كما يحتوي التقرير على إشارة ضمنية بضرورة نشر فيديوهات «داعش» ومثيلاتها وعدم حجبها بحجة أنّ ذلك الحجب لن ينفع، الأمر الذي يبرر سلوك «سي أن أن»، و«فوكس»، و«آي بس سي» وغيرها من الشبكات الأميركية
نشرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية يوم الأحد الماضي تقريراً مطولاً انتقدت فيه بشدة أداء الإعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي والخاص في التعامل مع «داعش». يبدأ التقرير بالخطف خلفاً نحو ذلك الزمن الذي نشرت فيه «الجزيرة» فيديوهات وخطباً لأسامة بن لادن، واصفاً هذا النوع من الفيديوهات بالـ«محبب» للقناة القطريّة.
ينتقل التقرير بعد ذلك لوصف علاقة الحكومات العربية بوسائل الإعلام عموماً، فيصف تلك العلاقة بالشائكة، وتحديداً العلاقة مع وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه الحكومات «لطالما اعتبرت وسائل التواصل الاجتماعي استفزازاً وتهديداً لها، وفشلت في تسخيرها لمصلحتها»، وفقاً للتقرير.
يتابع التقرير منتقداً الفضائيات العربية التي تحجب خطب الجهاديين ودعايتهم مقابل «خطاب رسمي بائس وهزيل»، تلقيه على الناس المرجعيات الدينية المتفقة مع السلطات، في حين أنّ الفضاء الالكتروني مدجج بفيديوهات وخطب لجهاديين وإرهابيين من «داعش» وغيرها «عالية الاحترافية والجاذبية». ويعزّز التقرير استنتاجاته بمقارنة بين الإعلام العربي الرسمي وبين «مؤسسة الفرقان» الإعلامية التابعة لـ«داعش» التي تقدم «فيديوهات مباشرة من موقع الحدث، ومقابلات مباشرة من ساحة القتال بالعربية والانكليزية، مع تصميمات غرافيكية عالية الجودة تنشرها في الوقت الحقيقي للحدث، إضافة إلى مجموعة من المجلات ـ دابق مثالاً ـ التي تعزز التأثير المطلوب».
وبعد عملية تقريع طويلة ينتقل التقرير لوصف «نضالات الولايات المتحدة المستمرة» في محاربة «داعش» وغيرها، فيضرب مثالاً الحملة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية على موقع يوتيوب بعنوان «فكّر من جديد وعد أدراجك»، والتي نشرت مجموعة مقاطع بالعربية والانكليزية بينها مقاطع لأطفال قتلوا على يد «داعش» بحسب وزارة الخارجية. وقد صممت الفيديوهات غرافيكاً بالأسلوب ذاته الذي تستخدمه تلك الجماعات، والأهم أنها صممت لتخاطب العرب والمسلمين أساساً، إذ أنّ الفيديو الأساسي لقناة «يوتيوب» التابعة للمشروع، يبدأ بعرض لـ«قصف الجوامع على يد داعش».
ينتهي التقرير باستعراض مكثف لفيديوهات شهيرة أطلقتها الجماعة مؤخراً، وبشكل خاص «لهيب الحرب» ويقتطع منه قول أحد الداعشيين: «نحن إخوتكم، ونحن لكم، ونريدكم أن تكونوا كذلك» كمثال على تطور الدعاية الداعشيَّة في جذب واستقطاب المقاتلين. ومن ثم يعود التقرير ليؤكد ما بدأ به من أنّ محاولات الحجب والتعتيم التي يتبعها الإعلام العربي تجاه «داعش»، ليست بذات نفع وليست إلا سياسة متخلفة في التعامل مع شأن بهذه الأهمية.
يأتي هذا التقرير ضمن حملة إعلاميّة واسعة النطاق تتبناها وسائل الإعلام الغربيّة بمجموعها في مواكبة ودعمٍ للحلف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وينفذ ضرباته الجوية منذ أيام في سوريا بعد أن بدأها بالعراق. اللافت في هذا التقرير، والمستفز في الوقت نفسه، ليس التقييم السلبي لأداء وسائل الإعلام العربي والخليجي خصوصاً، فما ورد في التقرير ينطبق حقاً على أداء معظم تلك المؤسسات، ولكن الهجوم على دول عربيّة، ضمن التحالف الدولي لمواجهة «داعش»، في معرض التهليل للتحالف، والدفاع عنه. وذلك ما يعكس درجة العجرفة الأميركية في التعامل مع حلفائها/ أدواتها في المنطقة.
من جهة أخرى، فإنّ التقرير يقدم صكّ براءة وغفران لواشنطن وإعلامها، ليلقي باللائمة على إعلام آخر ليس إلا حليفاً وامتداداً لها في أحسن أحواله. كما يحتوي التقرير على إشارة ضمنية بضرورة نشر فيديوهات «داعش» ومثيلاتها وعدم حجبها بحجة أنّ ذلك الحجب لن ينفع، الأمر الذي يبرر سلوك «سي أن أن»، و«فوكس»، و«آي بس سي» وغيرها من الشبكات الأميركية التي تعيد مراراً وتكراراً عرض فيديوهات للتنظيم من باب «حرية الشعوب في معرفة الحقيقة». ولكن حقيقة الأمر أن هذه المقاطع وسيلة فاعلة جداً في ترهيب الرأي العام وتوجيهه نحو الحرب المطلوبة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه