ثلاث لاءات لتصريحٍ حصل، لن نطلب من الفنان زياد الرحباني أن يبرِّرها أمام اللبنانيين بإطلالة تلفزيونية
أمين أبوراشد
ثلاث لاءات لتصريحٍ حصل، لن نطلب من الفنان زياد الرحباني أن يبرِّرها أمام اللبنانيين بإطلالة تلفزيونية، لأن لا علاقة لها بالسياسة والأحلاف الداخلية الحزبية، بل لأنه وقع في المحظور، ربما من دون قصد، بثلاثِ نقاطٍ عبر تصريحه عن قرار الهجرة الى روسيا، وحجم العتب كبير بحجم المسؤولية التي ورِثها زياد من "الرحبنة" التي باتت مع السيدة فيروز توأم "اللبننة" وبات زياد الفنان والمناضل الوطني أحد الورثة الكبار لرسالة فنِّية عظيمة ونبيلة.
حقُّ زياد الشعور بالإشمئزاز من الأجواء التي بلغت القرف ليس من الوطن بل من الدولة، وحقُّه أن يتململ من الخدمات والأمن الشخصي أسوة بكل الفنانين عندما تتوسَّع أعمالهم، وليست جديدة علينا لهجته التي "ما عندها كبير" عندما يُطلق نيران لسانه العفوي على الخدمات المعدومة، تماماً كما يُطلقها في مسرحياته التي سمعناها مئات المرَّات وما زلنا نضحك لزياد ونضحك معه ونصفِّق وكأننا نسمع المسرحية للمرَّة الأولى. لكن حقّنا كمواطنين لبنانيين على زياد أن يقبل الـ "لاءات" الثلاث لأننا "نحكي" معه لبناني- وطني بعد أن ضجَّت مواقع التواصل بالتعليقات غير المسبوقة، الإيجابية منها والسلبية العاتبة، ولن ندخل مع الفنان الكبير والمناضل السياسي العتيق، في تفاصيل السياسة والمسائل الحزبية.
اللاءات الثلاث هي: أولاً، إعلان زياد الرغبة بالهجرة، وثانياً، قوله أن "الكلّ بدّو يفلّ من هالبلد"، وثالثاً، تساؤل البعض أمامه: أنت مسيحي وكيف تكون مع حزب الله؟! وأردتُ توجيه "لاءاتي" الثلاث لزياد، لأن الأولى والثانية تعنيان كل الشعب اللبناني، واللاء الثالثة، تعني كل الشرفاء الذين من أهل المقاومة ومع حزب الله من غير الطائفة الشيعية الكريمة على امتداد الخارطة اللبنانية وزياد الرحباني في طليعتهم.
أولاً: كان بإمكان زياد السفر الى روسيا "بداعي العمل"، دون أن يُعلِنها هجرة ناتجة عن كُفرٍ بهذا البلد، لأن زياد في هذه الظروف الضاغطة على اللبنانيين، قد تكون له أسبابه المرتبطة بأنشطته الحزبية والإعلامية والفنِّية، لكنه بالنسبة للكثيرين ليس مجرَّد "شادي" الذي أضاعته السيدة فيروز في أغنيتها، طالما أننا كلبنانيين بتنا خائفين على وطن أن يغدو مصيره كمصير "شادي".
عاش المواطنون العاديون إحباطاً انعكس على مواقع التواصل: "إذا إبن الرحباني بدُّو يهاجر شو بعد باقي من لبنان"، و"إذا اللي بعزّ الحرب الأهلية قرَّر يسكن بـ "الغربية" لأنو مؤمن بوحدة لبنان، عم يكفُر اليوم بهالبلد، معناها إنو لبنان راح"!!، وإذا أهل "قمر مشغره وبدر وادي التيم" بدُّن يغيبوا عن سما هالوطن شو بعدنا ناطرين؟
ثانياً، "الكلّ بدُّو يفلّ من هالبلد"؟ ومن قال لك ذلك يا أستاذ زياد وعلى ماذا اعتمدت؟ أوليست هذه الكلمة على عفويتها تجعل المواطن العادي ييأس الى حدّ أن يبيع "ما فوقه وتحته" ليصطفّ في طوابير الذلّ أمام السفارات، خاصة أن كلمتك جاءت وسكاكين شياطن التكفير تُشحَذ على الحدود لقطع الأعناق وتطبيق منهجية التنكيل والتشريد والتدمير بكافة اللبنانيين دون استثناء؟
ثالثاً، لن ندخُل في موضوع وحدة القوى الوطنية، ولن نعود الى انطلاق "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" التي عُرِفت في السبعينات بإسم "جمول"، ولا إلى علاقة الإنفتاح من حزب الله اليوم على القوى المقاومة التي كانت لها تضحياتها وشهداؤها، ليس لأن حزب الله لا يرغب بهذا الإنفتاح، بل لأن هذا الحزب ومنذ تحرير لبنان عام 2000 من رجس الإحتلال الصهيوني مروراً بردع العدوان عام 2006 ووصولاً الى البطولات التي يُسطِّرها الآن على الجبهات الشرقية في مواجهة التكفيريين، لم يأخذ إستراحة سياسية طيلة أربعة عشر عاماً، وهو يتلقَّى جزاء تضحياته طعنات الغدر السياسي والإعلامي وربما الإستخباراتي من عُملاء ثمنهم شنطة سامسونايت.
يا أستاذ زياد، ما يهمني كمسيحي ناهزت مثلك التاسعة والخمسين، أن أبوح بمكنونات ليست خافية على أحد:
لست وحدك المسيحي الذي يتشرَّف بأن يكون من حزب الله ومع حزب الله، وعشرات الآلاف من المسيحيين هم مع حزب الله ومع المقاومة، وهذه العلاقة ترسَّخت خلال عدوان العام 2006، حين عاش المجتمع المسيحي الشريف تجربة استقبال أخوةٍ وأهل، لم يطلبوا ولم يحتاجوا لغذاء ولا لدواء، بل سقفاً آمناً من العدوان للشيوخ والنساء والأطفال، لأن المقاومة لاحقتهم بكافة المستلزمات التي يحتاجون إليها، وكان كل من شارك في المناطق المسيحية بهذا العمل المقدَّس، يلمُس أن هؤلاء الأخوة محضونون من مقاومتهم حتى في مراكز إيوائهم داخل صالات الكنائس والمدارس ولا يحتاجون سوى الأخوَّة اللبنانية في الإستقبال وهذا ما حصَل وكانت بداية "إنتساب" المسيحيين لفكر المقاومة الشريفة منذ ذلك التاريخ.
ختاماً، أُعذُر العتب الكبير الذي ورد في لاءاتنا، لأنك كبير يا سليل الرحابنة، وندعو لك بالتوفيق أينما كنت، لأن لبنان يعيش فيك وأنت تعيش في ضمائرنا، ونطمئنك أن البلد ستكون بخير رغم المخاطر، والأحزاب الوطنية والمسيحيون بغالبيتهم الساحقة في الطليعة، كانوا وسيظلُّون حلفاء حزب الله والمقاومة، وليس أبلغ من كلام غبطة الكاردينال الراعي للمقرَّبين منه ونقلته صحيفة السفير صباح اليوم الثلاثاء: "لولا حزب الله لكانت داعش قد أصبحت في جونية"...وكلام الكرادلة يُلغي جعجعة الشمامسة وحملة المباخر إن وجدوا على الساحة السياسية المسيحية في المستقبل...