يعتبر المؤلف أنّ جذور هذه الظاهرة تعود الى الثمانينيات أيام رئيس الحكومة الراحل محمد مزالي الذي تحالف مع الاسلاميين وطوّع برامج وزارة التربية التي تولاها منذ السبعينيات لرؤية الاسلاميين تحت شعارات مفتعلة مثل "الهوية".
حتى وقت قريب، كان التونسيون نموذجاً للانفتاح على الآخر والتشبع بالثقافات قبل أن يتصدروا قائمة الإرهابيين في العراق وسوريا وليبيا ومالي والجزائر، فكيف أصبحوا يتفنون في الذبح بعدما برعوا في الموسيقى والمسرح والرسم والأناقة؟..
نورالدين بالطيب/ جريدة الأخبار
أحمد خالد الذي شغل مناصب حكومية في عهد الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي يحاول الإجابة على هذا السؤال الموجع من خلال كتابه «كيف زرع الفكر التكفيري في ثمانينيات القرن العشرين بتونس؟ شهادة للتاريخ» (منشورات زخارف).
يعتبر المؤلف أنّ جذور هذه الظاهرة تعود الى الثمانينيات أيام رئيس الحكومة الراحل محمد مزالي الذي تحالف مع الاسلاميين وطوّع برامج وزارة التربية التي تولاها منذ السبعينيات لرؤية الاسلاميين تحت شعارات خاوية ومفتعلة مثل «الهوية». كما يتهم وزير ثقافته الروائي والمترجم البشير بن سلامة برعاية هذا المشروع عبر وزارة الثقافة.
هذا الكتاب الذي أثار جدالاً في تونس واعتبر تصفية حسابات بين وزير من عهد بن علي وآخر من عهد بورقيبة، وأيضاً بين الوزير ورئيس ديوانه (خالد كان وزيراً لديوان بن سلامة)، جاء مدعّماً بالوثائق والأرقام وأغلفة الكتب التي تدعو إلى الجهاد وتروج للأفكار التي تتبناها اليوم تنظيمات «أنصار الشريعة» و«النصرة» و«داعش» و«بوكو حرام»...
في أصله، كان الكتاب تقريراً أعده أحمد خالد العام 1986 يوم اشتدت المواجهة بين الاسلاميين والسلطة بناء على طلب مدير الحزب الدستوري الحاكم آنذاك الهادي البكوش. ثم اضطر لتسليمه الى الزعيم الحبيب بورقيبة بسبب غياب البكوش آنذاك.
تضمن الكتاب معطيات دقيقة حول ما أنفقته الدولة لشراء كتب منظري الجهاديين وتوزيعها على المكتبات العامة التي تعدّ المصدر الأساسي لمطالعات الشبان الذين يسهل تأثرهم بـ «الفكر الجهادي».
يكشف ما أنفقته الدولة لشراء كتب منظري الجهاديين
ويكشف خالد أنّ تغلغل الفكر السلفي وصل الى مؤسسة «بيت الحكمة» إذ اختير أبو الحسن الندوي عضواً في المجلس العلمي للمؤسسة بمقتضى أمر رئاسي صدر عام ١٩٨٣ باقتراح من وزير الثقافة البشير بن سلامة.والندوي من أبرز منظري المجموعات التكفيرية من أفغانستان الى سوريا والعراق وشمال افريقيا، يدعو إلى التغيير عبر «كفاح عنيف وصراع شديد».
يتزامن هذا الكتاب مع وقت دقيق تعيشه تونس، مواجهةً التحدي الوهابي والإرهابي، ليغيّر كثيراً من صورة البشير بن سلامة (١٩٨١-١٩٨٦) الذي تحقق للثقافة في عهده الكثير من المكاسب كتأسيس «أيام قرطاج المسرحية» والمعهد العالي للفن المسرحي، .. لكنّ الكتاب كشف أنّ جانباً كبيراً من ميزانيته صرفها في تمويل بيئة شجعت الإرهاب ورعت بذور هذا الفكر الغريب على تونس وتقاليدها وثقافتها.