وتحتاج صناعة «القباقيب»، في نظر خضير، إلى مهارة وصبر في «انتقاء الخشب أولاً، وطريقة رسم القالب الخارجي».
عند سماع صوت «القبقاب»، يتبادر إلى الذهن دور الفنان السوري دريد لحام، الذي اشتهر باسم «غوار» في المسلسليْن الشهيرين «حمام الهنا»، و«صح النوم». ولكن، في مدينة نابلس في الضفة الغربية، وتحديداً في زقاق البلدة القديمة، لا يزال الزائر يسمع صوت «القباقيب»، خاصة لدى اقترابه من الحمامات التركية، أو عند دخوله إلى أحد المساجد.
وفي أحد أزقة البلدة القديمة، يجلس الرجل الستيني وليد عبد اللطيف خضير على كرسي خشبي أمام منجرته، وقد بدت عليه ملامح التعب، وهو ينتظر إصلاح إحدى الآلات التي يستخدمها في قص وصناعة «القباقيب»، إحدى الصناعات التراثية التي تواجه خطر الانقراض.
ويتحدث خضير، الذي يعتبر آخر صانعي «القباقيب» في الضفة الغربية عن هذه الصناعة وتسويقها، راوياً أن «عائلته تعمل في صناعة القباقيب منذ العام 1948 عندما كانوا يملكون منجرة في مدينة اللد، وكانت من العائلات المعروفة بهذه الصناعة، إضافة إلى صناعة صناديق لزفاف العروس توضع على الجمل، وأخرى لأسرِّة الأطفال، كما كانت العائلة تعنى بصناعة المحراث الخشبي، الذي أصبح تراثاً في هذه الأيام».
تعلم الرجل الستيني مهنة النجارة وصناعة القباقيب حين كان في العاشرة من عمره، على يدي والده وجده، من خلال استخدام طرق وآلات يدوية. ويقول خضير إن صناعة القباقيب اليوم تواجه الاندثار، في ظل ثورة صناعة النعال البلاستيكية والإسفنجية الخفيفة والرخيصة، جازماً أنه لم يتبقَ غيره في هذه المهنة في فلسطين.
ويعتبر «القباقيبي» العتيق أن الحمامات التركية والمساجد هي الأكثر استخداماً للقباقيب، كونها تتحمل الماء والرطوبة، وتجنباً للانزلاق وأيضاً للحفاظ على التقاليد، إضافة إلى كون القبقاب صحياً ومريحاً في الحركة والعمل عند القيام بالأعمال المنزلية.
وتحتاج صناعة «القباقيب»، في نظر خضير، إلى مهارة وصبر في «انتقاء الخشب أولاً، وطريقة رسم القالب الخارجي».
وعن مراحل الصناعة يشرح الرجل أنه «يتم صنع القبقاب بقطع خشب الصنوبر الذي يتحمل الماء والرطوبة، على شكل أسافين، ثم نرسم طبعة القدم حسب المقاس المطلوب، وبعدها نزيل الزوائد على الجانبين، وهذه العملية تسمى التفكيك، وبعدها عملية اللف، وهي إزالة الزوائد الأمامية والخلفية من جهتي الأصابع وكعب القدم، وبعدها عملية التقديد، وهي تشكيل كعب القبقاب، بعد ذلك يأتي دور التنعيم، أي حف القبقاب، ليتم طلاؤه، وأخيراً نركب الجلد على القبقاب ليصبح جاهزاً».
ويؤكد خضير أنه «لا يزال هناك طلب على القبقاب، خاصة من قبل أهالي أراضي العام 1948، الذين يأخذونه ربما لأمور تراثية».يذكر أنه في الماضي، كانت النساء يلبسن القبقاب داخل البيت، باعتباره مريحاً في الحركة والعمل، فيما كان الرجال يلبسونه في الأسواق والأزقة اتقاءً للوحل خلال أيام الشتاء.
وبحسب الروايات، لعب القبقاب دوراً بارزاً في الثقافة والموروث الشعبي، خاصة في عصر المماليك، كما كان القبقاب في الماضي رمزاً للغنج والدلال، في وقت كان هذا الحذاء الأكثر استخداماً لدى المصريين، خصوصاً لدى البسطاء منهم، نظراً لمزاياه العديدة. أما اليوم، فيكاد صوت القبقاب يختفي، حيث تواجه صناعته خطر الزوال.
ويعود تاريخ صناعة القباقيب إلى أيام الفاطميين والعثمانيين، حيث كان يستخدم بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية، حتى أنه كان من الأغراض الأساسية في جهاز أي عروس، خصوصاً في الأرياف.
(«وفا»)