25-11-2024 07:44 PM بتوقيت القدس المحتلة

تحالف دولي في الفضاء الافتراضي لمحاربة "داعش"

تحالف دولي في الفضاء الافتراضي لمحاربة

أطلق عمالقة صناعة الانترنت بالشراكة مع الأوروبيين "تحالفاً دولياً" موازياً للعمل في الفضاء الافتراضي، ضد تنظيم "داعش".

وسيم ابراهيم -صحيفة السفير

ربما المسألة كانت أكثر من مصادفة. منسق التحالف الدولي لحرب تنظيم "داعش" جون آلن كان يُنهي زيارته إلى بروكسل، في الوقت الذي أطلق فيه عمالقة صناعة الانترنت بالشراكة مع الأوروبيين "تحالفاً دولياً" موازياً للعمل في الفضاء الافتراضي.

وجاء ذلك عشية اجتماع وزراء الداخلية والعدل الأوروبيين، في لوكسمبورغ، الذي تصدّرته قضية "تطويق" ظاهرة "الجهاديين" الغربيين.

وقالت مصادر ديبلوماسية، طلبت عدم كشف هويتها لـ "السفير"، إن الجنرال الن زار بروكسل ليومين قبل أن يسافر إلى أنقرة التي وصلها أمس. التقى المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف، كما عقد اجتماعاً مع الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأوروبية بيير فيمونت، إضافة إلى اجتماعه باللجنة الأمنية والسياسية التي تضمّ سفراء الدول الأوروبية الثماني والعشرين. التقى آلن أيضاً سفراء حلف شمال الأطلسي، خلال انعقاد اجتماع لمجلس دول الحلف.

لم يكشف الأوروبيون عن فحوى النقاشات التي دارت، كما لم تعلن بروكسل عن الزيارة من أساسها.


سألت "السفير" دو كيرشوف عن نقاشاته مع آلن وإن كان خرج بأي اتفاق معين، فقال "لم نعقد اتفاقاً. ناقشنا كيف يمكننا العمل معاً داخل التحالف، وما يمكن للاتحاد الأوروبي فعله ضمن مسارات التحرك المختلفة، على الجانب العسكري والسياسي". بشكل عملي أكثر، يوضح أنهما ناقشا "كيف نجفف موارد التنظيم، وكيف يمكننا التصدي للايديولوجيا بشكل أكثر فعالية على شبكة الانترنت".

في مسألة التمويل، يعوّل الأوروبيون على واشنطن للضغط على حلفائها في دول الخليج من أجل وقف تدفق الأموال للجماعات "الإرهابية" في سوريا. سبق لمسؤولي مكافحة الإرهاب، كما نشرت "السفير" سابقاً، أن اشتكوا في تقرير داخلي من عدم تعاون قطر على وجه التحديد. ولا يخفي الأوروبيون أن القرار الدولي لمنع التمويل عن "داعش" و"جبهة النصرة" يساعد في محاصرة مصادر التمويل الخليجية، خصوصاً لأنه وضع الحكومات أمام مسؤولية مباشرة.

وبالنسبة الى محاربة "داعش" على شبكة الانترنت، فالقضية لا تقلّ أهمية عن محاربته على الأرض كما يراها المسؤولون الغربيون. في هذا السياق تم إطلاق "تحالف دولي افتراضي" لحرب "الإرهاب" في هذا الفضاء. على الجبهة هناك الآن "تويتر"، و"فايسبوك"، و"غوغل" و"مايكروسوفت". مدراء عمالقة شركات الانترنت الأميركية حضروا إلى لوكسمبورغ للقاء وزراء الداخلية الأوروبيين، في عشاء عمل أقيم امس الاول. وتناول الاجتماع القضية عبر ثلاثة عناوين عريضة: كيفية مكافحة استخدام الانترنت لمصلحة أفراد أو جماعات إرهابية، الأدوات والتقنيات الممكن توفيرها لتحقيق ذلك، إضافة إلى بحث دعم مبادرات لترويج سرديات مضادة، ما يعني حرباً دعائية، لمواجهة الايديولوجيا التي لا يتوقف المتطرفون عن نشرها على مدار الساعة.

هذا الاجتماع رآه بعض من حضروه بمثابة ولادة "تحالف دولي" لخوض حرب على الإرهاب في الفضاء الافتراضي، توازي الحرب التي يخوضها التحالف في الواقع. الفرق هذه المرة أن جغرافيا هذه الحرب ستكون العالم الافتراضي مع كل سكانه. وقال مصدر ديبلوماسي، حضر الاجتماع لـ"السفير"، إنه "الخطوة الأولى التي تمثل بداية العملية التي ستتواصل" للمكافحة عبر الانترنت.

لكن حرب التنظيمات الإرهابية على الانترنت ليست أقلّ تحدياً من حربها في الواقع. هذه خلاصة تقييم المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب الذي حضر الاجتماع مع الشركات الأميركية.

وقال، رداً على سؤال عن الحصيلة، إن "اللاعبين الكبار في مجال الانترنت فعلوا الكثير. تويتر مثلاً جعل حياة داعش صعبة للغاية، لذلك انتقلوا من تويتر إلى شبكات اجتماعية أخرى، مثل شبكة دياسبورا، ثم شبكة بي كونتاكت الروسية، لذلك نواصل المحاولات لجعل حياتهم (في الفضاء الافتراضي) صعبة للغاية".

ومن التحديات المهمة التي يواجهها أيضاً التحالف الافتراضي ضد "داعش" هو تأمين "قوات على الأرض". عمليات الحرب الالكترونية بدورها بحاجة إلى فريق عمل كبير، ليلاحق المحتوى المتطرف ويزيله على مدار اللحظة، إضافة إلى القيام بالمهام الأخرى المتعلقة بالدعاية المضادة. وتفادي هذا النقص يحتاج إلى تمويل كبير، ومن المستبعَد أن تكون شركات الانترنت، التجارية وليس الخيرية، في وارد تقديمه تحت وازع المصلحة العامة. كما أن تقديم هذا التمويل من قبل الحكومات يخضع لإشكاليات عديدة، إذ سيبدو كأن الدول الغربية توظف شرطة انترنت داخل شركات ترفع لواء حرية التعبير. هذه المسألة الأخيرة هي أيضاً مثار جدل: أين ينتهي التعبير عن الرأي الالكتروني (كلاماً كان أم فيديو أو أي محتوى آخر)، ومن سيحدد مستوى تطرفه، ثم أين يبدأ الضرر بالمصلحة العامة؟

مع ذلك، يلفت المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب إلى أنه لا يمكن للشركات النهوض وحدها بهذا العمل، مبيناً أن هذا "مشروع مشترك، وهو أمر لا يمكن للحكومة والشركات النهوض به وحدهما، بل يحتاج إلى الشراكة بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني".

واستعرض وزراء الداخلية الأوروبيون، في لوكسمبورغ، استراتجيتهم لمواجهة "تهديد الجهاديين". كان نقاشاً سياسياً حول ما يجب فعله في مجالات تطويق الظاهرة، ولم تتخذ فيه قرارات محددة. منذ أكثر من سنة يعمل الأوروبيون على خطة شاملة تتضمّن 22 توجيهاً، وهي مظلة تغطي كل ما يتعلق بمنع سفر "الجهاديين" ومواجهة خطر عودتهم.

وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية الألماني توماس دو مايزر "نحن لا نريد تصدير الإرهاب من أوروبا وألمانيا، ولا نريد بالطبع عودة مقاتلين مدربين إلى أوروبا وألمانيا".

ما يقوله الوزير الألماني هو نهج يتجسّد الآن، فالحكومات الأوروبية وضعت "الجهاديين" أمام خيارين: ابقوا حيث أنتم، افعلوا ما شئتم هناك، ومن الأفضل أن تقتلوا، لأنه إذا عدتم فسيكون السجن في انتظاركم.

الآن هناك قضيتان رئيسيتان تشكلان أولوية لعمل الأوروبيين في هذا المجال. أولاً إنجاز اتفاق أوروبي حول قانون موحّد لما يُسمى "بي إن آر" (سجل أسماء المسافرين). البرلمان الأوروبي رفض الموافقة على هذا القانون، مثيراً العديد من الأسئلة حول ضرره بالحريات الشخصية وبسياسة الخصوصية، مطالباً أولاً بإقرار قانون محكم حول حماية الخصوصية. مسؤولو مكافحة الإرهاب يقولون إن القانون لا غنى عنه لمواجهة خطر "الجهاديين". يحاججون بأنه سيلزم شركات الطيران بوضع بياناتها في عهدة الحكومات الأوروبية، ما يتيح شبكة واسعة من المعطيات، مترابطة على امتداد الاتحاد الأوروبي، يعمل عليها محللون لتحديد كل مشتبه فيه أو منخرط في "أراضي الجهاد".

القضية الأخرى التي لا تزال عالقة بدورها هي إجازة عمليات التفتيش على المواطنين الأوروبيين على المنافذ الحدودية لمنطقة "شنغن" التي تضم 26 دولة أوروبية. هذه المسألة تجري الآن بشكل عشوائي، ونظام "شنغن" لا يسمح الآن بتفتيش منهجي وتلقائي نزولاً عند حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي. وتحتاج إجازة عمليات التفتيش فترة لا تقل عن سنة، من أجل تغيير التشريعات اللازمة وتصديقها في البرلمانات الوطنية.

وتجنب الوزراء الحديث عن حجم التهديد "الجهادي" بعد إطلاق عمليات التحالف، في إصرار بدا أن الغرض منه عدم استفزاز انتقادات ستساهم في تأليب الرأي العام المؤيد للعمليات.

لكن خطط مواجهة "الجهاديين" تتعرّض لانتكاسات، رغم التنظير المتواصل الذي يروّج لها. وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف بدا في قمة الإحراج. لسوء حظه، خيّم على حضوره للاجتماع سفر عائلة مكونة من 11 فرداً، مرة واحدة، تمّ الكشف أنهم انضموا إلى "الجهاد" في سوريا. مراسلو وسائل الإعلام الفرنسية كانوا ينتظرونه، والرجل أرسل مساعده أكثر مرة ليرجو المراسلين بإصرار "الوزير لن يجيب على أي سؤال حول العائلة".

في هذه الأثناء بقيت تقديرات الأعداد على حالها: أكثر من ثلاثة آلاف "جهادي" أوروبي. حين سألنا جوانا ميكل - ليتنز، وزيرة داخلية النمسا (من بين الدول الأوروبية التسع الأكثر تعرضاً للظاهرة)، عن تقييمها للتهديد قالت إن "هؤلاء الناس عبارة عن قنابل موقوتة".

ولفت دو كيرشوف إلى تكرار عمليات "إبطال مؤامرات" لتنفيذ اعتداءات إرهابية في أوروبا. وحذر من انه أصبح "للجهاديين" مجتمع كامل، موضحاً "علينا أن نكون يقظين، لقد طوّروا شبكة حول المتوسط وكل أرجاء العالم العربي، فماذا نفعل؟". أجاب بنفسه "الأمر يقتضي على الدول تقييم كل حالة بمفردها، كل عائد" لمعرفة كيفية التصرف معه. وشرح أنه في الإجمال هناك من تمّ التغرير بهم بدرجات، من لديهم "فائض في التوستيرون" فطلبوا التشويق والمغامرة، أو من انخرط في القتال لأسباب عديدة.

رغم تعدد التصنيف، لكن مصير العائدين، برأي دو كيرشوف، هو في إحدى الوجهتين: العلاج النفسي أو السجن؟

 

http://www.assafir.com/Article/1/377314

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه