22-11-2024 01:21 AM بتوقيت القدس المحتلة

كلمة الإمام الخامنئي أمام مجلس خبراء القيادة: كيف تكون الرؤية الشاملة؟!

كلمة الإمام الخامنئي أمام مجلس خبراء القيادة: كيف تكون الرؤية الشاملة؟!

في الرؤية الشاملة للعالم ومن ضمنها للمنطقة، يواجه الإنسان نقطة أساسيّة وهي أنّ النظام المستقر الذي كان حاكمًا في الدنيا هو في حالة تغيير وتبديل؛ هذا ما يفهمه الإنسان وما يراه"

"في الرؤية الشاملة للعالم ومن ضمنها للمنطقة، يواجه الإنسان نقطة أساسيّة وهي أنّ النظام المستقر الذي كان حاكمًا في الدنيا هو في حالة تغيير وتبديل؛ هذا ما يفهمه الإنسان وما يراه"..

الإمام الخامنئي

4-9-2014 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين،والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.

الإمام الخامنئي حفظه اللهأرحّب بالإخوة الأعزّاء، العلماء العظام وثقاة وخبراء الشعب. إنّنا نفتقد حضور السيد مهدوي في هذه الجلسة ونشعر بالأسف لأنّ هذا الأخ العزيز، وصاحب الشخصيّة المحترمة جدًّا يعاني منذ ثلاثة أشهر من المرض الشديد.ومن المناسب أن يهدي الأخوة الأعزاء سورة الحمد لشفائه. اللهم اشفه بشفائك وداوه وعافه بعافيتك بحق محمد وآل محمد. كما إنّنا نذكر الأحبّاء والإخوة الذين فارقونا منذ مدّة، ونطلب المغفرة لهم: المرحوم السيد محمد الكيلاني، المرحوم السيد زرندي، المرحوم ماموستا مجتهدي وأخيرًا السيّد جباري رحمة الله عليهم. 

ذو القعدة: أوّل الشهور الحُرم

إنّه شهر ذوالقعدة؛ يقول المرحوم الحاج ميرزا جواد ملكي (رضوان الله عليه):إنّ شهر ذي القعدة هو شهر التوبة، شهر الرجوع إلى الله، شهر مراقبة النفس، كي لا نكون لا سمح الله بأعمالنا نحارب الله ورسوله. ويقول: ذو القعدة هو شهر القعود عن محاربة أعداء الله، وبشكل أولى  يجب أن يكون شهرًا،ينتبه الإنسان إلى عدم انجراره لمحاربة الله تعالى.وهذا العمل المعروف بعمل"أحد ذي القعدة" يؤكّد على القيام بهذا العمل.

للمرحوم الحاج الميرزا علي القاضي (رضوان الله عليه)، رسالة أرسلها لأصدقائه، ومريديه وتلامذته حيث يشرح حاله في هذه الرسالة.إنّ للمرحوم القاضي أشعارًا مهمّة باللغة العربيّة؛ وكان كما يعبّر السيد الطباطبائي"شاعرًا مفلقًا"؛ فهو برأي السيد الطباطبائي (رضوان الله عليه)شاعر مميّز. لديهقصيدة بليغة جدًّا مطلعها:"تنبّه فقد وافتكم الأشهر الحرم"؛ هذه القصيدة طويلة يوصي فيها تلامذته. هذه فرصة لنا، للناس كي يستفيدوا من بركات هذا الشهرالذي هو بداية للأشهر الحرم الثلاث. إنّ شهر ذي القعدة هو شهر ثامن الحجج (سلام الله عليه) أيضًا، الذي هو وليّ نعمة الجميع، على الأخصّ ولي نعمتنا نحن الإيرانيّين ـ فلنستفد إنشاء الله من بركات مضجعه ومرقده، وإنشاء الله نقترب أكثر فأكثر من القيم الرضويّة.

رؤية شاملة

بالنسبة للأوضاع الحاليّة للعالم وللبلاد، فقد حضّرت فكرة لأطرحها عليكم. بشكل مختصر، يجب أن تكون رؤيتنا لأوضاع العالم ولأوضاع المنطقة ومن جملتها أوضاع بلادنا رؤية شاملة. هذه الرؤية الشاملة، تهبنا المعرفة والبصيرة، لندرك موقعيّتنا، ومكانتنا ومكاننا في الوضع الحالي ونفهم في أيّ وضعيّة نحن. وتعلّمنا ما الذي يجب القيام به في المستقبل.

في الرؤية الشاملة للعالم ومن ضمنها للمنطقة، يواجه الإنسان نقطة أساسيّة وهي أنّ النظام المستقر الذي كان حاكمًا في الدنيا هو في حالة تغيير وتبديل؛ هذا ما يفهمه الإنسان وما يراه. بعد الحرب العالميّة الأولى، ظهر نظام جديد في العالم وخصوصًا في منطقتنا؛ بعض القوى قويت وصارت قوى العالم الكبرى. ومنذ الحرب العالميّة الثانية -حوال يسبعين سنة مرّت على نهايتها- كان هذا النظام مستقرًّا وظهرت إدارة خاصّة للعالم. في الواقع، كان الغرب-إن كان بشكل النظام الإشتراكي أو الليبرالي، فالنظامان غربيّان- حاكمًا على إدارة العالم وإدارة العالم تحت سيطرته. فآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة ومناطق عدّة من العالم كانت تتحرّك تحت نفوذ وهيمنة وإرادة هؤلاء طيلة السبعين سنة هذه. يرى الإنسان بوضوح أنّ هذا النظام في حال تغيّر حيث سأشير باختصار إلى دلائل وعلامات هذا التغيير.

عوامل قوّة النظام العالمي.. ثبت بطلانها

حسنًا، عندما تكون الدنيا في حال تغيّر، فإنّ النظام العالمي يتغيّر، ويبدأ نظام جديد بالتشكّل. نحن بالطبع سيكون لدينا واجبات أكثر أهميّة.في النظام العالمي الجديد، أين سيكون موقع الإسلام، موقع الجمهوريّة الإسلاميّة وموقع بلدنا المهم إيران؟ يمكننا التفكير، ثم توقّع هذا الأمر، ثم السير في هذا الطريق. كانللنظام السابق -الذي بقي كما قلنا مسيطرًا على العالم سبعين سنة- قاعدتان: إحداهما  فكريّة وقيميّة، والقاعدة الأخرى عمليّة أي عسكريّة وسياسيّة. وبرأيي، إنّ هاتين القاعدتين متزلزلتان اليوم، وثبت بطلانهما.  

بما يتعلّق بالقاعدة الأخلاقيّة والفكريّة، كانت عبارة عن ادّعاء التفوّق الفكري والقيمي الغربيّ -الذي يشمل أوروبا وأمريكا- على بقيّة مناطق وشعوب العالم. فقد رفعوا شعارات لا ربط لها بالتقدّم العلمي والصناعي، شعارات جذّابة ومضلّلة كشعار الحريّة، وشعار الديموقراطيّة، وشعار حقوق البشر، وشعار الدفاع عن الشعوب وعن كلّ فرد من البشر؛ وأرادوا بهذه الشعارات إثبات تفوّق نظامهم القيمي على بقيّة مناطق العالم، على أديان العالم، على الفرق الفكريّة وخاصّة الإسلام. وقد نجحوا في هذا الأمر؛ في عالمنا الإسلامي، هناك أفراد ومجموعات وشخصيّات سياسيّة، ودول، تؤمن بالفعل بتفوّق نظامهم القيمي، وهم ليسوا قلّة. اليوم أيضًا، هناك أشخاص في مجتمعنا يمتلكون هذه العقيدة.

في القسم الثاني،أي القسم العملي -الذي هو القاعدة الثانية لقوّة وسيطرة الغرب على إدارة العالم- هناك قضيّة القدرات السياسيّة والعسكريّة، فإذا لم تتأثّر الدول والشعوب والتيّارات المختلفة بالنظام القيمي وبذلك الجانب الأوّل، ولم تستسلم وقاومت، كانوا يواجهونها بالضغوط السياسيّة والعسكريّة وكانوا يقومون بأعمال كثيرة كي يجبر كلّ من لم يتأثّر بالعامل الأوّل، من خلال ممارسةضغط العامل الثاني أي الضغوط السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، على السير معهم والتعاون معهم.

لقد رأينا هذا الأمر في العالم، وفي بلدنا أيضًا. إنّ الأجهزة الإعلاميّة للغرب، التي كانت تتطوّر يومًا بعد يوم وتصبح أكثر حداثة، وتزداد قدراتها، كانت تواجه الشعوب بشكل مستمرّبهذين العاملين -أي عامل التفوّق القيمي وعامل السلطة العسكريّة والسياسيّة- وقد استطاعوا إقناع أصحاب الفكر، المتنوّرين، وبالتدريج عامّة الناس، بهذا الأمر.

اليوم، هذان العاملان ثبت بطلانهما، كلاهما، العامل الأوّل والعامل الثاني. هاتان الوسيلتان وهذان السلاحان -الذي كان الغرب بهما قادرًا على إدارة العالم وعمليًّا سيطر وأدار بهما العالم- هذان العاملان صارا بالتدريج ضعيفين.
دلائل هذا التزلزل:

بالنسبة للعامل الأوّل أي العامل القيمي -أي تفوّق القيم الغربيّة على قيم بقيّة الشعوب والأديان، الإسلام وغيره- فقد تزلزل بعدّة دلائل. هناك عوامل أدّت إلى تزلزله. لقد دوّنت هنا عددًا من العوامل سوف أذكرها: إحدى هذه العوامل التي أدّت إلى بطلان النظام القيمي الغربي وسلطته المعنويّة: الأزمة الأخلاقيّة والمعنويّة المتزايدة في الغرب؛ وعلامتها البارزة هي انتشار الشعور بالخلأ، إحساس العبثيّة، عدم الإحساس بالأمن الروحي بين أفراد الناس، وخاصّة بين الشباب في الغرب.

إنهيار وزوال العائلة؛ إنّ مؤسسة العائلة في الغرب قد تزلزلت، وقد انهارت وزالت، وهذا يترتّب عليه آثار. قضيّة المرأة، بحيث إنّ التوجّه الذي اتّبعه الغرب تجاه المرأة، أدّى إلى أن تخضع حركة النسويّة  -التي انطلقت منذ عشرات السنين-إلى المساءلة من قبل المفكّرين والمتنوّرين وأصحاب الفكر. إنّهم يشعرون أنّ هذا الأمر كان فخًّا للمرأة وقد فرضوا على المرأة موانع عجيبة وغريبة وهذه قصّة طويلة.

مسألة تحويل المنكرات إلى قيم؛ على سبيل المثال يصبح "الشذوذ الجنسي" قيمة، ومخالفة هذا الشذوذ يصبح أمرًا غير قيمي! فإذا -اليوم في الغرب الأمر على هذا النحو- تمّ سؤال أحد الشخصيّات، مسؤول رسمي مثلًا، رئيس للجمهوريّة، أو شخصيّة معروفة، خلال مقابلة ما، فيقول هذا الشخص أنّه مخالف للـ"شذوذ الجنسي"، فهذا يعني نقطة سوداء في سجلّه في العالم؛ أي إنّ الفضاء الأخلاقي للغرب قد اتّجه بهذا الاتّجاه، على هذا النحو. وطبعًا هو لن يتوقّف عند هذا الحدّ بل سيصل إلى أماكن أكثر بشاعة وسوء. وقد التفت لهذه القضيّة منذ وقت، منذ عدّة سنوات حوالي عشرة أو خمسة عشر سنة، بعض الخيّرين والمشفقين قد نبّهوا من هذا الأمر ولكن لا فائدة؛ عندما يسقط نظام أخلاقي ما في انحدار كهذا، لا يمكن توقيفه أبدًا، ولا مصير له إلّا الزوال. هذا عامل من عوامل بطلانالقيم الغربيّة. 

العامل الثاني: التوجّه للدين. وهذا في الواقع ردّة فعل على العامل الأوّل. بين الفئات المتعدّدة للدول الغربيّة، الميل للدين، حبّ الدين، وعلى الأخصّ حبّ الإسلام، التوجّه نحو الإسلام، التوجّه لفهم القرآن، تزايدت يومًا بعد يوم؛ هذا الأمر يعرفه المعنيّون جيّدًا. هذا أمر آخر من الأمور التي جعلت النظام القيمي والأخلاقي للغرب يتأزّم بشكل كبير.

العامل الثالث وهو التناقض، التضاد العملي للغرب مع الشعارات المرفوعة. أيإنّ هؤلاء يتكلّمون عن الحريّة وعن الديموقراطيّة وعن حقوق البشر وغيرها، ولكن في التطبيق يخالفون هذه الشعارات ويخرقونها، ممّا جعل طرح هذه الشعارات اليوم من قبل الغربيّين في العالم أمرًا مستهجنًا، أي إنّ أصحاب الفكر يفهمون هذا الأمر. إنّ عدد الانقلابات التي قامت بها الدول الغربيّة والقوى الغربيّة ضدّ الدول المستقلّة -في الأغلب الدول الوطنيّة- عددٌ عجيب. وفق بعض التقارير،  إنّ أمريكا بعد الحرب العالميّة الثانية إلى اليوم عملت على قلبالنظام والانقلاب على خمسين حكومة.

قامت بخطوات عديدة ومتنوّعة ضدّ خمسين دولة؛ خالفت العشرات من حركات المقاومة الشعبيّة المدوّنة في ملفّات أمريكا وغيرها؛ استعملت القنبلة النوويّة، فالمرّة الوحيدة التي تمّ استعمال القنبلة النوويّة كان من قبل أمريكا التي تتخطّى الجميع في الكلام عن البشر وحقوق البشر؛ قتلت أكثر من مئتي ألف إنسان-في أحداث اليابان - كما أصيب أكثر من هذا العدد بسبب هذه الحادثة؛ سجن غوانتانامو ، سجن أبو غريب ، الأحداث التي حصلت، المعتقلات السريّة في أوروبا ، أُثبت للجميع أنّ لديهم معتقلات سرّيّة يعذّبون الناس، ويحتجزونهم فيها دون محاكمة، وما زال الأمر مستمرًّا؛ والكلّ يرى. هذا أيضًا عامل ثالث أدّى إلى تأزيم النظام القيمي الذي يدّعيه الغرب.

العامل الرابع: اللجوء إلى العنف، والزور، والقمع؛ أنواع العنف، من بينها الحظر. أمام أعين شعوب العالم، نشاهد  كيف أنّهم حين يلحظون أمرًا في بلد ما، أو مسألة عند شعب ما، ولا يستطيعون فرض سيطرتهم الثقافيّة على هذا البلد، وبالتالي حماية سلطتهم، يلجؤون إلى القوّة والتهديد؛ أحيانًا بالهجوم العسكري، أحيانًا بالاغتيال، أحيانًا بإيجاد حركات إرهابيّة، وكلّ هذا شاهدناه في الأيّام الأخيرة وأمام أعين العالم: الهجوم على البلاد، الهجوم على العراق، الهجوم على أفغانستان، الحملات المتنوّعة وبأشكال مختلفة على باكستان وأماكن أخرى. هذه أيضًا من الأمور التي أدّت إلى بطلان النظام القيمي للغرب.

العامل الخامس وهو إيجاد الحركات كالقاعدة وداعش وغيرها.اليوم هم يدّعون أن لا علاقة لهم بهذه الحركات.لكن الجميع يعرف؛ لقد نقلت أمرًا عن أحد المسؤولين الأمريكيّين المعروفين  لكنّهم بعدها أنكروا الأمر. لكن كما يبدو الأمر كذلك، إنّهم يعترفون أنّ هذه الحركات هم من أوجدوها، حتى لولم يعترفوا، لدينا شواهد على هذا الأمر، نحن نعلم. أنا لا أنسى المرحوم الشيخ "سعيد شعبان" -لا مشكلة الآن من ذكر اسمه- خلال فترة الحرب، قال لي أنّ لديه معلومات أنّهم يحاولون إشغالكم من الشرق، قلت له حسنًا شرقنا هي أفغانستان، قال نعم ناحية أفغانستان. كان هذا قبل أن تظهر حركات طالبان والقاعدة في أفغانستان.

