوهام أوسلو وبين من لا يجدون سوى المقاومة المسلحة وسيلة للنصر، فإن مجلس قيادةٍ منبثقٍ من مؤتمر فلسطيني عام هو المطلوب الآن، لأن عدم التوحُّد على هذا النصر قد يحوِّله لا سمح الله الى هزيمة فلسطينية سياسية، لا تؤهِّل المجتمع الفلسطيني مواكبة أيّ نصرٍ مستقبليّ، ويغدو الخلاف في الحقل والتقاتل على البيدر سِمَة الأداء الفلسطيني رغم الإنتصارات العسكرية ...