حاول الرئيس نبيه بري أن ينقطع كلياً عن السياسة خلال إجازته الأخيرة في إيطاليا. تمنّى رئيس المجلس على الموجودين برفقته الامتناع عن الخوض في الشؤون السياسية
«المجلس أقرّ الدستور الحالي في غياب الرئيس»
عماد مرمل
حاول الرئيس نبيه بري أن ينقطع كلياً عن السياسة خلال إجازته الأخيرة في إيطاليا. تمنّى رئيس المجلس على الموجودين برفقته الامتناع عن الخوض في الشؤون السياسية، كما طلب من فريق عمله في بيروت عدم الاتصال به إلا للضرورة القصوى.
أمضى بري الأيام السبعة من عطلته متنقلاً بين الشاطئ الإيطالي الذي وجد فيه متنفساً بعدما فرضت عليه الاعتبارات الأمنية «الإقامة الإلزامية» في عين التينة، وبين مدينة فلورانس التي أطل من نوافذها على عمق التاريخ لازدحامها بالآثار والتماثيل، وبين إحدى البلدات الايطالية المعروفة بجمال طبيعتها، حيث أمكن لرئيس المجلس أن يلتقط الأنفاس ويتأمل في ما آلت اليه الأحوال.
ومع عودة بري الى بيروت، وجد الملفات المعقدة في انتظاره: رئاسة شاغرة، ومجلس نيابي معطل، وحكومة يكبلها شرط الإجماع على قراراتها.
لا يخفي بري استياءه من استمرار الواقع المترهل لمؤسسات الدولة الآخذة في التحلل. يتحسّر على موقع رئاسة الجمهورية الذي يسكنه الشغور بسبب سياسة التحدي، ويغضب لمشهد المجلس النيابي المقفل نتيجة الكيديات والنكايات، ويأسف لتحول قرارات الحكومة الى رهينة لتواقيع الوزراء الـ24 مجتمعين.
حاول بري إقناع الرئيس تمام سلام بصيغة أكثر مرونة لتسيير عمل الحكومة، قائلاً له خلال أحد الاجتماعات بينهما: دولة الرئيس.. أريد ان أكلمك كمحام، وليس كرئيس للمجلس.. ومن هذا المنطلق أنصح بأن تصدر قرارات مجلس الوزراء «بالنصف + واحد» أو بأكثرية الثلثين، تبعاً لطبيعة الموضوع، كما كان يحصل خلال وجود رئيس الجمهورية، على أن توقع أنت عن مجلس الوزراء بعدما يكون قد جرى تثبيت القرار في المحضر، ثم توقّع كرئيس للحكومة، وبعد ذلك يوقّع الوزير المختص.
أبدى سلام في حينه ميلاً إلى اعتماد وجهة نظر بري، لكن الرئيس فؤاد السنيورة تدخل ضاغطاً ومعرقلاً، انطلاقاً من حساباته الشخصية، كما يؤكد رئيس المجلس، لافتاً الانتباه الى أن الحكومة البتراء في أيام رئاسة السنيورة لها، وفي ظل غياب رئيس الجمهورية، كانت تصدر قراراتها بأكثرية ثلثي الحاضرين ولم تعتمد نظرية الإجماع.
لكن المصيبة الأكبر بالنسبة الى بري تكمن في إصرار البعض على إبقاء مجلس النواب مغلقاً امام التشريع والوظائف الحيوية الاخرى المنوطة به، في تجاهل أو جهل لبديهية ان المجلس هو أب وأم كل المؤسسات، وهذه حقيقة دستورية «جينية» لا يمكن لأحد ان يقفز فوقها.
وعلى أساس هذا الفهم لدور المجلس، لا يجد بري في شغور منصب رئاسة الجمهورية ما يبرر إقفاله وتعطيل إنتاجيته، مستعيناً في هذا السياق بشهود وشواهد من الماضي لإثبات صحته رأيه، بدءاً من عام 1945 حين أقعد المرض رئيس الجمهورية بشارة الخوري واضطره إلى السفر لتلقي العلاج في حيفا، ومع ذلك ظل المجلس النيابي يعمل من دون أي عائق.
ويُعرّج بري ايضاً على مرحلة حكومتي الرئيس سليم الحص والعماد ميشال عون بعد شغور موقع الرئاسة في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس أمين لجميل، لافتاً الانتباه الى ان المجلس بقي يؤدي دوره في تلك الأيام، إلا عندما كانت الظروف الامنية تمنع التئامه.
ويلفت بري الانتباه الى محطة هي الأكثر وضوحاً في تظهير حقيقة ان المجلس النيابي سيد نفسه، وتتمثل في لجوء المجلس الى إقرار وثيقة الطائف كدستور جديد للبنان، خلال جلسة عقدها في مطار القليعات، من دون وجود لا رئيس جمهورية ولا حكومة.
ويتوقف بري، في حقبة ما بعد الطائف، عند محطة حكومة السنيورة العام 2007 والتي يُصرّ على توصيفها بـ«البتراء»، مشيراً الى ان الاخير طلب آنذاك، وسط الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، فتح مرسوم دورة استثنائية لمجلس النواب، ورفع الى المجلس ثلاث موازنات والعديد من مشاريع القوانين. ويتساءل: كيف كان يجوز فتح أبواب المجلس آنذاك ولا يصح ذلك اليوم برغم تشابه الظروف؟ ولماذا هذه الازدواجية الفاقعة في المعايير؟
استناداً الى هذه الحقائق التاريخية، الحديث منها والقديم، يعتبر بري أن من واجب المجلس في هذه الظروف تفعيل عمله، وليس فقط المواظبة عليه، منتقداً استسهال البعض زج السلطة التشريعية في بازار سياسي، ومحاولته «اختطافها» للمقايضة عليها والحصول على «فدية» في مقابل الإفراج عنها.
http://www.assafir.com/Article/2/372427
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه