- تشبه السياسة كما تشبه الحرب لعبة الشطرنج، بما لا ينطبق على سائر الألعاب التي تعتمد في أغلبها على المصادفات، والحظوظ، ودخول عناصر غير مرئية في صناعة النتائج، عدا عن تميّز الشطرنج عن الألعاب المشابهة
ناصر قنديل
- تشبه السياسة كما تشبه الحرب لعبة الشطرنج، بما لا ينطبق على سائر الألعاب التي تعتمد في أغلبها على المصادفات، والحظوظ، ودخول عناصر غير مرئية في صناعة النتائج، عدا عن تميّز الشطرنج عن الألعاب المشابهة التي تعتمد على المهارات الفنية باعتماده على مهارة رئيسية، تتصل بالتخطيط لنقلات متتابعة وصولاً إلى الهدف المرجو وهو كش ملك، أيّ إعلان النصر، يدخل ضمنها حكماً القدرة على توقع رد فعل الخصم ومحاولة استقراء خطته، هذا إضافة إلى البعد النفسي الذي توفره رقعة الشطرنج بتشابهها مع مسرح عمليات تمركز قوات متقابلة وسعي كلّ منها إلى التقدّم على مسرح الخصم وإخراج قواته من مسرح العمليات، إضافة إلى تنوّع التشكيلات التي يستند إليها اللاعب بتنوّع قدرات جيشه، يمكن تشبيهه بأنواع السلاح أو مصادر القوة في السياسة والحرب، والفارق الوحيد بين الشطرنج والحرب كما يقول أبو الحرب كلاوزفيتز، هو أنك في الشطرنج تبدأ الشوط الثاني من جديد، أيّ من حيث بدأت الشوط الأول، بينما في الحرب تبدأ الجولة الثانية من حيث انتهت الجولة الأولى.
- في حروب المنطقة وفي ذكرى حرب تشرين، تبدو تلك الحرب بعد قرابة الأربعين عاماً كنقلة عربية أولى، نجحت بإحداث اختراق كبير في مسرح العمليات «الإسرائيلي» في جولة ثانية لمباراة، بعد جولة أولى انتهت بنصر «إسرائيل» في حرب عام 1967 بنقلة كش ملك ضدّ العرب وحكوماتهم وجيوشهم، وتبدو «كامب ديفيد» ومن بعدها اجتياح «إسرائيل» لبنان كنقلات معاكسة لتحصين الملك من الحصار، وتبدو الثورة الإيرانية وولادة المقاومة كنقلات ردّ على الردّ لتدعيم خط الاشتباك، ويأتي تحرير جنوب لبنان والنصر في حرب تموز، إصابات بالغة في المواقع المفصلية بخريطة العدو، حتى تشكلت من الحرب على سورية المحاولة اليائسة لهجوم من عدة جبهات لإسقاط القلعة، والقلعة تصمد، وتكاد الجولة تقترب من نهايتها بإعلان التعادل ووقف المباراة.
- رقعة شطرنج ثانية يلعب عليها الحلفاء، حيث شكل تصريح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بعد كلام الجنرال ديمبسي عن دور الحلفاء الخليجيّين والأتراك في دعم الإرهاب، نقلة محسوبة، أوصلت رسالة قوية للحلفاء الذين توهّموا أنّ مجيء أميركا إلى المنطقة فرصة لتحقيق مشاريعهم الخاصة، وشكل السماح لهؤلاء الحلفاء بنقل اعتذار نائب الرئيس الأميركي من دون أن يتولى مكتب نائب الرئيس وفق الأصول الاعتذار إذا كان هذا هو الهدف، هو نقلة أخرى أيضاً لتأكيد الرسالة وتخفيف الخسائر.
- رقعة ثالثة على الحدود التركية ـ السورية، حيث تدور المعارك على بلدة عين عرب، ويسعى الدواعش لاحتلالها، من دون أن يحرّك التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن طائراته كما فعل يوم تعرّضت أربيل لهجوم مشابه، ومن دون أن تقوم تركيا التي أعلنت قبل أيام انضمامها إلى التحالف، بأيّ مسعى جدّي لمنع سقوط عين العرب بيد «داعش»، النقلة التي يحملها التغاضي الأميركي، بداية تصفية اللاعبين الجانبيّين الذين أنتجتهم الحرب على سورية، وحصر الملعب بالعدد الأقلّ، ففي سورية يجب أن يبقى «داعش» و«النصرة» من جهة والجيش السوري في جهة مقابلة، ومراحل ستمرّ حتى يصفّى فيها «الجيش الحر» واللجان الكردية وكثير من المجموعات التي يفرض عليها الالتحاق هنا أو هناك، أما النقلة التركية فهي إنهاء الحالة الكردية المزعجة لحكومة أردوغان وتركها تسقط على يد «داعش»، والعودة إلى استرداد المنطقة من «داعش» لاحقاً بمناورة تشبه استرداد الرهائن الأتراك، لتظهير «داعش» خرافة قوة، وأردوغان أسطورة بطولة.
- القاعدة الأهمّ التي يتعلّمها لاعب الشطرنج، هي أن تبقى عينه على القلعة كي لا تسقط، فلا يحاصر الملك، والقلعة لن تسقط.
http://al-binaa.com/albinaa/?article=17008
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه