أصبح العالم الاسلامي الآن بقبضة المجرمين، والتشريع فيه بيدهم، ولم يعد لكل الأبحاث الفقهية والأصولية أي معنى طالما أن داعشياً ما يفتي بما تهواه نفسه بلا أي عناء وتعب، وكذلك الاله صار حكراً عليهم
لم يعد خافياً على المتتبع لحركة التيارات التكفيرية في العالم الاسلامي أن لها ارتباطاً وثيقاً بالحركة الوهابية عقيدة وسلوكاً. ولا يخفى أيضاً أن في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة لداعش وأخواتها، أكان في زمن الحكم الأموي أم العباسي، بل إن الأصول التي اعتمدت عليها الحركة الوهابية عند نشوئها في القرن الثامن عشر وكذلك مختلف التيارات التي نشأت في العالم الاسلامي إنما كانت ذا صلة بالتراث العقدي والحديثي الذي خلّفه الأمويون والعباسيون على حد سواء.
بلال ناصر الدين/ جريدة الأخبار
فقد حُشيت السنّة النبوية والتي تعني هنا أحاديثه بالكثير من الأحاديث والروايات الملفقة والموضوعة عن لسانه، وكذلك أوّلت كما يشتهي الأمراء والحكام، فجعلوا الحلال حراماً والحرام حلالاً، بغية تشويه الإسلام من جهة، ومن جهة أخرى تحقيقاً لمآرب سياسية لمن كانوا يسمون أنفسهم أمراء المؤمنين، وهم كانوا أبعد ما يكون عن إمرة المؤمنين.
إن داعش الآن تستند في تصرفاتها الشيطانية والإجرامية على أحاديث من هذا النوع، والتي ما زال الكثير منها يتداول به، وإن الراية التي يحملونها والمسماة بالعقاب، يدّعون زوراً أنها كانت راية النبي محمد (ص)، وإنما يفعلون هذا ليصبغوا ما يفعلونه صبغة شرعية، كما فعل العباسيون من قبل حيث رفعوا شعار الرضا من آل محمد وهم كانوا أشد الناس تنكيلاً بآل محمد.
لا تنحصر المشكلة في وجود حديث موضوع هنا أو هناك، المشكلة الأساس والسؤال الاساس هنا، هو كيف استطاعت هذه الأحاديث والموروثات المحرّفة أن تحرّك شريحة لا يستهان بها في العالم الإسلامي؟! وكيف استطاعت مع كل الصحوة الجهادية التي حصلت في العقود السابقة أن تحوّل الصراع من صراع اسلامي صهيوني- هذا على فرضه كونه موجوداً - الى صراع اسلامي اسلامي، بل الى صراع إنساني حيواني؟! حيواني يدعي لنفسه أنه يحمل همّ الاسلام والمسلمين، ويتلفظ عند ذبح نظيره في الخلق بل والدين بكلمة «الله أكبر»! أي إله هم يكبرون يا ترى؟ والشاة في التشريع الاسلامي يكره ذبحها أمام أعين نظيراتها رحمة بهم، فكيف بالإنسان.
في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة لداعش وإخوته
هناك أسباب عديدة اجتمعت لتكون دافعاً لظهور هذه الحركات، أبرزها الموروث الديني المحرّف، وكذلك العصبية، والفقر، والخطاب الديني غير المنسجم مع متطلبات الواقع الذي تعيشه البيئة الاسلامية، وعدم وجود القيادة في صفوف الشريحة الكبرى من المسلمين والتي تعاني ما تعاني لفقدان الشخصية القيادية الجامعة، ولا نقصي السياسة جانباً ولكني لا أراها بأهمية الأسباب الأخرى بل إنها في درجة متأخرة.
إن علماء الدين في العالم الاسلامي اليوم ينبغي عليهم ان يكونوا اكثر فاعلية في مجتمعهم، وان يبينوا للناس ما هو الغث من السمين من الروايات والاحاديث المنسوبة الى النبي محمد، وان لا تُأول بغير ما ينبغي، وكذلك ايضاً ان يصبح لديهم نوع استقلالية عن انظمة الحكم أياً كانت، ليتسنى لهم حرية التحرك والتعبير بما ينسجم مع الثقافة الاسلامية.
وإنه من العجيب كيف أننا لم نسمع حتى الآن عالماً بارزاً يعارض داعش جهرة، ويدعو لمقاتلتها ومواجهتها؟!
أين هم العلماء الذين ينبغي ان يُظهروا علمهم، وان يكون فكرهم وعقلهم ولسانهم في خدمة الحق، ماذا ينتظرون يا ترى؟! هل أنهم يأملون بأن تكون داعش على غير الصفة التي هي عليها، ويهابون اتهامها بشكل واضح بمخالفة الدين؟!
أين دراسات الشريعة الاسلامية والمطولات الفلسفية والاخلاقية والفقهية التي تدرّس في الحواضر العلمية الدينية؟ اين هي يا ترى، إنها وللأسف أصبحت هناك، تدار في أروقة السياسة الإقليمية والعالمية، حتى أصبح صوتها خافتاً لا يقوى حتى أن يصل الى أذان حامليها، تطأطئ رأسها أمام جبروت الخداع والنفاق العالمي.
أصبح العالم الاسلامي الآن بقبضة المجرمين، والتشريع فيه بيدهم، ولم يعد لكل الأبحاث الفقهية والأصولية أي معنى طالما أن داعشياً ما يفتي بما تهواه نفسه بلا أي عناء وتعب، وكذلك الاله صار حكراً عليهم، وصار هؤلاء المجرمين متنفساً لأولئك الذين يعتبرون المقاومة الشريفة التي تقاوم الصهاينة أنها ضد فئة من المسلمين وأنها لا تمثلهم، صارت متنفساً معنوياً لهم، يشعرون في قرارة أنفسهم أن لهم جناحاً عسكرياً على غرار ما هي عليه المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين والتي تعبّر بشكل وآخر أنها تابعة لإيران، وإن لم يستطيعوا إظهار ذلك علناً، ونخشى أن يكون بعض أصحاب الكرافات والبريانطين دواعش في الباطن والوجدان، وما يظهرونه لنا من كلمات براقة لا يعدو كونه نفاقاً سياسياً.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه