أعلنت قوى "14 آذار" عن مبادرتها حول الاستحقاق الرئاسي ، وإن نظرنا بإيجابية الى المبادرة، فلأول مرة تجهر هذه القوى أنها بصدد التوافق للوصول الى رئيس للجمهورية غير مرشحها "الاوحد" سمير جعجع.
أعلنت قوى "14 آذار" عن مبادرتها حول الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وإن نظرنا بإيجابية الى المبادرة، فلأول مرة تجهر هذه القوى أنها بصدد التوافق للوصول الى رئيس للجمهورية غير مرشحها "الاوحد" رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، واللافت في الطرح أنّ هذه القوى لم تقدّم اسماً صريحاً من فريقها كما كان يتوقع البعض رغم كثرة الاسماء الجاهزة لذلك، فلم يدخل لا أمين الجميل ولا بطرس حرب ولا حتى روبير غانم (مع حفظ الالقاب) في السباق الرئاسي صراحة.
عمدت المبادرة الى الحفاظ على "خط الرجعة" وحد أدنى لعدم "وأدها" في مهدها، وعدم طرح ما لا يمكن الوصول به الى نتيجة، ما قد يجعلها فعليا قابلة للحياة، بل اكتفت بالقول إنه في حال فشل المبادرة سيتم الابقاء على ترشيح جعجع للرئاسة، فطالما أنّ اسم جعجع استهلك وتأكد الجميع عدم امكانية الوصول به الى نتيجة، فإن هذا الاسم سيبقى يستخدم في "بورصة الاستحقاق" وصولا الى الحل التوافقي كما يعتقد البعض وكما تعتقد "14 آذار" نفسها بحسب صياغة "البيان-المبادرة" الذي اصدرته في مجلس النواب.
مبادرة "14 آذار".. قابلة للحياة وفيها العديد من علامات الاستفهام
ورغم ان البعض سارع للتصويب على "المبادرة" إلا انها لا تخلو من فرص للحياة لا سيما ان بعض نواب "14 آذار" اكدوا الانفتاح على الجميع للبحث في هذه المبادرة، ومن المعلوم ان فريق "8 آذار" بكل مكوناته طالما رحّب بالحوار والنقاش حول مجمل القضايا، فمن المنطقي ان يقبل الخوض في بحثها علّها توصل الى حل في ملف الاستحقاق الرئاسي.
ومع ذلك فإن هذه المبادرة تحمل العديد من علامات الاستفهام منها تمسك فريق "14 آذار" بمرشحه "الاستفزازي" سمير جعجع رغم اعلان هذا الفريق عن الرغبة بالحوار، فالامران لا يستويان، ناهيك عن النبرة المرتفعة التي حملتها المبادرة عندما أكدت تمسكها بطروحاتها السابقة في حال فشل الوصول الى توافق وكأنها تبتز الفريق الآخر وتضعه امام امرين اما التحاور او القبول بشروطها، فهل يستوي الحوار تحت الضغط، ويبقى ان المبادرة أكدت الالتزام بالمهل الدستورية لاجراء الاستحقاقات، رغم ان مهلة انتخاب الرئيس انقضت منذ اشهر عدة وبتنا على مقربة من انتهاء ولاية مجلس النواب!
