قراءة أولية لبنود الاتفاق السياسي والخارطة المزمنة لتنفيذ مخرجات الحوار.
عبدالله علي صبري- اليمن
أفضى الاتفاق السياسي الذي وقعته مختلف القوى والأحزاب اليمنية الأحد الماضي إلى تلبية المطالب الشعبية التي رفعها الثوار في مختلف الساحات على مدى خمسين يوما، مع إنجاز خارطة طريق زمنية في إطار اصلاح المسار السياسي الذي اعتوره الانحراف وحبرُ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لم يجف بعد.
ينص الاتفاق على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية بدءا بتخفيض اسعار المشتقات النفطية التي كانت السبب المباشر في اندلاع الثورة الشعبية، (غدا السعر الجديد 3000 ريال لكل 20 ليترا) وتشكيل لجنة اقتصادية تضم خبراء ومؤهلين اقتصاديين وسياسيين من مختلف الأطراف، وتكون توصياتها ملزمة للحكومة. وزود الاتفاق اللجنة بخطوط عمل عريضة ترتكز على معالجات تحد من الفساد و تساعد الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
وبهذا تكون الجرعة السعرية قد سقطت فعليا، حيث تكفل الاتفاق بالتخفيض الفوري بنسبة كبيرة من الزيادة السعرية، وينتظر من اللجنة الاقتصادية أن تقدم معالجات إضافية في غضون شهرين.
الاتفاق ينص أيضاً على تشكيل حكومة كفاءات تضمن مشاركة واسعة للمكونات السياسية يجري تسمية رئيسها في غضون ثلاثة أيام بتوافق الأطراف السياسية، وتشكل خلال شهر، فيما تمارس الحكومة القائمة مهام تصريف الأعمال، وفي هذا البند تلبية مباشرة للمطلب الثاني للثورة الشعبية.
وجاءت بقية بنود الاتفاق وملحقاته في إطار المطلب الثوري الثالث المتعلق بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التي نصت على الشراكة الوطنية في إدارة المرحلة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات، وعلى معالجات محددة للقضية الجنوبية، وقضية صعدة، وبناء الدولة المدنية، وغيرها.
في هذا الإطار نص البند السادس على أن يمارس رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية لضمان تمثيل عادل لجميع المكونات في الهيئات التنفيذية وعلى المستويين (المركزي وفي المحافظات)، إضافة إلى الشراكة في هيئات الإشراف والرقابة ( الهيئة الوطنية ومجلس الشورى).
وتكمن أهمية هذه الشراكة في أنها تحول دون استئثار طرف سياسي بالدولة ومقدراتها وتسمح بالتوازن في إدارة المرحلة الانتقالية وتهيئة البلاد إلى الولوج في المربع الآمن بدءاً بإنجاز سجل انتخابي جديد، والتوافق على الدستور، ثم الاستفتاء الشعبي عليه و إجراء الانتخابات العامة وفقا للعقد الاجتماعي الجديد.
الجدير ذكره أن خارطة الطريق المعلنة كانت أفكارها الأساسية قد نوقشت على طاولة مؤتمر الحوار الوطني، وكانت غالبية القوى والمكونات السياسية قد توصلت إلى رؤية لإدارة المرحلة التأسيسية، إلا أن تحالف قوى حرب 1994 أجهض التوافق وفرض صيغة هشة لضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، واتجه إلى إدارة البلد تحت شريعة الأمر الواقع، فجاء هذا الاتفاق في ظل الثورة الشعبية وسقوط بقية أركان النظام السابق، ليمنح القوى السياسية فرصة مضافة لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية والخروج باليمن إلى بر الأمان.
الهيئة الاستشارية
ركزت وسائل إعلام عديدة على البند الثاني من الاتفاق الذي ينص في فقرته الأولى على تعيين مستشارين سياسيين من أنصار الله والحراك الجنوبي السلمي، وذلك خلال ثلاثة ايام من توقيع الاتفاق، دون الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية تضمنها الاتفاق تتعلق بتحديد مهام المستشارين السياسيين للرئيس والصلاحيات المناطة بهم، وهذا يعني تحويل مهام المستشارين إلى شكل مؤسسي لا يخضع لرغبات الرئيس ومزاجه الخاص.
علما أن الهيئة الاستشارية بشكلها المرتقب ستضم المستشارين السياسيين لرئيس الجمهورية والذين ينتمون إلى الأحزاب الرئيسة: المؤتمر الشعبي العام، التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي، والتنظيم الوحدوي الناصري. وستأتي إضافة ُممثلين لأنصار الله والحراك الجنوبي خطوة في اتجاه تثبيت ركائز الشراكة الوطنية، ومشاركة مختلف الأطراف السياسية في صناعة وعملية اتخاذ القرار السياسي، وفي إطار مؤسسي.
الأقاليم والهيئة الوطنية
قبل الاتفاق تحدثت التسريبات عن إمكانية العدول أو إعادة النظر في الأقاليم المعلنة، غير أن الاتفاق لم يتضمن الإشارة إلى هذا المطلب، رغم أن أنصار الله متحفظون بشكل مطلق على الأقاليم المعلن عنها. ويبدو لي أن معالجة هذه الإشكالية ما زالت متاحة في إطار تنفيذ الاتفاق الذي تضمن في بنده التاسع مراجعة عضوية الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات مؤتمر الحوار واللائحة المنظمة لمهامها. وكان قرار تشكيل الهيئة ولائحة عملها قد صدر بالمخالفة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التي نصت بوضوح على تشكيل الهيئة الوطنية بشكل متوازن من مختلف المكونات والفعاليات المشاركة بمؤتمر الحوار الوطني، ومنحت الهيئة حق الإشراف على تنفيذ مخرجات الحوار، واعتماد مسودة الدستور قبل الاستفتاء عليه شعبياً.
وحيث أن قرارات لجنة الأقاليم قد أحيلت إلى لجنة صياغة الدستور لاعتمادها كما ورد، فإن الهيئة الوطنية تمتلك حق مراجعة المواد الدستورية وإعادة صياغتها في ضوء توافق مختلف مكونات الهيئة. وهذا يعني أن إعادة النظر في التقسيم المعلن للأقاليم غدا أمراً لا مناص منه، ما يفتح الباب مجددا لمناقشة طروحات الحراك والجنوبي وأنصار الله في هذا الصدد.
وتأكيدا على هذا الدور، نص البند العاشر من الاتفاق على أن تعمل الهيئة الوطنية، عبر الإشراف على لجنة صياغة الدستور ضمن قضايا أخرى، على معالجة قضية شكل الدولة بطريقة تلتزم مخرجات الحوار الوطني الشامل.
المبادرة الخليجية ودور أنصار الله
على أن الأهم أن اتفاق (السلم والشراكة الوطنية) قد تجاوز المبادرة الخليجية التي بالغت بعض الأطراف في التمسك بمرجعيتها، وغدت مخرجات الحوار هي المرجعية الأساسية للاتفاق الذي جرت صياغته بأفكار يمنية/ يمنية، وبمساعدة أممية بعيدا عن تدخلات سفراء الدول العشر.
وبهذا يكون أنصار الله قد فرضوا حلاً وطنياً للمشكلة اليمنية بالاتكاء على ثورة شعبية فرضت الاستجابة لمطالبها الرئيسة الثلاثة، وأعلنت عن ميلاد معادلة جديدة للتوازن السياسي على المستوى المحلي وعلى مستوى المنطقة بشكل عام.
قبل عشر سنوات كانت جماعة الحوثي أقلية محاصرة في إحدى مديريات محافظة صعدة، وتعرضت على مدى ثماني سنوات لستة حروب شرسة في محافظتي صعدة وعمران، ولم تتوقف هذه الحروب النظامية حتى قيام الثورة الشعبية في فبراير 2011، التي التحم الحوثيون وأنصارهم بساحاتها في صعدة وصنعاء وعدة محافظات أخرى.
رفض الحوثيون اتفاق التسوية السياسية والمبادرة الخليجية واستمروا في ساحات الثورة، ثم تفاعلوا بواقعية مع المستجدات السياسية، وانخرطوا في مؤتمر الحوار الوطني، وطرحوا رؤى وأفكارا سياسية متقدمة، واستفادوا من خلال الثورة والحوار من التوسع التنظيمي ونشر أفكارهم في معظم محافظات البلاد، ما شكل تحديا لقوى النفوذ التي تقاسمت وتحاصصت السلطة، ثم اتجهت إلى محاولة إعاقة توسع أنصار الله بشن حرب جديدة في دماج وكتاف وحاشد، غير أنها من حيث تدري ولا تدري كانت قد رسمت ملامح حراك شعبي لم يكن ينتظر سوى ساعة الصفر، فكانت الجرعة وكانت الثورة الثانية.
صعد أنصار الله إلى السلـَّم خطوة خطوة، وليس أصعب من الصعود سوى الحفاظ على البقاء في القمة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه