ليست كسابقاتها من النزالات بين أميركا وتنظيم القاعدة، تلك الحرب على داعش في العراق وسوريا ... فبين العام 2001 و2014 سنين تخبط بها ما يسمى "التيار الجهادي"، وانكشف في ممارساته وأفكاره.
احمد فرحات
ليست كسابقاتها من النزالات بين أميركا وتنظيم القاعدة، تلك الحرب على داعش في العراق وسوريا ... فبين العام 2001 و2014 سنين تخبط بها ما يسمى "التيار الجهادي"، وانكشف في ممارساته وأفكاره.
مشتركات عديدة بين حكم طالبان في أفغانستان ودولة داعش في العراق والشام، فالنظامان يندرجان تحت عناوين التكفير، التي أرسى دعائمها "دعاة" استغلوا المفاهيم الدينية، لغايات تدميرية وسلطوية في آن.
ونشأت دولة طالبان بعد معارك عديدة واستباحة أموال وممتلكات وحتى أعراض الأفغانيين، تمكن خلالها هذا التنظيم من فرض سيطرته على مجمل الأراضي الأفغانية، وسقطت العاصمة كابول عام 1996. واستفادت طالبان من الأحداث التي تلت الانسحاب السوفياتي من أفغانستان، حيث دارت معركة عنيفة بين الجماعات المسلحة التي قاتلت السوفييت، تمكنت في نهايتها من حسم الصراع لصالحها، مستفيدة من تقاطعات مصالح سعودية وباكستانية واميركية.
هذه الدول الثلاث رغبت في وضع اليد على أفغانستان، لما تمثله من حجر أساس في قطع يد روسيا وخصوصاً في آسيا الوسطى بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وعمق استراتيجي في محاربة الهند بالنسبة إلى باكستان، وابعاد دينية بالنسبة إلى المملكة السعودية، بتكريس زعامتها للعالم الإسلامي، إضافة إلى العديد من الأسباب لكل طرف.
تمكنت طالبان التي تماهت مع تنظيم القاعدة وارتبطت معه بوحدة المصير والأفكار، من السيطرة على مجمل الأراضي الأفغانية، وأقامت حكمها المستند إلى فتاوى تكفيرية، فكانت النموذج الاكثر إجراماً في اضهاد المسلمين، وقتلهم وتشريدهم، وتدمير بنيان دولة، كانت من الممكن أن تكون رأس حربة في دعم ومساندة القضايا الإسلامية.
تجربة طالبان تتكرر مع بعض الإختلافات على المستوى التكتيكي، مع بزوغ نجم المدعو ابراهيم عواد البدري، والملقب بأبو بكر البغدادي، مع إعلانه دولة تقوم على مبدأ "الخلافة"، مستفيداً من خلافات أقرانه من قادة الجماعات المسلحة في سوريا.
تقاطعت التجربتان في العديد من النقاط، فـ"دولة العراق الإسلامية" لم تكن لتتعاظم قوتها لولا القرارات الاميركية ابان احتلال العراق، من تدمير بنية الدولة الأمنية والعسكرية وحتى المجتمعية، لتأتي أحداث سوريا وتضيف زخماً جديداً إلى هذه الحركة، شجعها على إعلان دولتها على مساحات شاسعة بين العراق وسوريا، تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
وكان للمصالح الغربية والإقليمية في تدمير الدولة السورية من جهة، والتأثير على مجريات الساحة العراقية من جهة أخرى، دور أساسي في نشأة داعش، تماماً كما التقت المصالح عينها في دولة طالبان في أفغانستان.
ونتيجة أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2000، شُرعت أبواب بلاد الأفغان لغزو غربي بتواطؤ عربي، لا تزال البلاد تدفع ثمنه بعد مرور 13 عاماً عليه ... وفي حالة العراق، أعاد داعش إحياء الأطماع الأميركية بالتدخل المباشر في البلاد، ودمر انجاز العراقيين بتحقيق انسحاب عسكري، لم يعط الأميركيين ما كانوا يريدون الحصول عليه.
تجربتان في الحكم، لم تقدما أي مشروع سياسي يقوم على مبدأ الرعاية الاجتماعية، يحفظ للمواطنين حقوقهم، ويضمن إستمرارية الإدارة العامة، بل عمد التنظيمان على تدمير البنية التحتية للدولة اينما وجدا، إضافة إلى خلق حالة ذعر لدى المجتمعات، تؤدي إلى قمع فكري وثقافي بالتزامن مع حفلات موت تستهدف القضاء على الآخر، أي آخر.
أين القاعدة
ورغم أن صوت تنظيم القاعدة خلال فترة غزو أفغانستان وما بعدها كان عالياً في "محاربة الصليبيين"، فإن هذا التنظيم يبدو غائباً أو مغيباً عما يجري من تحضير غربي وإقليمي لضرب تنظيم داعش في العراق - عدا بعض التصريحات والبيانات من هنا وهناك-، في دلالة على الشرخ العميق الذي أصاب أصحاب الفكر الواحد، فحتى فكرة محاربة الولايات المتحدة لم تعد تستطيع "توحيد كلمة" الامراء، الذين تناحروا على السلطة، وتسببوا بتصفية الآلاف من مسلحيهم في معاركهم بسوريا.
اتهامات بالجملة يسوقها العديد من معارضي هذا التنظيم من باقي الفصائل خصوصاً من داعش، بالتبعية للمملكة السعودية، ولقطر وتركيا، حتى بلغ الأمر ببعض مؤيدي داعش إلى وصف زعيم القاعدة بالأمير الضال، وحتى تكفيره.
ومنذ إعلان "الخلافة البغدادية"، غاب الظواهري عن مسرح الاحداث السورية، فلم نعد نسمع له تصريحات صوتية، او تسريبات إعلامية، وفي الحرب على داعش، تلتزم قيادة القاعدة الصمت، فهي من جهة تريد التخلص من البغدادي، ومن جهة أخرى تدرك أن يد حرب العراق الجديدة ستمتد إليها أيضاً، وهذا ما تم التحضير له، بوضع ممولين وقياديين من جبهة النصرة على لائحة الإرهاب الأممية.
محاولة الظواهري تحييد قاعدته عن هذه الحرب، يبدو أنها لن تجدي، كون الولايات المتحدة أعلنت في أكثر من مناسبة أن حملتها ستستهدف جماعات أخرى غير داعش، في إشارة ضمنية إلى القاعدة، وهي في حالة حرب معلنة ومستمرة مع هذا التنظيم.
وبحال لم يظهر الظواهري في القادم من الأيام، فإن الجماعات المسلحة المتفرعة من القاعدة، متوجهة إلى مزيد من الإنشقاق والتشرذم، وفق رؤية أميركية لتفتيت الكيانات إلى جماعات صغيرة، بالتوازي مع العمل على إعادة توحيدهم وفق منهجية جديدة، وآليات عمل آخرى.