ولكن السؤال الذي يمكن طرحه هنا لماذا الآن طرحت هذه المبادرة، فهل "14 آذار" اقتنعت اخيرا ان التوافق وحده يوصل الرئيس في لبنان، لا سيما ان بعض وسائل الاعلام بدأت في تداول العديد من الاسماء التوافقية كرؤساء محتملين للجمهورية فيما لو نضجت صفقة التوافق داخليا وخارجيا، ام ان هناك امورا مضمرة من وراء هذا الطرح الآذاري؟ كما لو كان الهدف هو إبعاد ميشال عون عن الاستحقاق الرئاسي، لا سيما اذا كان لدى "14 آذار" ما يوحي ان اقتناعا دوليا بات متوافرا لوصول عون الى بعبدا، او لعل الهدف يكون "خديعة" سياسية (فالحرب خديعة وان كانت سياسية) نصبت لـ"8 آذار" لايصال مرشح آخر من "14 آذار" فيكون استبعاد جعجع لمصلحة آخر بعد التأكد من إبعاد عون ايضا عن السباق الرئاسي؟ ولكن هنا ماذا سيكون موقف "8 آذار" فهل ابعاد عون بطريقة او باخرى يعني ان لا مرشحين سواه لدى فريقه السياسي؟
وما الذي تقصده "المبادرة" بحديثها عن تسوية وطنية بعد اتمام الاستحقاق الرئاسي تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية؟ فما هي الخطوات التالية على هذه الانتخابات وهل سيتم الاتفاق سلفا عليها كسلة واحدة مع الانتخابات الرئاسية؟ او انه سيتم تجزئة الصفقة؟ وماذا يمكن ان تشمل الصفقة: الانتخابات النيابية، قانون الانتخاب بما فيه الدوائر وتوزيع المقاعد، رئاسة الحكومة والحكومة نفسها، التعيينات الادارية والامنية والعسكرية، سلسلة الرتب والرواتب والكثير من القضايا السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية العالقة في لبنان؟
كلمة مبادرة اليوم باتت مستهلكة وتستخدم كيفما كان
وفيما يتعلق بمبادرة "14 آذار"، تعتبر مصادر مطلعة لموقع "المنار" ان "هذه المبادرة لا تحمل جديدا وهي قديمة لا معنى لها طالما تمسكت بترشيح سمير جعجع"، ورأت ان "كلمة مبادرة اليوم باتت مستهلكة وتستخدم كيفما كان"، واشارت الى انه "يمكن الحديث اليوم عن فوضى مبادرات لا تقدم ولا تؤخر وهي كلها تعبر عن اتفاق ضمني لاضاعة الوقت ريثما يتوفر الضوء الاخضر الخارجي لانجاز الاستحقاق الرئاسي"، واوضحت ان "سمير جعجع اطلق مبادرة سابقا وبطرس حرب قبل ايام وقوى 14 آذار اليوم وكلها استعراضات كلامية لا تحمل اي مشروع حل علمي".
من جهته، اعتبر عضو كتلة "التنمية والتحرير" النيابية في لبنان النائب قاسم هاشم ان "هذه المبادرة لم تقدم افكارا جديدة بل هي تكرار لما قدمته 14 آذار في السابق لا سيما بخصوص تمسكها بترشيح سمير جعجع"، ورأى ان "الخطوة الايجابية الوحيدة في هذه المبادرة هي الحديث عن الاتصالات مع باقي الافرقاء في لبنان للتوصل الى التوافق على اسم الرئيس العتيد".
وقال هاشم "حتى في مسألة التواصل مع باقي الافرقاء لا يعتبر هذا الامر استثنائيا لان التواصل بين اللبنانيين يجب ان يكون من البديهيات في العمل السياسي مهما تباينت الآراء لان طبيعة لبنان تحتاج الى هذا التوافق"، ولفت الى ان "العبرة تبقى في الخطوات اللاحقة لطرح هذه المبادرة ولما ستقوم به 14 آذار بتواصلها مع باقي الاطراف للحديث في ما اسمته مبادرة".
واشار هاشم الى ان "هدف المبادرة قد يكون احراج العماد عون و8 آذار وقد يكون هناك نية لدى بعض 14 آذار بسحب ترشيح جعجع ولكن الامور ذهبت باتجاه آخر بأن ظّهرت الامور انها تؤكد على المواقف السابقة ومنها ترشيح جعجع"، وتابع "ربما فريق 14 آذار لا يزال يراهن على عامل الوقت للوصول الى مستجد ما على مستوى المنطقة او على مستوى الاتصالات الخارجية او بالنسبة للوعود التي قد تكون تلقتها 14 آذار حول ما يجري اقليميا".
وفيما رفض هاشم ان "يكون طرح 14 آذار قد أقفل الباب على تحركات الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لتحريك المياه الراكدة بخصوص مجمل الملفات الداخلية لا سيما الاستحقاق الرئاسي"، وذكّر ان "الرئيس بري أكثر من بادر مع جنبلاط لايجاد مساحة من التفاهم حول الرئيس وغيرها من الامور العالقة".
واعتبر هاشم ان "الحوار هو ما نحتاجه اليوم في لبنان حول مجمل الملفات وليس فقط على صعيد الاستحقاق الرئاسي لان المسألة الامنية ومواجهة الارهاب هي الاولوية اليوم"، وتابع "اذا غاب التوافق على الرئيس لا يعني ان ننسى باقي القضايا الهامة للبلد بل يجب مواصلة البحث في كل شيء ولو لم يتوافق الاطراف على اسم الرئيس"، مؤكدا ان "العبرة بالخطوات اللاحقة لانه قيل الكثير من الاقوال والعبرة تكون بالافعال فالمباردات ليست بيانات فقط".
بدوره، رأى عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" النيابية النائب ايلي ماروني ان "استمرار التشنج واغلاق باب الحوار من شأنه ابقاء الوضع على ما هو عليه وترك الفراغ مستشرياً وشائعًا في البلد وكلنا يعلم دقة المرحلة وخطوراتها امنيا وسياسيا ومدى حاجتنا لملء الفراغ في المؤسسات الدستورية"، واضاف "لم نقل إننا جئنا بشيء جديد لكن نحن وجهنا دعوة الى الحوار والتلاقي للتفاوض والاتفاق على مرشح قد يلعب دورا في انقاذ الجمهورية اللبنانية من هنا قلنا اننا رغم تمسكنا بترشيح سمير جعجع الا اننا نفتح المجال لحوار بنّاء حول انتخاب رئيس للجمهورية".
ماروني: كنا نأمل لو انتظروا كي نتحاور ومن ثم اخذ الموقف المناسب من المبادرة
وأسف ماروني في حديث لموقع "قناة المنار" ان "البعض صوّب على المبادرة مباشرة لا سيما من جهة تكتل الاصلاح والتغيير"، ورأى ان "العماد عون لا يرضى بأي مرشح الا نفسه وهو يعتبر ان اي مبادرة تفتح ثغرة في حائط الفراغ أمر هو مضر له"، واضاف "كنا نتمنى الانتظار حتى تبدأ اللجنة المنبثقة من 14 آذار لمتابعة المباردة وشرح هذا الطرح الجديد وكنا نأمل لو انتظروا كي نتحاور ومن ثم اخذ الموقف المناسب".
واشار ماروني الى ان "اللجنة ستجتمع مع كل الكتل النيابية بما فيما تكتل التغيير والاصلاح لتقول للعماد عون انه أخذ فرصته بشكل كامل وهو اجرى الاتصالات التي يراها مناسبة من الحصول على دعم خصومه فهو اخذ فقط دعم حلفاؤه وهذا الامر نفسه الذي جرى مع الدكتور جعجع".
وحول الاسماء الاخرى المطروحة على بساط البحث في "14 آذار"، قال ماروني "لم نطرح أسماء اخرى من 14 آذار بما فيها ابرز المرشحين بحسب رأينا اي الرئيس أمين الجميل كي لا يتم تعطيل المبادرة والمؤسسات من جديد"، واكد ان "هناك اسماء عديدة للبحث على رأسها الرئيس الجميل ولكن من دون التمسك باسم معين بل نحن نطرح التوافق على اي اسم محتمل"، وتابع "لن نتوقف عن الحركة في مختلف الاتجاهات ولذلك نسعى للتواصل والتوافق مع الآخرين لانه اذا كل فريق تمسك بمرشحه فسنبقى ندور في الحلقة المفرغة ولن نصل الى حل ابدا".
واوضح ماروني "إذا كنا حريصين على البلد وتفادي الاخطار المحدقة به والتي لا تزال قائمة علينا التحاور"، واضاف "خطر داعش لم ينته بعد والحرب التكفيرية ما زالت قادمة بل هي في بداياتها فكل التهديدات مستمرة والاوضاع غير مطمئنة وعلينا انقاذ لبنان من خلال الوعي لتوحيد اللبنانيين حول مؤسساتهم".
وحول التسوية الشاملة، قال ماروني "تبدأ التسوية بحصول الانتخابات الرئاسية يستتبعها تأليف حكومة تمثل كل الاطراف ووضع قانون انتخابي جديد يؤمن حسن التمثيل للمسيحيين لانهم يشكون من الغبن ومن ثم انتخاب مجلس نيابي جديد"، داعيا "لوضع قانون انتخابي يؤمن معركة نيابية سياسية ديمقراطية تؤمن للجميع امكانية الوصول الى مجلس النواب"، آملا "الوصول بالمدى المنظور الى اتمام الاستحقاق الرئاسي".
وبانتظار الايام القادمة مع ما تحمله من نتائج على صعيد هذه المبادرة والملف الرئاسي لا يبدو ان الاجواء حتى الساعة ناضجة بشكل كاف لاخراج سيناريو يرضي الجميع في الملف الرئاسي، وحتى ينضج هذا الامر لا بدَّ على اللبنانيين العمل بشكل طبيعي لمعالجة الملفات الساخنة المطروحة بشكل عاجل وفي مقدمتها الملف الامني.