دخل المشهد الإقليمي في مرحلة تتميز في التعقيد، الضبابية وتعدد الأطراف اللاعبة في الصراعات. ضمن هذا السياق تطورت الازمات الاقليمية بشكل خطير؛ ضرب أمريكي ضد أهداف "داعش" في سوريا، سيطرة الحوثيين على صنعاء في اليمن وتنامي مو
حمزة جمول
دخل المشهد الإقليمي في مرحلة تتميز في التعقيد، الضبابية وتعدد الأطراف اللاعبة في الصراعات. ضمن هذا السياق تطورت الازمات الاقليمية بشكل خطير؛ ضرب أمريكي ضد أهداف "داعش" في سوريا، سيطرة الحوثيين على صنعاء في اليمن وتنامي موجات العنف في ليبيا.
يطرح هذا الامر عدة تساؤلات حول الأساليب الواجب اتباعها لإدارة هذه الازمات خصوصاً انها مترابطة فيما بينها وان الاستراتيجية المتبعة في مكان ما سيكون لها نتائج سلبية و إيجابية في مكان آخر،(سوريا ولبنان نموذجاً).
يحتل الملف السوري المرتبة الأولى في سلّم التعقيدات. صرحت الولايات المتحدة الامريكية موخراً عن استراتيجيتها لمواجهة داعش في سوريا من خلال توجيه ضربات عسكرية من دون التنسيق مع الحكومة السورية . أعلنت الحكومة السورية من جهتها، أن اي ضربة عسكرية امريكية لداعش في سوريا خارج إطار التنسيق مع دمشق سيعتبر اختراقاً للسيادة السورية ويتم التعامل معه عسكرياً.
ضمن هذا الاطار، وجهت واشنطن ضربة عسكرية ضد "داعش" في سوريا ولم تتحرك دمشق. فماذا جرى ؟
إن انعدام قدرة الولايات المتحدة الامريكية على فتح وإدارة جبهة عسكرية مباشرة مع سوريا ومع المحور الداعم لها، اصبح من المسلمات. في المقابل هناك ايضاً انعدام لاي قدرة سورية في فتح جبهة مباشرة مع امريكا. تفادياً لأي مواجهة عسكرية لا تريدها واشنطن، سعت الادارة الامريكية الى البحث عن استراتيجية بديلة في سوريا تمنع اندلاع مواجهة مع دمشق وتحافظ في الوقت عينه على الهيبة الامريكية، خصوصا بعد تجربة آب ٢٠١٣ في سوريا وبعد تكريس النظرية القائلة بتراجع وإنكفاء القوة الامريكية.
تبلورت الإستراتجية البديلة بعد الأخذ بعين الاعتبار ما تم العمل به بين واشنطن وإيران في العراق عام ٢٠٠٣. تتمثل هذه الاستراتيجية بعدم التنسيق الميداني المباشر بل ممارسة جميع الأطراف ما يعرف بسياسة "غض النظر" و"التبليغ المسبق".
بالفعل هذا ما جرى في سوريا، اذ قامت واشنطن بتبليغ كل من روسيا، إيران وسوريا بتوقيت وإحداثيات الضربة العسكرية. في الكواليس كانت تعمم الرسالة التالية : اذا تبين ان الهدف من الضربات العسكرية الامريكية ضد داعش، هو السعي لإسقاط الحكومة السورية سيعمل الحلف السوري، الإيراني والروسي إلى تفعيل خطط الحرب.
لا يقل الملف اليمني اهمية عن الملف السوري، خصوصا انه قد طرأت عليه تطورات ميدانية تتمثل في سيطرة حركة "أنصار الله" على العاصمة صنعاء والتوقيع على اتفاق التفاهم الذي يمهّد العبور الى منطق الشراكة والسلام في اليمن.
يرتبط الملف اليمني مباشرة في التنافس الاقليمي القائم بين المملكة العربية السعو دية والجمهورية الاسلامية في ايران ويرتبط عملياً بالمحاولات المستقبلية لتسوية الازمة السورية والملف النووي الايراني. إذا، يعزَز تقدم حركة "أنصار الله"موقف إيران التفاوضي في كافة الملفات الاقليمية.
ضمن هذا الاطار، تعمل الولايات المتحدة على إقناع طهران بخطة العمل المتمثلة في إتباع ما يعرف "بالضبابية البنّاءة" و"تجزئة الملفات".
يؤدي هذا الامر حسب وجهة النظر الامريكية الى قطع الطريق على اي محاولة لتعزيز الموقف التفاوضي الايراني في المنطقة، تشتيت مكامن القوة الايرانية والتخفيف من وتيرة التفاهمات الاقليمية خصوصاً بعد التقارب السعودي الايراني.
ان اي محاولة امريكية لتجزئة الحلول لملفات المنطقة لن تلاقي قبولاً إيرانياً. بالرغم من تناقض هذا الطرح ما ما كررته ايران لجهة عدم ارتباط الملف النووي الايراني بغيره من الملفات الا ان طهران تحاول حشد قواها ومكامن تأثيرها الاقليمي ومن أهمها ترابط الملفات مع بعضها البعض وعلاقتها مع حركات المقاومة في لبنان، فلسطين، اليمن، الحكومة العراقية والسورية.
في المحصلة، ان تنامي نسبة التعقيد والضبابية في المنطقة ليس دليل عافية، بل انه يعكس مؤشرات خطيرة بالتصعيد واستمرار الاستنزاف خصوصاً بسبب عدم وجود منتصر نهائي في هذه الصراعات. لا تضعف هذه الضبابية المحور السوري، الروسي الإيراني الذي يستمر وبالرغم من انهاكه واستنزافه، من تسجيل نقاط مهمة في شباك المشروع المواجه. لا تقضي كل هذه الضبابية على روح التسويات التي تلوح في الأفق.
تفيد قواعد اللعبة باستمرار التنافس الاقليمي في ظل المواجهة الدولية القائمة ولكن مع إضافة لاعب إقليمي جديد – قديم هذه المرة، "شقيق" حزب الله اللبناني، حركة أنصار الله في اليمن.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه