تردف انتهاكات «داعش» للثروة الأثرية ما يجري في العراق من فوضى تسمح للعديد من العصابات واللصوص باستباحة المواقع الأثرية وبيع موجودات منها.
قد تكون الآثار العراقية موضوعاً جذاباً، يطرحه «الأسبوع الثقافي للآثار العراقية»، بعدما حصل من أحداث درامية عام 2003، إن لجهة ما تعرضت له تلك الثروة التي تعتبر من أهم الثروات الأثرية في المنطقة، أو لجهة ما تشغله من حيز مهم في التفاوض الدولي لاستعادتها.
أحمد بزّون/ جريدة السفير
المهم أن «المجزرة» التي حدثت، إثر العدوان الأميركي على العراق، بدأت تتخفف من نتائجها السلبية، بعدما استعاد العراق جزءاً من المسروقات وعمل على ترميمها، ويعمل على افتتاح متحف آثار جديد في بغداد. لكن الأعمال الهمجية «الداعشية» تعيد الصورة بعض الشيء إلى الوراء، في ظل عمليات النهب والتدمير المستمرة في المناطق التي تسيطر عليها، حيث إن عدداً من المتاحف والمواقع الأثرية تخضع لاستبداد هذه الجماعات وفتاواها «الطالبانية» المعروفة، التي تشكل خطراً على العديد من التماثيل التي لا تقدر بثروة.
«الأسبوع الثقافي للآثار العراقية»، الذي يستمر لغاية 13 الجاري، افتتح أمس في المركز الثقافي العراقي، بحضور السفير العراقي في لبنان ومسؤولين في وزارتي السياحة والآثار والثقافة. في الافتتاح كلمات لمدير المركز علي عويد العبادي، قدم فيها المعرض الذي أقيم لمناسبة الافتتاح في المركز والأنشطة التي تقام في مواقع أخرى من العاصمة والمناطق، مؤكداً القيمة الحضارية للعراق، تلك التي امتدت من السومرية إلى الأكدية والبابلية والكلدانية والأشورية، وصولاً إلى العربية الإسلامية. على أن تلك الحقبات التاريخية هي التي أضاءت بهجة الأعمال الأثرية في العراق، وتضيء جدران المركز، التي عُلقت عليها أربعون صورة لأعمال مهمة معظمها كان مسروقاً وقد استعيد في عمليات معقدة، بالإضافة إلى 20 نموذجاً جبسياً من آثار عراقية قيّمة.
تلك النماذج والصور تضعنا أمام تنوع أثري يمثل آلهة، ونساء لا سيما شهرزاد، وشخوصاً، وحيوانات، بالإضافة إلى حليّ، بينها أقراط وعقود ثمينة. ورأينا صور مسكوكات وصلبان وأوانٍ ومسلة حمورابي وجداريات، وما إلى ذلك من مشاهد أثرية شهيرة في فهرس متحف بغداد.
قيس رشيد
في الافتتاح كانت كلمة أخرى لمدير المتاحف في وزارة السياحة والآثار، قيس حسين رشيد، الذي التقته «السفير» على هامش الافتتاح، وكان حديثٌ عن وضع متحف بغداد ووضع الآثار فيه وفي مناطق عراقية أخرى. قال: «الآثار التي سرقت عام 2003 من متاحف العراق تقدر بأكثر من 15 ألف قطعة، وقد عملت جهود وزارة السياحة والآثار على استرداد 4300 قطعة منها، تحمل رقماً متحفياً، وقد تم هذا الإحصاء من قبل دول خارجية بالإضافة إلى إحصاءات من الداخل». ولما وصفتُ له ما رأينا متحف بغداد عليه، منذ ثلاث سنوات، من وضع مزر وورش ترميم وإقفال صالات، أخبرنا أن هذا المتحف افتتح عام 1966، وأنهم في الوزارة يتجهون لبناء متحف عراقي كبير. أما المتحف الحالي فأعلمنا «بأن ورش الترميم انتهت والإنارة جيدة، وأن افتتاحه من جديد سوف يتم بعد وقت قريب، بأكثر من نصف مليون قطعة موزعة على 23 قاعة». وبشرنا بأن بين معروضات المتحف، عند افتتاحه، عدداً من القطع التي تعرض للمرة الأولى، وقد عُثر عليها أثناء التنقيبات الأثرية الجديدة التي تشارك فيها بعثات أميركية وأوروبية وعراقية.
سألناه عما إذا كانت إسرائيل متهمة من قبلهم بسرقة جزء من الآثار، فنفى أن تكون هناك أدلة على ذلك، لكنه أكد «أن آثارنا وصلت إلى إسرائيل، وبيع عدد كبير من القطع من قبلها».
أما وضع المتاحف الأخرى في المحافظات الآن، فهي «مغلقة بسبب الأحداث الأمنية، لكننا نعمل مع الحكومات المحلية لفتح بعضها، مثل «متحف العتبات المقدسة» في كربلاء، و«متحف الشهداء» في النجف وهو متحف سياسي».
ولا بد و«داعش» يحتل جزءاً لا بأس به من الأراضي العراقية من أن نسأل عن مصير المواقع الأثرية والمتاحف التي تضمها خريطة انتشاره. أجاب: «لدينا فيلم عن اعتداءات «داعش» على المواقع الأثرية في الموصل وسواها من المناطق التي احتلها، سوف يعرض في خلال أنشطة الأسبوع الثقافي، كما تقام ندوة عن الموضوع نفسه».
تردف انتهاكات «داعش» للثروة الأثرية ما يجري في العراق من فوضى تسمح للعديد من العصابات واللصوص باستباحة المواقع الأثرية وبيع موجودات منها.
عباس القرشي
كما التقينا في حفل الافتتاح مدير ملف استرداد الآثار، عباس القريشي، الذي استفاض في الحديث عن الأعمال التي لم تسترد حتى الآن، وعن كيفية استعادتها، مؤكداً أنه «كان من الضروري أن نشكل لجان متابعة ووفوداً لزيارة الدول التي نكتشف آثارنا فيها، وأن تنشط السفارات العراقية أيضاً في تنشيط هذا الملف. فنحن بدأنا نعيد المسروقات بالقرار 1483 الذي أعلن بموجبه العراق محتلاً، وقد طالب الاحتلال من دول العالم إعادة كل ما سرق من المتاحف والمكتبة الوطنية والمواقع الأثرية. وقد استعاد العراق مثلاً من الكويت عن طريق وزارة الخارجية العراقية جزءاً من الآثار والكتب، فبعد تفاوض أتينا بـ44 قطعة أثرية استُلمت من الكويت، وهذا مؤشر على نجاح المساعي». لكن البحث والتدقيق أديا إلى إخفاء ما تبقى من آثار منهوبة. لذا فالأمور تستكمل بصعوبة بالطبع. بل «إن المشكلة في أننا مطالبون بأدلة وإثباتات على عائديتها، ونحن لا نملك أوراقاً ثبوتية للأعمال التي نهبت من المواقع. فبعض تجار الآثار في العالم يدّعون أنهم اشتروها في العشرينيات أو الثلاثينيات، ومع ذلك فقد كانت الدولة حينها تعطي شهادات للأعمال التي تباع. المهم أن قضايا الاسترداد ليست سهلة، وتحتاج إلى محامين ورفع قضايا وضغط على دول».
لكن السؤال البديهي: من هم كبار سرقة آثار العراق؟ يجيب القريشي: «تصور أن المهربين يستعينون بأقمار صناعية وشبكات دولية، لذلك نشعر بأن هذه الشبكات خلفها دول. وماذا إذا علمت أن مكتبة من بين مكتبات أور تضم أكثر من 10 آلاف رقيم طيني ظهرت في جامعة كورنيل في شمال نيويورك. فهل هذا عمل عصابات صغيرة؟ علماً أن هذا حصل في ظل الاحتلال الأميركي... ومع ذلك فإن وزارة الأمن الوطني الأميركية بدأت تعاوناً مع سفارتنا في واشنطن، لكن لا تزال الولايات المتحدة الرقم واحداً في الاستحواذ على الآثار العراقية، وكذلك الاستحواذ على «متحف الساعة الرئاسي» الذي يضم كنوزاً ثمينة، من لوحات عالمية وقطع أثرية وممتلكات كثيرة مهمة، وكلها سرقت ونقلت إلى الولايات المتحدة».
ويثمن القريشي الثروة الأثرية في العراق بقوله: «إن العراق يمتلك 12 ألف موقع أثري، لم ينقب رسمياً إلا 5 في المئة من الثروة الموجودة فيها».