تحكي "الحسن" أن الشهيد، الذي كان مسؤول منطقة البقاع الغربي آنذاك، لم يكتفِ بتأمين متطلبات أهل المنطقة، بل كان مشاركاُ أساسياً في العمليات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي وعملائه. وكان إلى جانب ذلك "أستاذ المجاهدين"

"مشاعل الطريق"، توحي بلاغة العنوان الأدبية بكناية مجازية تحدّد أدوار من هم المقصودون بكلمة "مشاعل". وحين تدرك أنه عنوان لسلسة أفلام وثائقية تحكي عن قادة المقاومة في لبنان، تدفعك  محبتك للمقاومة إلى التعرف عن كثب على هؤلاء القادة المنسين في سجل الإعلام، ولكنّهم ما فتأوا يشكّلون صلب الذاكرة الجمعية للمجتمع الذي أنتج ثقافة المقاومة وما يزال يرفدها بالدم والتضحيات.

"الشهيد القائد "محمد بجيجي"، أكاد أجزم أن لا أحد من جيل اليوم سمع بهذا القائد الميداني للمقاومة الإسلامية والذي أستشهد في تموز العام 1988". هذا ما تؤكده معدة السلسلة الزميلة رباب الحسن.

إذ على ما يبدو أن مسؤولية توثيق لتأريخ دفن "الزمن الإسرائيلي" في رمال الجنوب اللبناني تلقي بثقلها على عاتق مديرية المقاومة في "قناة المنار". فهدف هذه السلسة الوثائقية هي الإضاءة على حياة قادة شاركوا في صنع المقاومة في بداية مسيرتها، والتذكير بهم وإعادة إحياء ذكراهم.

في حلقتي الأسبوعين القادمين، سيد الشاشة هو "أستاذ المقاومة"، لقب كان يحب سماحة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله أن ينادي به الشهيد القائد محمد بجيجي حين كانا رفيقين يؤسسان معاً لمنظومة المقاومة في لبنان إلى جانب قادة آخرين، على رأسهم الشهيد السيد عباس الموسوي، في أول الثمانينيات من القرن الماضي. 

الفيلم يوثّق بمهنية عالية سيرة هذا القائد الفذ من الولادة حتى الشهادة المباركة، مع عشرين ضيفاً، إذ عُرف أولاً بتواضعه ومحبته للناس وللتعايش الإسلامي المسيحي في بلده، وكان ملهماً بارعاً في وضع الشعارات والأفكار النيرة، إذ إنه صاحب شعار "يا قدس إننا قادمون"، وهو صاحب فكرة "قجة المقاومة"، والتي تدفع بحب للتبرع للمقاومة الإسلامية.

تحكي "الحسن" أن الشهيد، الذي كان مسؤول منطقة البقاع الغربي آنذاك، لم يكتفِ بتأمين متطلبات أهل المنطقة، بل كان مشاركاُ أساسياً في العمليات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي وعملائه. وكان إلى جانب ذلك "أستاذ المجاهدين"، تقع تحت إدارته الدورات الثقافية، في الحين نفسه كان أستاذاً جامعياً يدرّس مادة العلوم الطبيعية. 

يروي الشيخ حسين كوراني، في الفيلم، عن اللقاء الأول الذي جمعه مع الشهيد بأنه انتبه فيه إلى أي درجة شخصيته تتميز بالقدرة العالية على الكتمان، ويلف من حوله بالغموض، وهي صفة كانت تجمعه مع الراحل الكبير الأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي. كان القادة كلهم في تلك الحقبة من الصعب أن تعلم عنهم شيئاً. 

الهم الأكبر الذي كان لدى الشهيد بجيجي هو الأسرى لدى الاحتلال وعملائه، وكان الأسير يحيى العنقوني، الذي أسر في ميدون، يشغل باله لدرجة كبيرة، فكان يعدّ العدة بشكل دائم للقيام بعمليات اٍسر لجنود العدو لتتم مبادلتهم مع أسرى المقاومة، وفي 13 تموز من العام 1988، أبلغ أحد الفلاحين الحاج "أبي حسن" أن ثمة تحركات مريبة في خراج بلدة زلايا، وكانت قوة كوماندوس اسرائيلية تحاول التسلل إلى المناطق المحررة، فكمن لها مع مجموعة من المجاهدين، ودارت بينهم مواجهات عنيفة سقط فيها العديد من القتلى والجرحى الاسرائيليين، وارتفع القائد "أبو حسن بجيجي" شهيداً.

"مشاعل الطريق"، وثائقي يؤدي تحية إباء وعرفان بالجميل لنخبة من قادة المقاومة الإسلامية في لبنان، ويكتب بالصوت والصورة كيف صُنعت المقاومة بأهداب العيون الساهرة وبروح التضحيات الجسام.

"مشاعل الطريق" : إعداد رباب الحسن؛ إخراج محمد نصر الدين؛ إنتاج فؤاد نور الدين.

يعرض على شاشة "المنار" يومي الأحد في 14 و21 / 9/ 2014 في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء.