لكن يبدو أنّ صدى المعركة الأميركيّة، لم يحقّق أي أثر حتى الآن، إذ لا يتجاوز عدد متابعي الحسابين (العربي والانكليزي) الثمانية آلاف متابع
تشير المستجدات المتسارعة في فضاء «تويتر» إلى حرب إلكترونية، نجمتُها وزارة الخارجية الأميركية في مواجهة حسابات التنظيمات الجهاديّة، وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ «داعش».
الهدف المُعلن من قبل الوزارة، هو «توعية الشباب في البلدان العربيّة والغربيّة الذين قد يغويهم السفر إلى العراق أو سوريا للقتال في صفوف الجهاديين». فكيف تنشر واشنطن الوعي؟.
قبل ثلاثة أيام نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تقريراً مفاده أن وزارة الخارجيّة الأميركيّة بدأت، قبل ثمانية عشر شهراً، معركةً على شبكات التواصل الاجتماعي، لتقصّي حسابات الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة، عبر فريق مختصّ أطلقت عليه اسم «فريق التواصل الالكتروني». ومن أبرز وظائف ذلك الفريق، توعية الشباب، من خلال نشر رسائل على شكل تغريدات قصيرة، ومقاطع فيديو وصور، تخلط بين الجدية والتهكم في آن.
وبحسب التقرير، فإنّ عشرات الموظّفين من مركز الاتصالات الإستراتيجية لمكافحة الإرهاب، الذي أنشأته واشنطن في وزارة الخارجية العام 2011، يحرّكون حساباً على «تويتر» باللغة العربية منذ أواخر العام 2012، بعنوان «فريق التواصل DSDOTAR@، وهو الرديف لحساب باللغة الانكليزية بعنوان «فكّر ثانيةً، عد أدراجك» ThinkAgain_DOS@.
الحسابان ليسا جديدين إذاً، ولكنّ أحداً لم يسمع بوجودهما خلال العامين الماضيين. لكنّ تقريراً نُشر في مدونة «ذا كايبل» التابعة لمجلة «فورين بوليسي» في 30 تموز/ يوليو الماضي، فجّر القضيّة، إذ يحكي عن الحرب الكبيرة التي سيشهدها «تويتر» بعدما قررت وزارة الخارجية الأميركية تعقّب «الجهاديين» السيبيريين.
لكن يبدو أنّ صدى المعركة الأميركيّة، لم يحقّق أي أثر حتى الآن، إذ لا يتجاوز عدد متابعي الحسابين (العربي والانكليزي) الثمانية آلاف متابع، في حين تستقطب حسابات «داعش» وأخواتها أضعاف ذلك الرقم، بالرغم من القيود التي فرضها موقع التدوينات القصيرة عليها، خصوصاً بعيد إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد التنظيم الإرهابي.
على حساب «فريق التواصل الالكتروني»، يتحوّل اسم أبو بكر البغدادي إلى «أمير المفسدين». يبثّ الحساب أيضاً أسئلة «في العمق» تأتي على شكل: «ما هو الفرق بين المغول وخوارج داعش؟ حرق الأبرياء وهم أحياء أم ذبحهم؟»؛ أو مثلاً «ما هو الفرق بين المنحرفين والخوارج؟ أليس الاثنان وجهين لنفس عملة التكفير؟»؛ وفي تغريدة ثالثة يسأل «ما هو الفرق بين داعش وجبهة النصرة؟ قطع الرؤوس؟ أم الانتحاريون؟».
وفي حين تقول وزارة الخارجية الأميركية إن الحسابين ينشران المضمون ذاته، نُشرت صورة مركبة، على الحساب العربي، يظهر فيها على خلفية مدينة مدمرّة الرئيس السوري بشار الأسد، وزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، مرفقة بتعليق «أطفال سوريا بين مذابح البغدادي وبراميل الأسد المتفجرة». بينما تظهر الصورة ذاتها في الحساب الانكليزي مرفقة بتعليق «البغدادي والأسد يتسابقان لتدمير سوريا، لا تفعلوا الأسوأ». وفي تغريدة أخرى لا تخلو من النفس الطائفي، يطرح الحساب السؤال التالي «هل داعش تحارب فعلاً لأجل أهل السنة أم الحكم؟».
وفي الجولة على عشرات التغريدات، يظهر فيديو أعيد نشره مرّات عدة، تماماً كسائر التغريدات على الحساب العربي، بعنوان: «داعش: تتار العصر». الشريط المصوّر، والذي ترافقه موسيقى تراجيديّة، لم يحظَ بنسبة مشاهدات عالية على «يوتيوب»، إذ بلغ عدد مشاهداته 430 فقط. فكيف تعرّف وزارة الخارجية الأميركية عن «داعش» والمنطقة؟ يقول الفيديو: «العراق والشام مهد الحضارة الإسلامية، حكمها رجال وقادة عظماء، كعلي بن أبي طالب وهارون الرشيد وصلاح الدين الأيوبي.
وعاش الناس فيها من كلّ الديانات والطوائف في أمن واطمئنان وعدالة وحرية وتعايش وتسامح لأكثر من 1400 عام، فكان لهم مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم وأضرحتهم، كجامع النبي يونس والكنائس العتيقة التي عايشت الحضارات الإسلامية... حتى جاء تتار داعش، وعاثوا في الأرض فساداً، وبدأوا بتدمير كل ما يجدونه أمامهم من مساجد ودور عبادة، وهجّروا وذبحوا كل من وقف أمامهم من مسلمين وغيرهم، وارتكبوا مجازر وفظائع يعجز اللسان عن وصفها... لم يسبقهم إليها سوى هولاكو... أو ربما تفوقوا عليه! في تعطشهم وتلذذهم بسفك دماء البشر بحجة أنهم يريدون إعادة الخلافة».
هكذا، يختار فريق التواصل في وزارة الخارجيّة الأميركيّة أن يقدّم عظة تاريخيّة وسياسيّة مقتضبة حول جرائم «التطرّف»، كأنّ تلك هي أوّل كارثة تشهدها «المنطقة»، حيث لم يعش الناس «في أمن واطمئنان» كما يفترض معدّو الشريط. فبعد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، وبعد تدميرها العراق طوال 11 عاماً، يبدو خطابها التبشري ضدّ «داعش» متأخراً جداً.