لقد كان له اتّصالات وعلاقات مع المحافل السياسيّة والعلمائيّة لأهل السنّة، كان له حضور في أماكن حسّاسة، كان شخصًا محترمًا جدًّا، ولديه معلومات، قال أنّه من واجبي أن أقول لكم هذا الأمر. بعد فترة وجيزة حصلت هذه الأحداث ورأينا كيف سارت الأمور كما قال. إذن ليس هناك أيّ شبهة أنّ تأسيس هذه الحركات وإيجادها هي من صنع القوى الغربيّة وعملائهم في المنطقة.

من الممكن في بعض الأحوال ألّا يتدخّلوا هم مباشرة بل يتدخّل آخرون. لكن بالطبع هم تدخّلوا مباشرة، في قضيّة طالبان، أنا لا أنسى حين كانوا يتحدّثون عن طالبان في المجلّات الأمريكيّة، وكأنّهم يروّجون لهم. طبعًا لا يروّجون بشكل مباشر لكن كيفيّة الإعلان عنهم، كان ترويجًا لطالبان، في بداية ظهورهم. إذاً هذه من العوامل التي زلزلت النظام القيمي في العالم اليوم الذي يدّعي التفوّق الغربي.

فالآن لا أحد يتقبّل من القوى الغربيّة أن يقولوا نحن مؤيّدون لحقوق البشر، نحن داعمون للقيم الإنسانيّة. إنّ ما ورد في وثيقة الاستقلال الأمريكي منذ مئتي عام قد تمّ نقضه عمليًّا.

تهاوي القدرة العسكريّة الأمنيّة 

أمّ االعامل الثاني الذي كان عامل قدرة سياسيّة واقتصاديّة هو أيضًا قد ثبت بطلانه.إنّ أهمّ أمر أدّى إلى بطلان هذا العامل الثاني هو تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة.في إحدى المناطق القابعة بشدّة تحت سيطرة أمريكا، تظهر حركة ثوريّة عظيمة بهذه الأبعاد الوجوديّة، نظام مرتكز على أفكار حاولوا جاهدين القضاء عليها، وهذا النظام -على الرغم من الهجمات المتنوّعة والمتعدّدة- الهجمات السياسيّة، الاقتصاديّة، العسكريّة، الأمنيّة وغيرها، لم يضعف بل على العكس كان يقوى يومًا بعد يوم؛ وإلى اليوم نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو نظام مقتدر بكلّ معنى الكلمة. بالطبع إنّ النظام الإسلامي هو نظام مقتدر، ومظلوم في الوقت نفسه. لا تتنافى قدرة النظام مع المظلوميّة؛ في مرّة سابقة قلت  مثل أمير المؤمنين: الحاكم القوي للنظام الإسلامي في زمنه، وفي الوقت نفسه هو أكثر المظلومين مظلوميّة؛ وهكذا حال نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. قوّته لا تتنافى مع مظلوميّته، وهذه المظلوميّة اليوم ليست علامة على عدم القدرة؛ في الواقع إنّ قوّة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، أمر واضح، حتى أعداؤه يعترفون بهذا الأمر.

