مع تسارع وتيرة الهجرة المسيحية من مشرقنا العربي وانحسار وجودها، بدأت تتعالى عبر المنابر الاعلامية أصوات المطالبين بتحصين "المسيحيين المشرقيين"، محذرين من مخاطر وانعكاسات تفريغ الشرق من مسيحييه.
ابراهيم عبدالله
مع تسارع وتيرة الهجرة المسيحية من مشرقنا العربي وانحسار وجودها، بدأت تتعالى عبر المنابر الاعلامية أصوات المطالبين بتحصين "المسيحيين المشرقيين"، محذرين من مخاطر وانعكاسات تفريغ المنطقة من هذا المكون المشرقي الأصيل.
مع ظهور "داعش" على حلبة الصراع في الشرق الاوسط ، اصبحت الاقليات والعرقيات المتنوعة في وطننا العربي ومنها المسيحية العربية تواجه اليوم خطر الاقتلاع، وهي تكافح من "أجل البقاء في أحواض إقامتها المحاصرة بأحزمة الغالبية الدينية"، ما يضع مستقبل المسيحيين المشرقيين في مشهد قاتم في ظل هجمة "المتأسلمين"، لتبدو الصورة مليئة بالألم والحزن والتشرد.
ما أن تسمع صراخ المسيحيين في العراق، يقولون لك نريد أن نهاجر، أو أن يقول مسيحي من الموصل " لا أريد أن أعود لأن هؤلاء ليسوا أهلي" حتى تعي أن الوضع ليس صحياً، حقيقة هذا الواقع وصفّه الكاتب والمحلل السياسي غسان الشامي في حديث لموقع المنار. ويعتبر الشامي أنَّ الامر مختلف في سوريا ، لأن المسيحيين فيها، كانت هجرتهم داخلية ، لكن مناطقهم الاساسية ضربت في واقعها الاقتصادي والاجتماعي، وحتى لا نلبس قفازات، يرى الشامي انه "ليس تنظيم داعش فقط هو الاتي من العقل الوهابي التكفيري، هناك داعش داخلي موجود ومتأصل في نفوس سكان المدينة الواحدة، ان "يدخل 400 داعشي غريب الى الموصل ويخرج منها 4500 داعشي موصلي" يعني ان داعش بات في داخلنا في بيئة معينة وواضحة .
من هذا المنطلق، وعلى مدى الخرائط وفي ظل عدم وجود سياسات واضحة لجهة عدم التهجير ، يعتبر الشامي ان "المستقبل قاتم في ظل عدم وجود اصوات اسلامية عالية تكفر هذا التكفير"، لافتاً الى ان "هذا الخطر داهم ليس على المسيحيين فقط بل على جميع قاطني هذه المنطقة دون استثناء وعليهم الاستعداد للمواجهة"، مشيراً الى ان "المسيحيين مكون من مكونات مئات المجتمعات المشرقية"، محذراً من سقوط الدولة والمجتمعات في الشرق، ان لم يخرج التنويريون الاسلاميون الحقيقيون لحماية مكونات المجتمع في المشرق"، معتبراً ان"هذه المكونات ليست مسيحية فقط انما اسلامية".
ولفت الى ان "هناك سنة متضررين من داعش كما الشيعة والايزيدين واديان وطوائف ومذاهب وعرقيات واثنيات اخرى".
وبالنسبة لسمفونية خوف الغرب على مستقبل الاقليات المسيحية في المشرق العربي ، يرى الشامي ان "الغرب كاذب، لا يريد لكل المسيحيين أن يهاجروا اليه، وهو يستخدم داعش وأمثاله لتفخيخ البنية الدينية في المجتمع لتنفجر (سنيا - شيعيا) ، أما المسيحيون فهم فرق عملة"، بحسب الشامي الغرب يسمح فقط " بهجرة النخب كالطبيب والمحامي والصيدلي من المسيحيين ، ويعطيهم بطاقات هجرة اليه ، ولكن باقي الناس سيقال لهم ابقوا في أماكنكم تحت الخيم".
الغرب تاريخياً استقبل مسيحيين فلسطينيين لانه يريد الوصول بفلسطين الى ان تكون المسيحية فيها "متخفية بلا مسيحيين ولا مسيح"، وهذا أعطى برأي الشامي الفلسطينيين المسيحيين طريقة لكي يرحلوا وتبقى ثنائية (اليهودية والاسلامية) في فلسطين من اجل مصلحة "اسرائيل"، اما القوميات التاريخية من كلدان وسريان وآشوريين ما تزال تشكل الجذر الحضاري لمنطقة بلاد الشام، فهذه القوميات شرعوا باعطائها الفيزة للهجرة لانهم يريدون تفريغ المنطقة من القوميات التاريخية حتى لا يقال ان هناك شعوبا ذات معتقدات مسيحية بقيت عربية.
وتساءل الشامي في حديثه لموقعنا عن "المصلحة العربية والاسلامية من تفريغ الشرق من مسيحييه، وذهابه نحو ثنائية قاتلة داخلية بين السنة والشيعة ، او الى حروب مؤبدة بين اليهود والمسلمين أو ما بين مسيحي متصهين ومسيحي عربي مشرقي ، فاذا كان الغرب ينفذ سياسته، فاين هي سياستنا؟!".
واشار الى ان الفاتيكان هو بالاساس "فاتيكانات"، يعني كل بابا لديه سياسة، في السنوات العشر الاخيرة كان هناك رؤية تفضي الى ابقاء المسيحيين المشرقيين في بلادهم ، كاشفاً انه قد وقف البعض بوجه "سياسة المحافظين الجدد، وخصوصاً البابا الراحل حين عارض بشدة عملية ضرب العراق معنوياً وسياسياً كون الفاتيكان ليس بيده مدفع، ومع البابا الحالي فرنسيس هناك كلام كبير عن محاولة دعم بقاء المسيحيين في المشرق ، وقد تبوء موقعا متقدما حين تدخل بقوة وضغط على الادارة الاميركية برئاسة باراك اوباما ومنعه من ضرب سوريا خلال أزمة الكيماوي"، معتبراً انه حتى اللحظة "لم يستخدم الفاتيكان أكثر من 50 % من حضوره في العالم في السنتين الاخيرتين ومن الضروري أن يستخدم أكثر من ذلك"، كاشفاً أن "المسيحية في المشرق ليست مسيحية فاتيكانية، بل هي مسيحية مشرقية ، انها ارثوذكسية انطاكية نابعة من عمق هذا المشرق ، وهي لا تطلب الحماية من الغرب"، لا بل انها اقرب الناس الى المسلمين ، وتنطبق عليها الاية القرآنية الكريمة " ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى" انهم اشد مودة من اي غربي ، لانهم يفقهون العقل الاسلامي، وهذا ما يجب ان يعلمه جميع المسلمين.
ويعتبر الشامي أن الطلب من الفاتيكان الحماية هو "طلب خارج عن قدرته ،والمسيحيون المشرقيون بكل مكوناتهم لم يطلبوا الحماية من الغرب"، وجميعنا يعلم أنَّ الغرب في أول أيام الحرب الاهلية في لبنان ولكي يهرب من المشكلة ، نادى بتفريغ لبنان من مسيحييه ظناً منه أن التهجير يحل المشكلة"، ونفس الطريقة يتبعها الفرنسي اليوم مع المسيحي العراقي، وبرأي الشامي لكي تحل المشكلة عليك أن "توفر مقومات الصمود والبقاء للمسيحي المشرقي لا أن تشجعه على ترك موطنه، فحلها لا يكمن بتعميق الهوة والحرب والاقتتال في هذه المنطقة"، فالمطلوب من الفاتيكان من وجهة نظر الشامي هو "تأمين المساعدة المادية والمعنوية للمسيحيين المشرقيين لمساعدتهم على البقاء وتعزيز النزعة المشرقية لديهم لا تغريبهم عن مجتمعاتهم" .
وفيما خص الاستحقاق الرئاسي ، اعتبر الشامي أن "لبنان هو في آخر اهتمامات الغرب ، وفي أسفل سلم أولوياته".
ويلفت الصحفي الشامي في كلامه الى أن الغرب يريد رئيساً مسيحياً "مشلعاً مفتتاً يقدم لكل الاطراف (الداخلية والخارجية) ما يريدون، لكن نحن امام معضلة كون الغرب الان ليس اللاعب الاساسي في مجيئ رئيس للجمهورية"، فيشير الى ان "ما يؤخر عملية انتخاب الرئيس هو المملكة العربية السعودية لانها تريد رئيسا مُسَعْوَدا بطريقة أو باخرى والسعودية هي حليفة لغرب لا يريد ان يكون لك رئيس عليه الصحة والقوة ليكون قادراً على تخفيف حدة المرض الطائفي الذي يعاني منه لبنان"، وبالتالي نحن امام "ازمة طويلة وان وصلنا الى نتائج عملية فسوف نكون امام رئيس لا طعم له ولا رائحة ولا لون وليس ماءً".
أما بالنسبة لمصير المطرانين المختطفين ، يؤكد الشامي أنه حتى اللحظة "لا يوجد أي خبر حقيقي عن المطرانين منذ اختفائهما رغم الكلام الذي قيل ، لانه لا يوجد أي دليل ، لا اشارة ، ولا فيديو ، ولا صورة شخصية تشي بمكانهما أو مصيرهما ".
وبحسب الشامي فان الامركيين والفرنسيين "سألوا الاتراك عن مصير المطرانين لانه توفرت معلومة لديهما ان المطرانين بيعا الى جهة ثانية بعد الخطف وهذه الجهة على الحدود مع تركيا، لكن الى اللحظة لا يوجد جواب واضح ، حتى انه لم يطلب أحد فدية ، ولم يطالب احد شيئاً ، لا مقابل او مقايضة ، الموضوع لا يزال في دائرة الغموض المخيف والمعيب الذي يلف واقع المطرانين الصديقين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي.
وبرأي الشامي فان "عملية التغييب تمت في ظروف حساسة، فالمطرانان يمثلان أغلبية المسيحيين في حلب ، ليقال للمسيحيين الحلبيين السريان الارثوذكس والكاثوليك، ها قد خطفا المطرانين دبروا انفسكم، وبعد تلك الحادثة الكثير من المسيحيين السوريين حزموا أمتعتهم ورحلوا عن سوريا، واذا كان الهدف هو هذا ، فقد نجح الخاطفون في تحقيق مرادهم".
وبخصوص ما يظهره الغرب من صدمة ازاء سلوكيات تنظيم داعش لما يرتكبه من مجازر بحق الانسانية في الموصل وسنجار يعلق الشامي بالقول " ان الحيوان السياسي فقط من يرتطم رأسه في نفس الحائط مرتين، ويتساءل هل هذا الغرب حيوان سياسي؟!".
فالغرب والمخابرات السعودية اخترعوا طالبان، وخرج هذا المارد المتأسلم من القمقم ، وضرب الغرب في عقر داره في 11 أيلول/سبتمبر، هم قدموا كلَّ ما يلزم لداعش منذ سنة ونصف ، منذ أيام اعترفوا أنَّ ما وصل الى جبهة النصرة الموضوعة على لائحة "الارهاب الدولي" مليار ونصف المليار دولار ، فكم وصل الى داعش الى الان ؟؟!.
وبحسب الشامي " من يقود داعش هم ضباط بعثيون عراقيون يعرفون بالخطط من يضربون"، وعندما أقام تنظيم داعش عرضا عسكريا لآلياته ومقاتليه من الرقة الى الموصل بطول 300 كلم ألم ترصدها الاقمار الاصطناعية؟ حتى لا نكون سُذّجا في السياسة ، داعش مرتبطة بالاهداف الاميركية والصهيونية، وبالتالي لا يوجد اسلام واحد برأي الشامي هناك "اسلام مُسَعْود واسلام نفطي واسلام اخواني واسلام متصهين متأمرك ، والمطلوب رفع صفة الاسلام عنهم كونهم يخدمون مشروع الدولة اليهودية، هؤلاء حاقدون على القرآن، ويطمحون لتغيير النص القرآني ،ولن يتورعوا عن استخراج قرآن آخر خاص بهم من أجل أن تبقى مصالح الغرب" .