26-11-2024 12:55 AM بتوقيت القدس المحتلة

المقاومة: من الجنوب، الى الشرق، الى إحتضان كلّ الكيان اللبناني

المقاومة: من الجنوب، الى الشرق، الى إحتضان كلّ الكيان اللبناني

التحالف الذي وصفه يوم تأسيسه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني بأنه "طُرفة"، سجَّل يوم أمس إستدارة سياسية ملفتة في نيويورك بحيث نوَّه وزير الخارجية الأميركي بالدور الإقليمي لإيران

أمين أبوراشد

مع الإطلالة المتوقَّعة الليلة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يتناول فيها موضوع التحالف في مواجهة داعش، نذكر في عُجالة أن هذا التحالف الذي وصفه يوم تأسيسه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني بأنه "طُرفة"، سجَّل يوم أمس إستدارة سياسية ملفتة في نيويورك بحيث نوَّه وزير الخارجية الأميركي بالدور الإقليمي لإيران بعد لقائه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تلاه لقاء بين ظريف وسعود الفيصل وتأكيد على تعزيز العلاقات بين البلدين واعتراف سعودي صريح بحجم إيران على مستوى المنطقة وتحديد موعد للقاء مقبلٍ في الرياض قريباً، كما سجَّل هذا التحالف إستدارة عملانية في القتال على الأرض، بحيث تمَّ إعلام القيادة السورية مسبقاً بالضربات التي نُفِّذت ليلة أمس من البحر ضد قيادة وتجمُّعات داعش في الرقّة.

مع تسارع خلط الأوراق الإقليمية، نبقى في الداخل اللبناني، لنتلمَّس واقعنا على هامش المخاطر الإرهابية المُحدقة بلبنان ولنعترف بأن الشعب اللبناني في الأطراف المحاذية لتواجد الإرهابيين يعيش قلقاً جدِّياً على الوجود والكيان.

وقد كانت مؤمِنة ومؤلِمة صيحة مسيحيي البقاع الشمالي عندما انطلقت منذ أيام تقول: رقبتنا برقبة حزب الله، وتردَّد صدى هذه الصيحة في شرقي صيدا عندما صرّحت فعاليات منها وقالت: إتكالنا على الله وحزبه.
هي صيحات مؤمِنة ومن أية منطقة انطلقت، لأنها ردَّة فعلٍ عفوية نابعة من إنتماء المواطنة اللبنانية الصادقة عندما تستجير بلبنانيين، ومؤلِمة لأن اللبناني ما عاد يحلم بلقمة عيشٍ كريمة ولا بخدماتٍ ولا بمستقبل، بل بأمنٍ وسلام.

ليست الإستجارة تستصرخ سلاحاً وطنياً لبنانياً شريفاً فحسب، بل هي استصراخٌ لاستحضار ثقافة المقاومة، بعدما ثبُت للحليف والخصم في لبنان خلال حربي العامين 2000 و 2006 وما قبلهما وخلالهما وبعدهما أن حياة أي مواطن لبناني كائناً من كان هي أمانة في أعناق المقاومين، وبات إبعاد المدنيين وبشكلٍ خاص الشيوخ والنساء والأطفال عن ساحات الحرب أولى من واجبات الميدان، ليس لأن دماءهم أغلى من سواهم بل لأن هناك رجالٌ على الأرض مؤتمنون عليهم تماماً كما أمانتهم على سيادة الوطن وحمايته وكرامته.

ليس المطلوب أن يكون سلاح المقاومة غُبّ الطلب، وليست المقاومة شرطة أو فوج تدخُّل، بل هي حاضنة وطنية يحمل رجالها ثقافة المسؤولية سواء في الميدان أو في التعاطي مع أي شأن عام، ومن لا خبرة لديه بأدبيات تنشئة المقاومين وكتاب "التربية الوطنية" لديهم، فها هي إطلالات قائد المقاومة وسيِّدها نماذج عن دروس التنشئة التي ترعرع في حماها مقاتلو حزب الله، والتي يأتي تطبيقها على الأرض حرفياً، إنضباطاً ومناقبيةً ومسؤولية وتعاملاً أخلاقياً رفيعاً مع الحلفاء والخصوم على حدٍّ سواء، وثلاث سنوات من تكفير هذه المقاومة على ألسن من لا يستحقُّون الذكر، سواء كانوا يقبعون تحت عمائم مزيَّفة أو زعماء زواريب مذهبية، هي مدَّة اختبارٍ كافية لمن لا فِقه لديه بثقافة المقاومة وقدرة استيعابها من أجل وحدة الكيان.

منذ يومين، صرَّح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، أن المقاومة في لبنان كانت القوَّة الأولى التي واجهت داعش والمنظمات التكفيرية الأخرى، وهذه المواجهة لا علاقة لها بأي صراعٍ مذهبيٍ، بل رفضٌ من المقاومة لكل ما هو تكفيرٌ للآخر أو إرهابٌ على الآخر.

والمقاومة تُدرك، وبالأرقام والنسب المئوية حجم امتدادها الشعبي خارج بيئتها الحاضنة والمباشرة وحجم حلفائها على امتداد الخارطة الجيو- سياسية في لبنان، مما يضعها أمام مسؤولية وطنية تاريخية عظيمة عن شرائح واسعة من الشعب اللبناني مؤمنة بها ليس لأنها قوَّة لبنانية شعبية تمتلك القدرات الدفاعية العالية، بل لأن المقاومة باتت رمزاً لبنانياً بل مثالاً لإحتضان الآخر وطنياً وإنسانياً.

المُلفتِ في الأمر، أن بعض القوى اللبنانية التي أخذت على حزب الله سعيه لإقامة ولاية الفقيه في لبنان، وهاجمت سلاح الحزب أكثر من مرَّة وماطلت في بحث استراتيجية دفاعية واقعية تضمن الحفاظ على الإنتصارات وتحفظ السيادة، هي نفسها اليوم ترى في المقاومة ضمن المعادلة الذهبية مع الجيش والشعب الحُصنَ الوحيد الأوحد لحماية لبنان من زحف التكفيريين وإرهابهم.

لكننا للأسف لا نستسيغ هواة اللعب من تحت الطاولة ولا نستسيغ المُكابرة، ومن غير الجائز أن يبقى بعض السياسيين على مواقفهم المُعلنة من سلاح حزب الله سواء في سوريا أو على حدود القلمون، في الوقت الذي لا تجد قواعدهم الشعبية سوى في الجيش والمقاومة ضمانة بقاء، وإذا كان وجود الإرهابيين في عرسال برأي بعض ضعيفي الرؤية أنه نتاج وجود حزب الله في سوريا، فالوقائع أثبتت أنه لولا وجود حزب الله في سوريا لكانت الدواعش "تتمختر" في كل البقاع، ولَبَلغ الإرهابيون سواحل المتوسِّط من جهة عكار، لا بل ربما بلغوا بيروت لا سمح الله كما هدَّدوا ويهدِّدون.

في الختام، شكراً للمقاومة الحاضنة لوطن، وشكراً لفكر "ولاية الفقيه" الحاضر في ثقافة حزب الله، وشكراً للشمولية في الرؤية الإنسانية التي انطلقت من قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "من لم يكُن أخاً لك في الدين فهو أخٌ لك في الخلق"، ونستذكر رجلِ دينٍ مسيحيٍ لبناني قوله لإحدى الإذاعات خلال زيارة الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد محمود أحمدي نجاد الى لبنان:
"إفرشوا السجَّاد الأحمر لهذا المتواضع القادم من بلاد فارس، لأن الدولة الإيرانية فرشت كنائس طهران بالسجَّاد العجمي تكريماً لمواطنيها المسيحيين"، ونستذكر أيضاً إطلالة كاهنٍ آخر من معلولا يوم أمس حين قال: هذه السنة أعدنا إضاءة الشعلة على تلال معلولا في عيد الصليب، والسنة القادمة سنرفع مجسَّماً يخلِّد ذكرى من استشهدوا في الدفاع عن معلولا مع صور كافة الشهداء ومن كل الأديان، والسلام على من اهتدى الى دروب الحق والقِيَم الإنسانية المشتركة، وعسى من ما زالوا تائهين في عتمة ضلالهم يهتدون ....