وكذلك الأحداث التي وقعت فيما بعد، صمود الأعوام الثمانية للجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيراني في الدفاع المقدّس، لم يكن أمرًا بسيطًا، بل كان حدثًا بالغ الأهميّة، لقد أثبت هذا بأنّ القدرات العسكريّة والأمنيّة للقوّة المهيمنة على العالم، غير قادرة على أن تضعف صمود شعب أو توجّه له ضربة بحيث تستطيع أن تفرض نفسها على هذا الشعب كما كانت تفعل من قبل. كذلك الأحداث الأخرى التي وقعت بعد ذلك في المنطقة، أحداث فلسطين، أحداث لبنان، حرب ال33 يومًا، حرب ال22 يومًا، حرب الأيام الثمانية في غزة، وهذه الحرب الأخيرة حرب الخمسين يومًا والتي هي في الحقيقة نموذج للمعجزات الكبرى. منطقة صغيرة محدودة ذات إمكانات شديدة التواضع، تستطيع بمقاومتها أن تركّع النظام الصهيوني الذي يمثّل رمز قوّة الغرب في المنطقة؛ حيث كان هذا النظام الصهيوني يصرّ على وقف إطلاق النار، لكنّهم لم يقبلوا، فازداد إصرارًا وكانوا يقولون له لن نقبل بوقف إطلاق النار حتى تتحقّق هذه الشروط. وهذا ما حصل بالفعل. إنّ هذه واقعة مهمّة جدًّا، وتستحقّ التحليل وهذا كلّه إنّما يدلّ على أنّ القوّة والتفوّق العسكري-السياسي للغرب قد ثبت بطلانه بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة. 

ما هو دورنا اليوم؟
وهذا الاستنتاج اليوم في العالم الغربي، استنتاج رائج حيث يعتقد الكثير من الأشخاض النافذين في الغرب بأنّ الحرب لم تعد خيارًا معتبرًا ومجديًا للغرب؛ الكثير من السياسيّين في أمريكا بشكل أساسي وكذلك في بعض البلدان الأوروبيّة يطرحون هذه الفكرة ويقولون بأنّ الحرب لم تعد بالنسبة لنا خيارًا مجديًا. وهذا ما يعني بوضوح بأنّ القدرة العسكريّة-الأمنيّة للغرب قد تهاوت وثبت بطلانها. 

حسن، إنّ هناك قوى جديدة قد ظهرت في آسيا والشرق (كقوّة الصين وقوّة الهند وأمثالهما) وهذا يوضح أبعادًا أخرى لهذه المسألة أيضًا.

حسن، هذا هو وضع المنطقة ووضع العالم وهو دليل على أنّ النظام السابق للعالم لم يعد قادرًا على الاستمرار بحيث يدير الغربيّون العالم. هناك وضع جديد في طور التشكّل، وهو لم يأخذ شكله النهائي حتى الآن. نحن هنا ماذا يجب أن نفعل؟ أعتقد أنّ هناك أمرين مهمّين: 

الأوّل، أن لا يتمّ تحليل هذه الوقائع التي نشاهدها اليوم بشكل معكوس فلا تحلّل بشكل خاطئ ولا تفهم بشكل خاطئ، يجب أن يتمّ فهمها تمامًا كما هي؛ ليس في بلدنا فقط، بل هناك في منطقة آسيا، لا يزال يوجد حتى الآن أشخاص وبلدان وحكومات وسياسيّون وتيّارات لا تدرك هذه الحقيقة التي تمّ بيانها؛ فهم يعتقدون بأنّه لا يوجد لدينا أمام الغرب سوى طريق واحد، وأنّ هذا التسليم والاستسلام، إمّا أن يتمّ برغبة وطواعيّة -أي قبول القيم الغربيّة والخضوع للنظام الذي يرسمونه وتنفيذ طلباتهم وتوقّعاتهم لأجل إدارة العالم- أو إن لم يسلّم بلد ما بشكل طوعي ولم يتعاون معهم ولم يذهب إليهم ولم يظهر الطاعة لمشيئتهم وإرادتهم، فإنّه بالطبع سيواجه الضغوط الإقتصاديّة أو الحظر أو الضغط السياسي أو الضغط العسكري، ولن يكون لديه حيلة سوى الاستسلام إمّا بشكل هادئ وإمّا استسلامًا مصحوبًا بالصخب والضجيج! هذا التحليل موجود الآن، وهذا خطأ فادح. هذا التحليل تحليل خطر؛ في بلدنا أيضًا تسمع همسات في بعض الزوايا تردّد هذا التحليل. كلا،الأمر ليس كذلك؛ بل كما ذكرنا بأنّ القوّة الغربيّة كانت ترتكز على هاتين القاعدتين -القاعدة الأخلاقيّة والمعنويّة والقيميّة والقاعدة العسكريّة والسياسيّة والأمنيّة والعمليّة- وكلاهما قد زلزلتا وتضعضعتا. يجب علينا أن ندرك هذه الحقيقة. 

الأمر المهم الثاني هو أن نعدّ أنفسنا لأداء دور في ظهور هذا النظام الجديد، أن نجهّز هذا البلد ليقوم بدور فعّال وهذا لن يحصل إلّا بتقوية البلد؛ يجب أن نقوّي البلد وهذه التقوية متوقّفة على الاستفادة من كلّ الإمكانات والقدرات التي نمتلكها داخل البلد وخارجه. فلنلتفت إلى أنّ إمكاناتنا وقدراتنا ليست فقط ما لدينا في الداخل؛ بل إنّلدينا خارج البلاد إمكانات هائلة، لدينا أنصار ومؤيّدون، لدينا عمق استراتيجي في المنطقة، البعض يؤيّدنا لأجل الإسلام والبعض لأجل اللغة والبعض لأجل المذهب الشيعي؛ هذا عمق استراتيجي للبلد وجزء من قدراتنا وقوّتنا ويجب الاستفادة من كلّ هذه القدرات والتي لا تنحصر في منطقتنا، نحن لدينا عمق استراتيجي في أمريكا اللاتينيّة وفي أجزاء هامّة من آسيا كذلك لدينا إمكانات للاستفادة ويجب أن نستفيد منها. وهذا ما سيجعل البلد قوي ومقتدر.

هناك ثلاث مسائل لها دور كبير في تقوية البلد: إحداها مسألة العلم والتقنيّة والثانية مسألة الاقتصاد والثالثة مسألة الثقافة. ينبغي أن نستثمر رصيدنا في هذه الأقسام الثلاثة فهي عناصر مفتاحيّة. حكوماتنا، مسؤولونا، شخصيّاتنا ونخبنا يجب أن ينشطوا ويعملوا بفاعليّة في هذه الأقسام الثلاث. وكذلك مسألة عدد السكان والتي هي مهمّة جدًّا ـ كما أشار بعض السادة وأكّدوا على هذه النقطةـ وفي مكانها المناسب حيث إنّ عدد السكان لها تأثير كبير في القدرة الوطنيّة؛ ازدياد نسبة الجيل الشاب وكون البلد من البلدان الكبرى بالنسبة لعدد سكّانه له تأثير كبير في إيجاد القوّة والاقتدار.

الثقافة؛ المسألة الأهم
بالتأكيد فإنّ الأهم في كلّ ما ذكرنا هو مسألة الثقافة وخاصّة على مستوى الاعتقادات وعقائد الناس. أنتم تلاحظون كم يستثمرون حاليًّا ولقد تمّت الإشارة إلى أنّ الكثير من رؤوس الأموال والثروات العالميّة تصرف على تأسيس وسائل الإعلام المؤثّرة كالفضائيّات والإنترنت والخلوي وما شابه..إنّهم يستثمرون وينفقون المبالغ الطائلة كي يتركوا أثرًا على عقائد الناس وإيمانهم وأفكارهم ويخرجوهم في الحقيقة من مجال تأثير النظام الإسلامي والقيم الإسلاميّة؛ وبالتأكيد فإنّ الترياق الشافي والعلاج الناجع لهذا، هو أن نتمكّن وفي المستويات المختلفة من امتلاك أفكار ونماذج تبيينيّة وإقناعيّة فيما يتعلّق بعقائد الناس وإيمانهم يجب أن يتمكّن علماؤنا ومؤسّساتنا الثقافيّة ومؤسّساتنا الإعلاميّة وخطباؤنا وأجهزة الإذاعة والتلفاز عندنا أن تتمكّن من تثبيت هذه الاعتقادات في أذهان الناس وتعميقها، وبالطبع فإنّ العلاقة المباشرة للعلماء مع الناس هي عامل وعنصر لا بديل له، لا شيء يحلّ محلّ هذه العلاقة، لا شيء حتى الإذاعة والتلفاز بما هما وسيلتين عامّتين وشاملتين لا يمكنهما أن يحلّا محل العلاقة المباشرة للعلماء والمفكّرين الدينيّين مع الناس.

