ويشير التقرير الى تكاثر أمثلة المراقبة الرقمية العلنية والسرية في ولايات قضائية حول العالم، وظهرت المراقبة الحكومية الجماعية كعادة خطيرة وليس تدبيراً استثنائياً
عززت تكنولوجيا الاتصالات قدرات الحكومات والمؤسسات والأفراد على القيام بأعمال المراقبة واعتراض الاتصالات وجمع البيانات. وبحسب تقرير جديد للامم المتحدة يناقش الأسبوع المقبل في جنيف، فإن أعمال الرقابة تعدّ خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان
طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 68/167 إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته السابعة والعشرين، التي تبدأ أعمالها الاسبوع المقبل في جنيف، تقريراً عن حماية الخصوصية وتعزيزها، في سياق المراقبة الداخلية والخارجية و/أو اعتراض الاتصالات الرقمية وجمع البيانات الشخصية، بما في ذلك على نطاق جماعي.
ويشير التقرير الى تكاثر أمثلة المراقبة الرقمية العلنية والسرية في ولايات قضائية حول العالم، وظهرت المراقبة الحكومية الجماعية كعادة خطيرة وليس تدبيراً استثنائياً. وتفيد التقارير بأن الحكومات هددت بحظر شركات خدمات الاتصالات والمعدات اللاسلكية ما لم تحصل على إمكانية الوصول المباشر إلى حركة الاتصالات، وتنصّتت على كابلات الألياف البصرية لأغراض المراقبة، وطلبت من الشركات أن تكشف بانتظام معلومات بكميات كبيرة عن الزبائن والموظفين. وعلاوة على ذلك، تفيد التقارير بأن بعض هذه الحكومات استخدمت مراقبة شبكات الاتصالات لاستهداف أعضاء المعارضة السياسية والمنشقين السياسيين.
وتسجل السلطات، في غالبية الدول بشكل روتيني، جميع المكالمات الهاتفية وتحتفظ بها لتحليلها. وتشترط السلطات في عدة دول تجهيز جميع الحواسيب الشخصية التي تُباع في البلد ببرمجيات تنطوي على قدرات مراقبة أخرى. وحتى الجماعات المسلحة غير الحكومية أصبحت تستحدث قدرات مراقبة رقمية متطورة.
تُثار أسئلة خطيرة عن مدى معرفة المستهلكين حقاً لأي بيانات يتقاسمونها
وقد بدأت تكنولوجيا المراقبة الجماعية حالياً تدخل السوق العالمية، ما يزيد من خطر إفلات المراقبة الرقمية من الضوابط الحكومية.
وتضخمت بواعث القلق عقب ما كشف عنه، في عامي 2013 و2014، إدوارد سنودن، الموظف السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمقيم حالياً في روسيا، من معلومات تفيد بأن وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة ومقر الاتصالات العامة في بريطانيا طوّرا معاً تكنولوجيات تسمح بالوصول إلى الكثير من حركة الإنترنت العالمية، وسجلات المكالمات، ودفاتر العناوين الإلكترونية للأفراد، وأحجام هائلة من محتوى الاتصالات الرقمية الأخرى.
وبعد أن أعربت مجموعة من الدول والمنظمات غير الحكومية عن قلقها إزاء الأثر السلبي لهذه الممارسات الرقابية على حقوق الإنسان، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 2013، من دون تصويت، القرار 68/167 بشأن الحق في الخصوصية في العصر الرقمي. وأكدت الجمعية في هذا القرار، الذي اشتركت في تقديمه 57 دولة عضواً، أن حقوق الأشخاص خارج الفضاء الإلكتروني يجب أن تحظى بالحماية أيضاً في الفضاء الإلكتروني، وطالبت جميع الدول بأن تحترم وتحمي الحق في الخصوصية في الاتصالات الرقمية، وأن تستعرض هذه الدول إجراءاتها وممارساتها وتشريعاتها المتعلقة بمراقبة الاتصالات واعتراضها وجمع البيانات الشخصية، مشددة على حاجة الدول إلى ضمان تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
التدخل التعسفي
يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان الإطار العالمي الذي يجب أن يُقيَّم على ضوئه أي تدخل في حقوق الخصوصية الفردية. وتنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «لا يُعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». ووفقاً للمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، «لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته».
ويشير تقرير الأمم المتحدة الى أن هناك دلالات موثوقة توحي بأن التكنولوجيا الرقمية استُخدِمت لجمع معلومات أدت بعد ذلك إلى التعذيب وغيره من سوء المعاملة. ويشير التقرير أيضاً إلى أن بيانات توصيفية مستمدة من المراقبة الإلكترونية جرى تحليلها لتحديد موقع أهداف ضربات فتاكة شنّتها طائرات بدون طيار.
وتُثار أسئلة خطيرة عن مدى معرفة المستهلكين حقاً لأي بيانات يتقاسمونها، وكيف ومع من يتقاسمونها، وكيف ستُستخدَم. ووفقاً لأحد التقارير، «من حقائق البيانات الكبيرة أنها بمجرد أن تُجمع، يمكن أن يكون من الصعب جداً أن يبقى مصدرها مجهولاً. ويستتبع ذلك أن أي التقاط لبيانات الاتصالات تدخل محتمل في الخصوصية، وأن جمع بيانات الاتصالات والاحتفاظ بها يُعدّ بمثابة تدخّل في الخصوصية، سواء أتم الاطلاع على تلك البيانات واستخدامها لاحقاً أم لا. وحتى مجرد احتمال التقاط معلومات الاتصالات ينشئ تدخلاً في الخصوصية، مع احتمال وجود أثر مخيف على الحقوق. وغالباً ما تبرر الحكومات برامج مراقبة الاتصالات الرقمية بأسباب الأمن القومي، بما في ذلك المخاطر التي يمثّلها الإرهاب.
من يحظى بالحماية ومتى؟
تقتضي المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من كل دولة طرف أن تحترم الحقوق المعترف بها وتكفلها لجميع الأشخاص الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، من دون تمييز. ويعني ذلك أن على الدولة أن تحترم وتكفل الحقوق المنصوص عليها في العهد. ويُفهم من ذلك أن المراقبة الرقمية يمكن أن توجب وفاء دولة ما بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان إذا كانت تلك المراقبة تشمل ممارسة الدولة للسلطة أو مراقبتها الفعلية في ما يتعلق بالهياكل الأساسية للاتصالات الرقمية، سواء كان ذلك مثلاً من خلال التنصت المباشر أو اختراق تلك الهياكل الأساسية. وبالمثل، عندما تمارس الدولة الولاية التنظيمية على طرف ثالث يتحكم مادياً في البيانات، يكون لتلك الدولة أيضاً التزامات بموجب العهد. وإذا سعى بلد ما إلى تأكيد ولايته على بيانات الشركات الخاصة كنتيجة لتأسيس تلك الشركات في ذلك البلد، فإن تدابير حماية حقوق الإنسان يجب أن تُوسع لتشمل أولئك الذين يتم التدخل في خصوصيتهم، سواء في بلد التأسيس أو خارجه.
دور الأعمال التجارية؟
يشير التقرير الى أن هناك أدلة قوية على تزايد اعتماد الحكومات على القطاع الخاص لإجراء المراقبة الرقمية وتيسيرها. وفي جميع القارات، استخدمت الحكومات آليات قانونية رسمية وأساليب سرية للوصول إلى المحتوى وكذلك إلى البيانات التوصيفية. وتُضفى على هذه العملية صبغة رسمية بشكل متزايد: مع تحول تقديم خدمات الاتصالات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، كان هناك «تفويض لعملية إنفاذ القانون ومسؤوليات شبه قضائية إلى وسطاء في مجال الإنترنت تحت ستار «التنظيم الذاتي» أو «التعاون». ويثير وضع شروط قانونية لكي تجعل الشركات شبكاتها «قابلة للتنصت على المكالمات» قلقاً خاصاً، لأسباب ليس أقلها أن ذلك ينشئ بيئة تيسر تدابير المراقبة الشاملة.
وتوفر المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التي دعمها مجلس حقوق الإنسان في عام 2011، معايير عالمية لمنع ومواجهة الآثار الضارة على حقوق الإنسان المرتبطة بنشاط الأعمال التجارية. وتنطبق مسؤولية احترام حقوق الإنسان في جميع العمليات العالمية للشركات، بصرف النظر عن مكان وجود مستعمليها، وهي توجد بشكل مستقل عمّا إذا كانت الدولة تفي بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.