26-11-2024 01:18 AM بتوقيت القدس المحتلة

عزل إيران: مسرحية خليجية ساذجة بإخراجٍ أميركي

عزل إيران: مسرحية خليجية ساذجة بإخراجٍ أميركي

كيف أن داعش بتكفيرها لـ"الروافض" تمهِّد من حيث لا تدري لقيام "الهلال الشيعي" الذي تحذِّر منه أميركا دائماً ومعها "إسرائيل" والدول الإقليمية الداعمة للإرهاب والتكفير

أمين أبوراشد

قبل يومين من خطاب أوباما الذي تضمَّن استراتيجية الحرب المزعومة على داعش، أطلّ مهندس القرارات المجرمة في الغرف الأميركية السوداء هنري كيسنجر وقال: "يجب محاربة داعش لأنها تُطيح بحدود البلدان التي أنتجتها "سايكس بيكو"، لأن إسقاط هذه الحدود يمهَّد الطريق لقيام الأمبراطورية الفارسية التي يمتدُّ نفوذها من العراق الى لبنان".

ولسنا نجد تفسيراً لإجتهادات كيسنجر، كيف أن داعش بتكفيرها لـ"الروافض" تمهِّد من حيث لا تدري لقيام "الهلال الشيعي" الذي تحذِّر منه أميركا دائماً ومعها "إسرائيل" والدول الإقليمية الداعمة للإرهاب والتكفير.

وقبل خمس ساعات من الخطاب نفسه، صرَّح محلل سياسي أميركي أن نيَّة أميركا ليست بالضرورة محاربة الإرهاب، وإلاّ كان عليها من البداية أن تضمّ الى التحالف كلّاً من روسيا وإيران وسوريا، لكن تحديد مهلة ثلاث سنوات من العمليات ضد داعش، يعني أن ما تبقى من ولاية أوباما هو محاولة للتخفيف من تدفُّق خطر داعش نحو مناطق المصالح الأميركية وليس إطلاقاً القضاء عليها نهائياً، لأن لـ داعش دور في إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد عبر الفوضى الخلاّقة التي ابتدعت أميركا فلسفتها.

وإذا كان عزل إيران عن مؤتمر جنيف 2، أثبت أنها كانت الغائبة الحاضرة، وأن تغييبها كان من الأسباب الرئيسية لفشله، لأن أي مؤتمر يرتبط بمسألة إقليمية لن يُكتب له النجاح بغيابها لأسباب ترتبط بحجمها الذي مهما تجاهلته المعسكرات الغربية والأدوات الخليجية هو حجم أمبراطورية بامتياز، شاء خصومها أم أبوا، وخصوصيتها وفرادتها هما أساس قوَّتها التي أثبتتها عندما تمرَّدت بكرامة على حصارٍ ظالمٍ دام عشر سنوات، وطأطأت الرأس الأميركي بالوقائع والبراهين، وألزمت دول الخمسة زائد واحد أن تتوسَّم التفاوض معها على الملف النووي لا بل تتوسَّل، فكيف تكون هناك حربٌ على الإرهاب في هذا الشرق التكفيري دون التعاون مع إيران طالما هي البادئة بالحرب عليه في العراق باعتراف الرئيس العراقي نفسه أمام المتحالفين في باريس؟

مُرشد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، وجَّه أمس "نووياً سياسياً" نحو أميركا، وأعلن أن إيران رفضت في السابق طلباً أميركياً عبر السفير في العراق لمكافحة تنظيم "داعش" في بدايات إرهابه داخل العراق، وطلباً آخراً عبر وزير الخارجية من نظيره الإيراني، لأن أيدي أميركا ملطَّخة.

وموضوع عزل إيران عن المشاركة في "جنيف 2" ومكافحة الإرهاب ضمن التحالف، ليس سوى مسرحية سعودية بعرضٍ دائمٍ ومستمرٍّ من السذاجة، تتولى أميركا إخراجها ليس حفاظاً على مصالحها واستثماراتها داخل السعودية وأطماعها في النفط وحسب، بل لأن السعودية هي إحدى الأدوات الأكثر طواعية للإستخدام والإستهلاك بيد أميركا.

ومشكلة أميركا ومعها الغرب، هي في عدم فهم الثورة الإسلامية في إيران وطبيعة الشعب الإيراني، رغم مرور عقودٍ على أنجح تجربة سياسية في المواءمة ما بين الدين وبناء الدولة العصرية القوية القادرة، ليس فقط بالإكتفاء الذاتي بل بالصمود ومواجهة أعتى حصار تعرفه دولة في التاريخ المعاصر، بحيث أن إيران بدل أن تذعن لضغوط من فرضوا قيوداً عليها لإستيراد قطع غيار لأسلحة أميركية من عصر "الشاهنشاهية"، فاجأت الجميع بالتصنيع المحلِّي وببناء مفاعلات نووية رغماً عن أي حصار!

بإمكان أميركا محاولة التقرُّب والتقارب من إيران، عندما تفهم الثقافة القومية للشعب الإيراني الرافضة للإستكبار والحاضنة للمستضعفين، وعندما تتوقَّف عن مقارنة النظام الإيراني بأنظمة عروش دول الخليج العربي.
موقع الولي الفقيه لا يشغله سوى من كان من أهل التقوى والإيمان والرؤية، وليس موقعاً عائلياً موروثاً كما هو الحال لدى بلدان العروش العائلية، والديموقراطية التي يتمتَّع بها الشعب الإيراني في اختيار ناخبيه ورئيسه ممنوعة في دول الجوار، والعقيدة القومية والولاء الوطني للأمَّة الإيرانية لدى الجيش والقوات المسلَّحة مسألة طبيعية، فيما العناصر على مستوى الجيش والشرطة في الجوار هم من جنسيات مختلفة وولاؤهم ليس لوليِّ الأمر ولا للدولة بل لمصدر رزقهم ليس أكثر.

هذه هي المشكلة الأولى التي يُعانيها الغرب مع الواقع الإيراني، في عجزه عن قراءة ثقافة نبيلة مُغايرة عن جمهوريات الموز التي اعتادت أميركا أن تتعاطى معها، لكن المشكلة الثانية والأدهى أن هذا الغرب ومعه دول الخليج المجاورة لإيران، لا يرغبون التصديق أن إيران التي من حقِّها إنتاج الطاقة النووية لأغراضٍ سلمية لا يُمكن أن تسعى لإنتاج سلاح نووي، لأنها دينياً، وفق ما أعلنته تكراراً كل مرجعياتها الروحية والسياسية العُليا، ترفض اقتناء أية أسلحة دمار شامل قد تعرِّض حياة أبرياء للخطر، وهذا هو الفخُّ الذي وقعت فيه دول الخليج التي أقدمت على إبرام عقود شراء أسلحة من أميركا والغرب بما يُقارب 118 مليار دولار خلال السنوات العشر من الحصار الغربي على إيران تحت ذريعة حماية دول الخليج من السلاح النووي الإيراني الذي ترفض إيران بعقيدتها الدينية إنتاجه!!!

وبدون سلاحٍ نوويٍّ، وبقدرات عسكرية هائلة، تبقى إيران رغم محاولات عزلها حاضرة دائمة في العراق وسوريا، وليست بحاجة لتحالفٍ هجين لمواجهة إرهابٍ تواجهه منذ بداياته، ولأن هذا التحالفٍ خارجٌ عن سلطة الأمم المتحدة، فهو أشبه بتحالف الهجوم على عراق صدَّام حسين.

وفيما رَسَم وزير الخارجية الروسي من باريس الخطوط الحُمر لهذا التحالف، أكَّد مرشد الثورة الإسلامية في إيران أن أميركا ستغرق مجدداً في المستنقع العراقي، ولعلَّ بدايات مؤشرات الغرق جاءت أمس على لسان السيد مقتدى الصدر، الذي أعلن صراحة أن القوى الشعبية التي تؤازر الجيش العراقي في مواجهة الإرهاب، سوف تتوقَّف عن هذه المؤازرة في حال سمحت الحكومة العراقية للمحتلّ الأميركي أن ينتهك الأجواء أو الأراضي العراقية تحت ذريعة محاربة داعش، وهذا أول الغيث لما سوف يواجه أميركا ومعها "مجموعة الضفادع الخليجية"، في مستنقعٍ لا يُجيدون العوم فيه ولا الخروج منه بسلام ...