دعم أجهزة الدولة، واجب!
إنّمسألة الوحدة والتعاطف في البلد مسألة هامّة جدًّا. هناك اختلاف في الميول والأمزجة في المجالات السياسيّة-سواء في المجالات الأصليّة أو الفرعيّة- لكن هذه الاختلافات لا ينبغي أن تضرب وحدة البلد وتضامنه. يجب على الجميع أن يكونوا معًا؛ من الأمور الهامة أن يقوم الجميع بدعم المسؤولين وهذا الدعم لا يتنافى أن يكون لديكم انتقاد أو إشكال على المسؤول الفلاني أو الحكومة أو السلطة القضائيّة أو مجلس الشورى، فالدعم والتأييد يجب أن يتمّ على كلّ حال. إضافة إلى ذلك فإنّه والحمد لله المسؤولون يبذلون جهودهم ويعملون بجد.

في هذه السنة التي استلمت فيها الحكومة زمام الأمور، بذلت جهودًا كبيرة وتحقّقت الكثير من الأعمال والإنجازات. والإنسان يلمس هذا ويشاهده عن كثب، لقد قاموا بأعمال كثيرة وحقّقوا نجاحات مميّزة، وكذلك الأمر في السلطة القضائيّة والأجهزة المختلفة مشغولة بالعمل. لا أزال أذكر حين كان يأتي البعض للقاء الإمام وينتقدون الحكومة ويعتبون عليها لوجود بعض النواقص والإشكالات فيقولون مثلًا هناك مسألة ما حصلت في ذلك المكانوكان الإمام يجيبهم أيّها السادة إنّ إدارة البلد عمل صعب! والحقيقة بأنّ القضيّة هي كذلك: إدارة الأجهزة عمل صعب. من الممكن أن يكون شخص ما خاليًا من العيوب والنواقص من الناحية الفكريّة والعمليّة ومن الناحية السلوكيّة أيضًا ولكن الجهاز الذي يشرف عليه يعاني من مشكلات وعيوب، هذا أمر ممكن ويحصل عادة؛ أي إنّ شموليّة المتابعة والإشراف على القضايا من الأبعاد كافّة ليس بالعمل السهل، هذا ما يحصل.

والحال أنّ هناك مشكلات أخرى أيضًا. بالتأكيد لا أحد يرفض الانتقاد -طرح الإشكالات والإنتقادات ونقاط ضعف البرامج والسياسات التنفيذية- لا أحد ينكر هذا ولكن ينبغي أن لا يكون هذا بمعنى التخريب والوقوف مقابل بذل الجهد وما شابه، يجب أن نعتبر دعم ومساعدة الحكومة والأجهزة التنفيذيّة والعمليّة واجبًا علينا جميعًا. وإنشاء الله يتمّ القيام به. 

نرجو الله تعالى أن لا يحرم هذا الشعب من أفضاله وإن شاء الله لن يحرمه، هذا المقدار الموجود حاليًّا في البلد من الميول والتوجّه نحو المعنويّات يساعد حتمًا؛ توجد بعض الحالات حيث يصل الإنسان فيها إلى طريق مسدود ولكن التوجّه إلى الله تعالى والتوسّل بذيل عنايات الرب يفتح هذه الطرق المسدودة في الحقيقة، وإن شاءالله يجب أن نكمل بهذا الشكل. وكما كرّرنا دائمًا، عندما أنظر إلى الأمام وإلى الأفق وإلى المستقبل أراه منيرًا جدًا وواضحًا وأعلم بأنّ مستقبل هذا البلد سيكون أفضل من ماضيه من جميع الجهات الماديّة والمعنوية بتوفيق الله وبحوله وقوّته إنشاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.