قد يسأل سائل ماذا يعني إجراء الانتخابات التشريعية في بلد من البلدان؟ وما الذي قد يجنى من إجرائها؟ وما الذي يمكن خسرانه بحال عدم القيام بهذا الاستحقاق القانوني الدستوري؟
قد يسأل سائل ماذا يعني إجراء الانتخابات التشريعية في بلد من البلدان؟ وما الذي قد يجنى من إجرائها؟ وما الذي يمكن خسرانه بحال عدم القيام بهذا الاستحقاق القانوني الدستوري الذي يمثل حقًا لاي مواطن في الدول الديمقراطية؟
الاجوبة البديهية في هذا المجال هي أنّ الانتخابات تشكل فرصة لتداول السلطة وتساهم بضخ دم جديد في من يمثل الناس في الندوة البرلمانية، كما تشكل فرصة حقيقية لدى الشعوب الواعية المتحضرة لمحاسبة من مثّلهم في الفترة الانتخابية السابقة، ووسيلة بيد الشعب لصياغة قراراته المقبلة بحسب رغبته من خلال اختيار صانعي هذه القرارات والقوانين اي النواب، وغيرها يوجد الكثير من الخصائص التي تتميز بها الانتخابات كنظام قانوني لا يتسع المجال لتفصيلها الآن.
لكن في لبنان هذا البلد الذي يعتبر "استثناء" دائماً بالنسبة لكل شيء، هذا البلد "الكاسر" لكل القواعد في كل شيء -وان كان في الاغلب الاعم بالاتجاه السلبي- ماذا يمكن أن نجد فيه من خصائص للانتخابات، فأي تداول للسلطة يجري في لبنان؟ لا سيما ان "الزعيم الطائفي المبجل" يجلس عشرات السنوات في منصبه وحين يقرر الانسحاب طوعا او رغما عنه بمشيئة الله -بعد انتقال روحه الى الرفيق الاعلى- يتسلم ابنه ان كان له ولد او اخوه او ربما ابن اخيه إن انتفى من هو اولى منه درجة في ميراث الراحل.
ما هي نتائج إجراء الانتخابات في لبنان؟
وأي دم جديد يضخ في لبنان ولا يزال لدينا نواب ووزراء ورؤساء هرموا على كراسيهم ولم يهرم طموحهم الى تحصيل المزيد والمزيد من خيرات لبنان -والحق يقال ان لبنان بلد الخير- حيث فيه موارد طبيعية كثيرة منها ما يستفيد منه زعماء الطوائف ومنها ما ينتظر استخراجه كي توزع الحصص بين اصحاب المناصب وبالتأكيد الشعب آخر من يستفيد.
وعن أي محاسبة نتحدث في لبنان حيث المسؤول يقونن المخالفات ويُلبس أفعاله لباس الشرعية والقانون حتى يبقى "مغطى" قانونا كي لا ينكشف في ليلة ليلاء فيما لو اختلف مع زعيمه الذي طوّب له المنصب باسمه، فهل أحد في لبنان سمع ان الشعب أطاح بحكومة او بوزير او حتى لم يكرر انتخاب نائب في مجلس النواب لان أداءه لم يكن على المستوى المطلوب شعبيا او لم يقتنع الشعب به؟! هل أحد علم ان في لبنان نائباً اختير على اساس برنامجه السياسي ومشاريعه المحتملة او عن مصداقية أوحى بها للناس وسيعمل للمحافظة عليها طوال فترة ولاية المجلس الجديد؟
أما اذا انتقلنا الى الطرح الآخر، أي الى طرح عدم إجراء الانتخابات النيابية في لبنان (بالتأكيد ليس دائما بل بالحد الادنى خلال هذه الدورة او في المدى المنظور) فيمكننا على الرغم من كل المساوئ التي تطرح في الاعلام ومن قبل اهل السياسة، الحديث ان عدم إجراء الانتخابات قد يساهم في:
- عدم زيادة التشنج في البلد المفرز اصلا بشكل حاد سياسيا، كما يمنع من زيادة التشنج الطائفي والمذهبي الذي يساهم به المرشحون انفسهم تحقيقا لاحلامهم بالوصول الى مقاعد المجلس.
- بتوفير الاموال اللازمة على الدولة التي أرهقها الانفاق على النواب الذي لا يقومون بدورهم اصلا، فمن رواتب ومخصصات وسيارات وهواتف وعناصر امنية للحماية وغيرها الكثير، يمكن رأفة بالناس توفير ما سينفق على الانتخابات علّه ينفق بشكل آخر قد يخدم الناس في مكان ما كالهرباء او الماء او المحروقات...
-توفير بعض المشاكل الامنية التي قد تنتجها الانتخابات نتيجة كثرة التداول عن المخاوف الامنية في لبنان.
-توفير بعض الاكاذيب والاحتيال على الناس وإيهامهم بأنهم ينتخبون مع العلم انهم لا يعبرون إلا عن رغبات زعماء الطوائف التي ينتمون اليها، فهذا المواطن اللبناني يذهب الى صندوق الانتخاب ليوالي زعيمه الطائفي ويجدد له صك تملكه لرقبته وللوطن.
كيف ينظر الناس لاجراء الانتخابات او عدمه؟
والغريب في لبنان ان المواطن دائما يشكو من سوء الحال وانهيار المؤسسات وغياب الدولة وانحطاط الغالبية العظمى من الطبقة السياسية ومع ذلك في لحظة واحدة يعود لينسى كل معاناته ومصدر هذه المعاناة ليعود فيمجد زعماءه، وبجولة صغيرة على آراء بعض الناس يمكننا الخروج بالانطباعات التالية، كإجابة على سؤالنا: ماذا لو لم تجر الانتخابات النيابية؟ هل هناك فرق بين اجرائها من عدمه؟
وعن ذلك تعتبر مهى (وهي شابة في الرابعة والعشرين من العمر اي انها ستمارس حقها الانتخابي لاول مرة)، انه "يجب اجراء الانتخابات النيابية بينما على الشعب وضع ورقة بيضاء في الصناديق ليعلم النواب ان لا احد يريدهم في البلد لانهم لا يفيدون بشيء على الاطلاق".
من جهته، يقول نبيل (وهو يحضر رسالة الماجستير في الاعلام) إنه "يجب اجراء الانتخابات رغم انها لن تقدم ولن تؤخر وسوف نرى نفس الوجوه الا ان الانسان يبقى في اطار ممارسة حقه الانتخابي وان كان يعرف انهم يكذبون عليه سلفا، لكن حصول الانتخابات نعتقد انها اقل استغباء للناس من عدم حصولها في هذا البلد".
اما محمد (وهو طبيب) فقد رفض اجراء الانتخابات لانها بحسب اعتقاده "تعيد الهيبة لمن لا يخدمون الا انفسهم وتلمّع لهم صورهم ليس أكثر"، مفضلا "عدم اجرائها طالما هي ستنتج نفس الطبقة ونفس الاشخاص ونفس الوجوه وبالتأكيد نفس الاداء".
واكيم: لقانون انتخابي جديد وانتاج طبقة سياسية جديدة
من جهته، أكد رئيس "حركة الشعب" في لبنان نجاح واكيم ان "لا انتخابات نيابية في لبنان والبلد سيكون بين خيارين إما التمديد الذي هو بمثابة الفراغ وإما الفراغ نفسه"، ولفت الى ان "هذا الامر اساسه الاوضاع السياسية في البلد انطلاقا من التأثيرات الخارجية التي مصدرها اميركا والسعودية ومن يدور في فلكهما"، ورأى ان "هذا الفريق دائما يقف وراء التوتير في البلد".
ولفت واكيم الى انه "في ظل ما يجري في المنطقة بالتزامن مع يقال عن تحالف دولي لمحاربة الارهاب سيعمل الفريق الاميركي السعودي في لبنان الى اخذ البلد نحو التوتير أكثر فأكثر"، واعتبر ان "من مستلزمات ذلك الفراغ في المؤسسات الدستورية ولذلك يتم تعطيل اتفاق الطائف رغم كل ملاحطتنا عليه وفي نفس السياق يندرج تعطيل مجلس النواب وشلل الحكومة وعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وكل هذا يؤدي الى الاستنتاج بأن لا دولة في لبنان".
وحول سؤالنا عن الفارق بين اجراء الانتخابات من عدمها، لفت واكيم الى انه "في ظل الوضع الحالي القائم في البلد لا فارق بين الامرين"، واشار الى انه "لا يمكن ان تحصل الانتخابات وفق قانون الستين الذي أجريت على اساسه الانتخابات الاخيرة"، ورأى انه "لا يوجد اليوم اي قانون طائفي للانتخاب يمكن ان تجري على اساسه الانتخابات لانه لا يوجد اي قانون طائفي يمكن ان يراعي مصالح الافرقاء المختلفين في البلد".
واكد واكيم ان "انقاذ البلد يبدأ بإعادة تأسيس الدولة في لبنان عبر قانون انتخاب خارج القيد الطائفي"، ولفت الى ان "هذا الامر غير ممكن في ظل اطراف سياسية طائفية بامتياز تعمل على وضع قوانين انتخابية على قياسها"، ودعا الى "التوجه الى مرحلة انتقالية تشرف عليها هيئة مستقلة تتمثل مثلا بالجيش او القضاء او اي طرف مستقل وتكون مرحلة مؤقتة يوضع خلالها اعلان دستوري وقانون انتخاب خارج القيد الطائفي ونذهب بعدها الى انتخابات لاعادة تأسيس مؤسسات الدولة اللبنانية وانتاج طبقة سياسية جديدة"، وشدد على ان "الطبقة السياسية الحالية هي التي تصفي البلد وتسير به نحو الانهيار لذلك لا بدَّ وبشكل عاجل من انقاذ البلد من هذه الطبقة السياسية التي تحكمه".
لكن يبقى ان الانتخابات يجب ان تبقى ليس مجرد اجراء شكلي او فولكلوري يتلهّى به المواطن، والاصل يبقى ان الديمقراطية تحتاج للاستمرارية، فهي لا تتوقف في زمن وتمارس في آخر، فالحفاظ على الاصول الدستورية سيجعلنا نصل بالتأكيد الى وقت يقتنع فيه الانسان ان الحقوق لا تأخذ من الطوائف او الزعماء او انطلاقا من المحسوبيات الطائفية او الفئوية، بل من المؤسسات التي تعمل فعلا -لا قولا فقط- تحت سقف القانون بوضوح وشفافية كاملة.