جاء التصديق على القانون إثر جلسات عقدت صيف 2003 استمع فيها أعضاء الكونغرس إلى إفادات عن التأثير السلبي لادوارد سعيد في مراكز الدراسات الشرق أوسطية التي وُصفت بأنها جيوب تضمر معاداة للأمركة.
أحدث كتاب «الاستشراق» (1978) تحولاً على مستوى الأدبيات النقدية التي طاولت مناهج المستشرقين وخلاصاتهم. لم يكن إدوارد سعيد من أوائل منتقدي مناهج الاستشراق، بل إنها تعرضت للنقد والتحليل من قبل مفكّرين سابقين بينهم المصريان محمد البهي وأنور عبدالملك والمغربي عبدالله العروي...
كشف سعيد في «الاستشراق» عن اللعبة الاستحواذية في علاقة المعرفة بين الغرب والشرق. صوِّره بأسلوب من الفكر قائم على التمييز الأنطولوجي والمعرفي بين الشرق والغرب اعتمدته الدراسات الأكاديمية الغربية لإعادة تشكيل الشرق وصوغه.
ذهب أبعد من ذلك بوصفه الاستشراق "نمطاً من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة السيطرة عليه" وأثبت أنه تخصّص استعماري، أي أنه نشأ في حضن الاستعمار، وعملت حركة الاستشراق عنده على "تقسيم تخيلي وجغرافي إرادي أقيم بين الشرق والغرب، فثمة غربيون وثمة شرقيون، والباقون يسيطرون، والتالون ينبغي أن يخضعوا للسيطرة. وذلك يعني عادة أن تحتل أراضيهم، وتُدار شؤونهم الداخلية بصرامة، وتوضع دماؤهم وثرواتهم تحت تصرف هذه الدولة الغربية أو تلك".
اعتبر سعيد أن الاستشراق هو «الفرع المنظم تنظيماً عالمياً استطاعت الثقافة الغربية عن طريقه أن تتدبّر الشرق، بل حتى أن تنتجه سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعقائدياً وعلمياً وتخيلياً، في مرحلة ما بعد عصر التنوير". أثار "الاستشراق" سجالاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية العربية والغربية بين مؤيد ومعارض.
اعتمدته الدراسات الغربية لاعادة تشكيل الشرق وصوغه
لاحقاً، أصدر سعيد "تعقيبات على الاستشراق" رد فيه على منتقديه وحججهم بينها اتهام الكتاب بالعداء للغرب. يقول الناقد والباحث السوري صبحي الحديدي في تقديمه للكتاب: "ينبغي القول على الفور إن محاججة سعيد لا تدرج مفهومي الغرب والشرق كحقيقتين فعليتين في الواقع خصوصاً حين يكون الشرق اختراعاً غربياً أفرزه الخطاب الاستشراقي حوله وبواسطة، الجغرافيا المتخيّلة وبهدف شقّ الأقنية الضرورية بين المعرفة والسلطة. وليس ثمة من وهم حول ذلك.
إنّ السمات الجوهرية في الخطاب الاستشراقي كحقل للإدراك الثقافي لا تتناقض مع السمات الجوهرية للإمبراطورية من حيث سياسات التدخل الاقتصادي والسياسي والديني والإداري واللساني وحتى العسكري، بل تقبل بها وتشرعنها أيضاً".
أصبح عمل سعيد من أكثر الكتب مبيعاً، ونصاً مقدساً لما سُمّي بحقل دراسات ما بعد الاستعمار، وقد اقتُبس منه بلا حدود، بل أصبح في نظر المؤرخ الأميركي ديفيد غوردون ظاهرة وانتقل ليصبح في قمة الكتب حول دراسات الشرق الأوسط.
اللافت كان تصديق الكونغرس الأميركي بالإجماع على مشروع قانون يطلب من مراكز الدراسات الدولية الجامعية إظهار مزيد من الدعم للسياسة الخارجية الاميركية. جاء التصديق على القانون إثر جلسات عقدت صيف 2003 استمع فيها أعضاء الكونغرس إلى إفادات عن التأثير السلبي لادوارد سعيد في مراكز الدراسات الشرق أوسطية التي وُصفت بأنها جيوب تضمر معاداة للأمركة.
أدى "الاستشراق" إلى فتح المجال أمام دراسات الجندر وما بعد الكولونيالية والدراسات الثقافية والأدبية. أثار اهتمام النسويات تحليل سعيد لكتابات الرحلات عند جيرار دو نيرفال وغوستاف فلوبير ورؤيتهما للأنوثة الشرقية.
وضعت مؤلفات عدة في السياق النسوي تأثرت بمنهجية سعيد منها "خيالات كولونيالية: نحو قراءة نسوية للاستشراق" للتركية ميدة يغينو غلو التي بحثت في الاستشراق وتعبيره عن الاختلافات الجنسية والثقافية. كما حلِّلت فئتي الجندر والاستشراق من أجل إعادة صوغ الخطاب الاستشراقي. بعد مرور 36 عاماً على "الاستشراق"، ما زال أحد أهم وأشهر الكتب التي أثارت سجالاً عالمياً. يمكن القول بكلمات أستاذ علم الاجتماع البريطاني دينيس سميث إنه "غيّر الوجه العلمي حول العرب، والعالم الإسلامي، والعالم الثالث إجمالاً".
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه