عندما تعجز الادارة الاميركية عن فرض شروطها ورؤيتها السياسية لما تراه مناسباً من منظورها لمنطقة الشرق الاوسط وتفشل في تنفيذ خطتها تلجأ الى الخطة البديلة، واعتماد مسار آخر ونسق جديد .
ابراهيم عبدالله
عندما تعجز الادارة الاميركية عن فرض شروطها ورؤيتها السياسية لما تراه مناسباً من منظورها لمنطقة الشرق الاوسط وتفشل في تنفيذ خطتها تلجأ الى الخطة البديلة، واعتماد مسار آخر ونسق جديد.
اذاً انها حرب المسارات والانساق في الشرق الاوسط بين الادارة الاميركية ومحور المقاومة والممانعة،هكذا اعلنها سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير.
بداية كانت الادارة الاميركية حاضرة في منطقتنا من خلال ما يسمى بحاملة طائراتها العملاقة والثابتة والمتمثلة بالكيان الغاصب لارض فلسطين، فالعدو الاسرائيلي بالنسبة للغرب هو عبارة عن كيان مصطنع لتنفيذ وظيفة محددة الا وهي رعاية مصالح الغرب وتأمين استمراريتها (دولة وظيفية) .
هذا الكيان الوظيفي بدأت اولى مراحل الفشل في ادائه الوظيفي مع انسحابه من خلدة جنوب بيروت الى صيدا عام 1982، وتقوقعه داخل مواقعه في الشريط الحدودي المحتل حتى دحره في ايار/مايو عام 2000 .
مع هذا الفشل لجأ الغرب الى الالتفاف عبر مسار جديد من خلال حضوره المباشر في منطقتنا عن طريق اختلاق سيناريو 11 ايلول/سبتمبر، فاحتلت افغانستان ومن بعدها العراق تحت عنوان الارهاب واسلحة الدمار الشامل، فتم التعاطي مع الاحتلال الاميركي لمنطقتنا من خلال ادخاله باستراتيجية الاستنزاف.
لم يصدق العدو الاسرائيلي هذا الواقع المرير الذي وصل اليه ، فعمد الى تجريب حظه مرة جديدة علّه يفلح في تغيير هذا الواقع، فكان عدوان تموز/يوليو 2006 الا ان النتائج كانت اكثر كارثية على العدو الاسرائيلي لتشمل كافة المستويات ببعديها التكتيكي والاستراتيجي.
خاف الغرب من الصورة السوداوية على مصالحه في الشرق الاوسط التي لاحت في الافق كحقيقة حتمية عبر معادلات محور المقاومة، فلجأ الى تغيير الاسلوب والتكتيك ولكن الهدف واحد السيطرة على منطقتنا من اجل تفتيتها وسرقة ثرواتها، فكان "الربيع العربي"، المظاهرات الشعبية المستوردة والمدارة استخباراتياً تحت شعار " الشعب يريد اسقاط النظام"، بمعنى الشعب يريد تعميم الفوضى، انها "الفوضى الخلاقة " المرسومة لمنطقتنا.
هذا السيناريو نجح في بلدان كتونس وليبيا ومصر ، لكنه فشل في سوريا (بيت القصيد)، اضطر الغرب الى تغيير التكتيك ايضاً فلجأ الى عسكرة المظاهرات واعتماد اسلوب العنف بداية من خلال رفع شعار الثوار الى الجيش الحر حتى وصلنا الى جبهة "نصرة اهل الشام" بقيادة الجولاني ورعاية ايمن الظواهري الى "الجبهة الاسلامية" بزعامة زهران علوش والادارة السعودية المباشرة وذلك وفق مسارات ملؤها التخبط والتقهقر نتيجة حزم وصلابة الجيش السوري ودخول اجهزة استخبارات دولية واقليمية على خط الازمة وتصارع هذه الدول فيما بينها على الارض السورية ، كما يحصل اليوم بين قطر وتركيا من جهة والسعودية من جهة مقابلة .
تيقن الغرب ان الفشل في سوريا هو سيد الموقف وانه ان لم يتم تدارك الامر فان احلامه بالسيطرة على منطقتنا ومستقبل دولته المصطنعة على ارض فلسطين في خطر ، وأن الجهد الذي بُذل طوال قرن كامل سيذهب ادراج الرياح وسيتغير وجه المنطقة ومسار الصراع، فكان لا بد من استثمار الارهاب من جديد، فاخُرجت ورقة "داعش" من أقبية الاستخبارات الاميركية ، وتم وضعها على الطاولة كخطة بديلة ومسار جديد ونسق اخر.
الهدف من انشاء "حلف مواجهة داعش "المزعوم
هذه الورقة المسماة داعش وامثالها يلوح بها الاميركي في وجه جميع خصومه وليس فقط محور المقاومة في اشارة الى الروسي والصيني، فالبغدادي هدَّد الروس بحرب في الشيشان والقوقاز، وليس من الصدفة خروج الظواهري للاعلان عن فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية. اوراق اخرى كان يلعبها الاميركي في وجه روسيا من خاصرتها اوكرانيا انتقاماً للمواقف الروسية المتضامنة مع سوريا في مجلس الامن ، حيث اعلنت الولايات المتحدة الاميركية وحلف الناتو حربا بلا هوادة على موسكو ، لمحاصرتها في عقر دارها ، وتحجيم دورها من خلال ضرب سورية، منفذها الرئيس والوحيد إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
والغاية من هذه المغامرة الخطيرة، نفس الهدف السيطرة على مصادر الطاقة وممراتها البحرية والبرية لخنق الصين إقتصاديا وحرمان روسيا وإيران - اللتين تتمتعان بأكبر مخزون عالمي من الغاز الطبيعي من استخدام هذه الورقة الإستراتيجية من خلال منظمتي شانغهاي و البريكس .
وهذا ما اجبر الادارة الاميركية ومعها حلف الناتو على تغيير النسق والحضور مباشرة الى المنطقة تحت عنوان "ضرب داعش" للتحرك سريعاً في وجه محور المقاومة ومعه روسيا قبل أن "يصبح لموسكو مخالب وأنياب تفرض بها رؤيتها الجديدة لإدارة شؤون العالم".
وهذا ان دل على شيء انما يدل على انتهاء دور "اسرائيل " الوظيفي والذي على اساسه اتخذ القرار من سلطات الانتداب آنذاك بانشائها، بسبب تغير الوضع على يد المقاومة في لبنان وفلسطين التي أجهضت مشاريع أمريكا في المنطقة وحولت العدو الصهيوني إلى عبء ثقيل على الغرب في إنتظار المفاجأة الكبرى التي يمكن ان تغيّر مسار الحرب ومصير المنطقة برمتها التي وعد به الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
وبنهاية دور "إسرائيل العسكري وفشلها في تحقيق ولو هدف يتيم واحد في عدوانها الأخير على غزة، كان لزاما أن تقرر واشنطن العودة إلى المنطقة لإعادة تشكيلها بعد شرذمتها وفق رؤيتها القديمة الجديدة للشرق الأوسط الكبير".
فاعلان الغرب وعلى رأسه الادارة الاميركية نيته "محاربة داعش" يضع المنطقة برمتها امام منعطف خطير جداً وهي الواقعة اصلا على برميل بارود كما أشار رئيس مجلس الشورى الاسلامي في ايران علي لاريجاني محذرا الولايات المتحدة الاميركية ، ومتهما إياها بـ "أنها تلعب بالنار التي ستحرق أصابعها في حال تمت مهاجمة سوريا تحت عنوان محاربة داعش".
إستراتيجيـــة محور المقاومـــة
كما عودنا محور المقاومة انطلاقاً من واجبه الديني والاخلاقي والوطني في دفاعه عن شعوب منطقتنا في سبيل نيل عزتها وكرامتها ومن خلال المعطيات المتوفرة والتحليل لجأ الى وضع استراتيجية مضادة لمواجهة مؤامرات اميركا واحباط هذا النسق الجديد، وهذه الاستراتيجية تتفرع الى شقين :
1- تحييد الاداة المستعملة وعزلها تمهيداً لتعطيلها
منذ اندلاع الازمة في سوريا وحلف العدوان يستعمل الاوراق تلو الاوراق فما كان من محور المقاومة الا ان تعاطى مع كل ورقة وفق منظور خاص نسبة للزمان والمكان والبيئة والظرف في اطار نظرية تحييد الاداة المستعملة وعزلها عن بيئتها وعن أقرانها من الجماعات المسلحة تمهيداً لتعطيلها عن وظيفتها المرسومة لها من قبل مشغليها.
هذه النظرية استعملت بداية مع مليشيات الجيش الحر فعندما عجزت عن اداء دورها المنوط بها من احتلال دمشق واسقاط الدولة لجأ المشغلون الى تحضير فصيل اخر للقيام بالمهمة ، فاستفاد المحور الاخر من الخلافات العقائدية بين المجاميع المسلحة التي سرعان ما تحولت الى صراع عسكري ، فانعزلت نتيجة تلك الصراعات عن بعضها البعض ، وتعطلت وظيفتها الاصلية والتي على اساسها تم انشاؤها وتدريبها ومدها بالمال والسلاح.
2- تعطيل ميكانيزمات خطة العدو من الداخل منعاً لتحقيق الاهداف
في مثل هذه الايام من العام الماضي نجحت القيادة السورية بالتنسيق مع اركان محور المقاومة وروسيا في سحب ذرائع الادارة الاميركية من ضرب سوريا من خلال استخدام ورقة الكيميائي، دهش صناع القرار في الادارة الاميركية بهذه الخطوة الذكية وغير المحسوبة من قبل الدولة السورية ما ادى الى فشل ادارة اوباما في تحقيق هدف ضرب سوريا والاطاحة بنظامها.
واليوم القيادة السورية ليست بحاجة الى اذن او مباركة اي حلف مزعوم للقيام بواجبها في حماية شعبها وارضها وسيادتها من رجس الارهاب المستورد، فلذلك لجأت الى استباق الحلف المزمع انشاؤه تحت عنوان "ضرب داعش" ووجهت ضربات قوية لهذا التنظيم في دير الزور والرقة وغيرها من المناطق ، وكان اخرها نسف جسر السياسة المتنفس الوحيد لداعش لنقل مقاتليها وعتادها من دير الزور الى الارياف ، في نفس الوقت حذرت دمشق الادارة الاميركية من مهاجمة داعش في سوريا بدون تنسيق معها . وبالتالي عندما تضرب قواعد وقادة داعش في سوريا ، تكون القيادة السورية ومعها محور المقاومة وروسيا قد سحبت الذريعة من يد الامريكي في توجيه ضربات لسوريا تحت عنوان محاربة داعش.
اما في العراق فالجمهورية الاسلامية الايرانية رفضت المشاركة في حلف اميركا لعدم جديته، وكي لا تتهم ايران او محور المقاومة بعرقلة جهود المجتمع الدولي في القضاء على داعش وتحميلهم المسؤولية، فضلت القيادة الايرانية من خلال حنكتها السياسية التعاون مباشرة مع العراقيين على الأرض، أكراد وجيش ومقاومة شعبية لدحر "داعش"، كما تتعاون مع الدولة السورية لنفس الهدف، لأنها لا تثق بنوايا أمريكا وخططها الجهنمية الغامضة، كما اشار الامام السيد علي الخامنئي في تصريحه الاخير بان "هدف الادارة الاميركية من محاربة داعش هو التواجد العسكري بالمنطقة".
تفادي الفخ بالالتفاف على الاداة والاستعداد للمواجهة مع الرأس
إستراتيجية محور المقاومة لمواجهة إستراتيجية أوباما تتمحور حول تفادي الفخ المنصوب لهم اميركياً وغربياً بالاشتباك مع داعش (الاداة) والاستعداد لاي مواجهة شاملة تحضرها الولايات المتحدة الاميركية ، فبما أن "الحرب ستنطلق من العراق لتتمدد إلى سورية ثم الى لبنان"، كما يراها المراقبون فالرد يجب أن "يبدأ من العراق مع التحضير للمسرح في سورية ولبنان".
رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أعلن صراحة رفضه التدخل الأجنبي بريا في العراق لمحاربة "داعش" . وفي الإطار نفسه، جاء موقف السيد مقتدى الصدر، الذي هدَّد بسحب كل قواته من المعارك الدائرة ضد التنظيم التكفيري، لتخوض معركة مقاومة التواجد الأمريكي في العراق. المواقف العراقية ترجمت ما ذكّر به الامام السيد علي الخامنئي الإدارة الأميركية بما واجهته قبل عشر سنوات حينما غرقت في مستنقع العراق، ورأى الإمام الخامنئي أن أميركا ستجر أذيال الهزيمة والخيبة، في تكرار للنتيجة نفسها التي حصدتها آنذاك.
أما سورياً، فقد بعثت القيادة السورية برسالة واضحة إلى أمريكا من خلال السيدة "بثينة شعبان" التي قالت صراحة أن أي إنتهاك للمجال الجوي السوري سيعتبر إعتداء على السيادة السورية، وسيتعامل معه بما يتطلب من رد. وهو ما يعني أنَّ سورية ستسقط أي طائرة تخترق مجالها الجوي دون إذن، دفاعا عن أرضها. وبالتالي السيدة شعبان تكون قد كشفت وجها من إجراءات الرد المقررة، في إطار إستراتيجية شاملة لمواجهة أمريكا وحلفها الفاشل.
اما على صعيد روسيا، فقد بعثت برسالة تقول انها أصبحت تملك القدرة على التدخل العسكري الخاطف في أي مكان في العالم،من خلال مناورتها الاخيرة على الحدود الاوكرانية، في تحدي علني للاطلسي في وجه حرب الوكالة، حيث اعلن الجيش الروسي عن جهوزيته بعد تهديدات الناتو الاخيرة، ما دفع بوزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو الى الاعلان انه "اعطى القوات المسلحة الروسية الامر بالتأهب لأي حرب شاملة"، وللتأكيد على جدية الروس ليس صدفة ان تقوم المدمرات الروسية من طراز UT-95 باجراء مناورات اعتراض للقنابل النووية تزامناً مع اجتماع قمة الناتو في بلدة نيوبورت ويلز ببريطانيا، بالاضافة الى قيام المقاتلات الروسية من طراز SU-24 بالتحليق على ارتفاع منخفض فوق سفينة تورنتو البحرية الكندية وسفينة USS DONLAND COOK الاميركية اللتان كانتا تجريان مناورات عسكرية في البحر الاسود بقيادة اميركا، حيث نجحت المقاتلات الروسية باقفال نظام الصواريخ في السفينتين، وبعد هذه الحادئة قدَّم 27 ضابط وصف ضابط اميركي من طاقم السفينة استقالتهم.
أما حزب الله، وبحسب المراقبين، فان كل المؤشرات تقول أنه، إذا كانت المقاومة في العراق ستواجه أمريكا على الأرض، فإن حزب الله "سيفجر المقاومة في الجولان ولبنان، ليحول الجحيم إلى العدو الإسرائليي، في اطار سياسة خلط الاوراق كلها".
وفي نهاية المطاف وبحسب ما يرى المراقبون فان المنطقة قادمة على مشهدين لا ثالث لهما "اما تسوية مرضية بشروط محور المقاومة وحلفائه الدوليين أو حرب إقليمية ، ولن تكون السعودية في مأمن منها، لأنه من المحتمل جدا أن تنفجر الأوضاع في اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية، وسيكون أمام داعش ألف سبب وسبب لعدم مواجهة محور المقاومة، وإغتنام الفرصة لغزو الأردن والسعودية "، وبحسب المصادر ونتيجة للضربات الجوية التي سيتكبدها التنظيم في العراق ، والجحيم القادم من جيش الشام فلا مناص للتنظيم سوى سلوك الخيار الثالث تخفيفاً للخسائر، الانتقام من الاردن والكويت وتركيا ودول الخليج عن طريق اشاعة الفوضى والعنف، واكتواء تلك الدول الداعمة للمنظمات الارهابية بنارها كما قال الامام الخامنئي خلال لقائه بامير الكويت اثناء زيارته لطهران.
الم يتعلم العرب بعد من تجارب الماضي، تجربة الافغان العرب والتفجيرات داخل السعودية في الخبر والدمام وغيرها؟، الم يتعلم المجتمع الدولي من تجربة اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وتفجير السفارات في العالم وصولاً الى 11 ايلول / سبتمبر؟ وهل نحن على موعد جديد مع الارهاب بنسخة داعشية جديدة؟ الايام القادمة سوف تكشف، لنر ونترقب...