من قام بصياغة ملف الإتصالات؟ ما هي الهفوات التي وقع بها بلمار عندما قسّم الشبكات إلى ألوان؟ من هو مجهول الهوية الذي نسّق ما بين عياش وصبرا وعنيسي؟وهل لـ"الإقتران المكاني" وجود في عالم الإتصالات
بعد أن استعرضنا في الجزء الأول من التقرير ماهية ربط بلمار لحزب الله والشهيد عماد مغنية بأسماء المتهمين، وبعد أن كشفنا النقاب عن تشكيك قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بصدقية ما قاله بلمار حول ملف الإتصالات الذي استند إليه لتوجيه التهم، نجيب في الجزء الثاني على الأسئلة التي سبق وطرحناها: من قام بصياغة ملف الإتصالات؟ ما هي الهفوات التي وقع بها بلمار عندما قسّم الشبكات إلى ألوان؟ من هو مجهول الهوية الذي نسّق ما بين عياش من جهة وصبرا وعنيسي من جهة أخرى؟ وهل لـ"الإقتران المكاني" الذي اعتمده بلمار لتوجيه الإتهام وجود في عالم الإتصالات
المخابرات البريطانية ولبنانيون صاغوا ملف الإتصالات
لم يأت تشكيك فرانسين بما ادعاه بلمار حول مسؤولية موظف لديه عن صياغة ملف الإتصالات عن عبث، وهو المتأكد بأن هذا الموظف لا يمتلك الكفاءة الكافية لصياغة هذا الملف الذي يتعدى مسؤوليته وخبرته، ولدى سؤالنا بحسون عن الجهة التي يمكنها صياغة هكذا ملف يجيبنا: "المخابرات البريطانية هي من كتبت التقرير بالتعاون مع جهات لبنانية"، وعما قيل عن تولي الرائد في فرع المعلومات وسام عيد لهذا الملف قبل أن يتم اغتياله يقول بحسون"قبل اغتياله كان وسام عيد يعمل على تحليل داتا الاتصالات بالتعاون مع شركة انكليزية موكلة من قبل لجنة التحقيق، وقد قتل في بداية مهمة بلمار، أو بالأحرى قتل بعد أن رآه" !! واعتقد أن اغتياله سيربط فيما بعد باغتيال الحريري لكي يتهموا المقاومة باغتيال رائد في قوى الأمن الداخلي".
هفوات بلمار في تقسيمه الشبكات إلى ألوان
قسّم بلمار المشاركين في الجريمة من حيث التحضير والترتيب والتنسيق والتنفيذ بناءً على طريقة المكالمات الهاتفية بينهم، أي من يتكلم مع من، وقد جمع من استخدم هذه الهواتف ولوّنهم وأعطى لكل واحد صفة، وهذه التقسيمات تعتمد عادة في حالة الجرائم الكبرى، ولكنها تستخدم لأسباب توضيحية لكي يفهم الجمهور وتتضح له الصورة. وانطلاقاً من هذا المبدأ يرى بحسون أن المدعي العام "قسّم ولوّن المجموعات بطريقة إفتراضية، وما هو إفتراضي أيضاً هو إنساب رقم معيّن إلى مجموعة معيّنة، مثلاً القول أن مصطفى بدرالدين لم يكن يمتلك إلا هاتفاً سرياً واحداً بين الهواتف التي يستخدمها عائد إلى الشبكة الخضراء أما باقي الهواتف السبعة هي أرقام عادية وفي نفس الوقت هو قائد المجموعة أمر مستغرب جداً ! بينما الشخص الذي يعتبره بلمار منسّقاً، أي سليم عياش، فكان يحمل أربعة هواتف سريّة ( خضراء، حمراء، صفراء، زرقاء) وأربعة خطوط عادية! أما عنيسي وصبرا فيحمل كلاهما خطاً سرياً واحداً من نفس اللون وهو الأرجواني، أي أن عياش الذي ينسق العملية لا يحمل هاتفاً من نفس اللون الذي يحمله من قاموا بعملية التضليل الإعلامي! وبالتالي فهو بحسب بلمار ينسّق مع أحد الأشخاص الذي بدوره يأمر عنيسي وصبرا، إلا أنه مجهول الهوية ! مما يعني أن بلمار يعلم أن عياش ينسّق مع عنيسي وصبرا دون أن يكلمهما، عبر شخص لا يعرفه بلمار! هذا قمة المستحيل! وهذه نقطة استفهام كبيرة".
نستنتج هنا أن قائد العملية (بدر الدين) لا يستطيع التواصل إلا مع منسّق العمليّة (عياش) الذي بدوره يتواصل مع من كلّفا بالتضليل الإعلامي (عنيسي وصبرا) عبر وسيط لا يعلم بلمار من هو! والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، كيف يمكن لقائد العملية أن يكون غائباً كلياً عن الجميع إلا عن المنسّق؟ ماذا لو حدث أي طارئ مع الأخير؟! ماذا سيفعل القائد في هذه الحالة؟ وكيف يمكن لقائد العملية أن يحمل هاتفاً سرياً واحداً بينما يمتلك المنسّق أربعة؟! والأهم من ذلك كيف يمكن أن يعلم بلمار أن المنسّق اتصل بالمضللين عبر وسيط دون أن يعلم من هو هذا الوسيط؟!!
ويتساءل بحسون بدوره: "لماذا لم يشر بلمار في القرار الإتهامي ولا فرانسين في قرار التصديق الى امتلاكهما لتسجيلات صوتية لمن قام بعملية الإغتيال؟ أمن المعقول أن يحدد بلمار الإتصالات التي أجريت بالثانية ولا يستطيع الحصول على تسجيلاتها؟! هذا مستحيل! وأعتقد أن التسجيلات موجودة بحوزته إلا أنه خبأها لأنها لا تعود للأشخاص الذين اتهمهم بل إلى آخرين".
لا وجود لـ"الإقتران المكاني" في عالم الإتصالات
ولكن إن لم تكن هذه التسجيلات عائدة للمتهمين، فلمن هي إذن؟! يجيب بحسون "هناك إنساب لأرقام الهواتف للمتهمين بشكل يوضح أن الأشخاص قد حُددوا قبل أن تتحدد الأرقام، وهناك فرق شاسع بأن يكون هناك أحد ما يتحدث على الهاتف ويسعى فريق التحقيق لكشف هويته فيكتشف أنه بدر الدين مثلاً، أو أن يضع إسم بدر الدين ويبحث لاحقاً عن هاتف وينسبه إليه! هذه هي التقنية التي استخدمها بلمار والتي أسماها "اقتران مكاني" واعتبر أنها تقنية معروفة في الوقت الذي ليس لها أي وجود فعلي في عالم الإتصالات!"
ويشرح بحسون عن هذه التقنية التي لا وجود لها سوى لدى بلمار قائلاً "بحسب هذه التقنية يرى المدعي العام أنه لو تواجد هاتفان في نفس المكان وقام من يحمل الهاتفين بتوقيت متزامن بإجراء مكالمة هاتفية وتبيّن أن الرقمين لم يتصلا ببعضهما أبداً فالأرجح أن من يحملهما هو نفس الشخص !!! هكذا وصل بلمار لشخص إسمه سامي عيسى وقال أنه إنسان وهمي وأنه في الحقيقة مصطفى بدر الدين! وهذا ما أسماه بلمار "اقتران مكاني" وقال أنها تقنية معروفة وهي في الحقيقة لا وجود لها على الإطلاق".
كما يشير بحسون إلى أن عبارة "نفس المكان" التي استخدمها بلمار، تمتد في عالم الخليوي من 250 م إلى 30 كلم، كما أنّ بلمار لم يحدد مدّة "التوقيت المتزامن" لإلتقاط نفس البرج للمكالمتين، فإن كان الفرق 5 ثوان فهما ليسا بعيدين عن بعضهما، أما إذا كان الفرق 10 دقائق مثلاً فمن الممكن أن يكونا بعيدين جداً، نظراً لأنه في مدينة مثل بيروت يمكنك أن تنتقل حوالي 7 كلم في 10 دقائق".
ولإيضاح الفكرة أكثر: لنفترض مثلاً أن عميلاً إسرائيلياً يريد توريط (اكس) بجريمة ما، ويعاونه عميل مثل طارق الربعة أو غيره في شركة الإتصالات، يمكن للعميل ببساطة أن يطلب من الربعة إبلاغه فوراً بحال قام (اكس) بإجراء اتصال هاتفي وتحديد المنطقة الوجود فيها، فيتصل الربعة بالعميل ليبلغه أن (اكس) قام بإجراء اتصال هاتفي من منطقة "الأشرفية" مثلاً، بدوره يذهب العميل سريعاً إلى "الأشرفية" ويقو بإجراء اتصال من هاتف آخر، وتتكرر العملية نفسها عدة مرات، فيصبح هاتف العميل بحسب نظرية بلمار ملكاً لـ(اكس) أي أنهما شخص واحد. يقوم بعد ذلك العميل الإسرائيلي بالاتصال بمجموعة ترتكب جريمة معيّنة فيستنتج بلمار أنّ (اكس) هو المتصل بالأفراد الذين نفذوا الجريمة !
ويعلّق بحسون "هذا ليس دليلاً أبداً! وأنا أستطيع الجزم بوجود 700 حالة ممثالة في أي منطقة في بيروت وضواحيها، وبلمار يعلم تماماً أن هذا ليس دليلاً وفرانسين شكك به وهو يتمنى ألا يتصدى أحد في المحكمة لهذا الإتهام ليفبرك مستقبلاً اتهاماً مماثلاً لأشخاص آخرين ربما يكونون أهم من الأربعة المتهمين".
الجزء الأول: قرار بلمار.. فرانسين يشكك بملف الإتصالات ويوافق مع التحفظ
في الجزء الثالث:
كيف أعلن بلمار عام 2008 عن معرفته أسماء المنفذين وطمس هوياتهم اليوم؟
ف. س. يتصل بالمجرمين: الحريري في طريقه إليكم
لماذا أخفى بلمار الأرقام؟