لماذا أعلن حزب الله المسؤولية عن تنفيذ عملية شبعا الجديدة مباشرة، وهل ذلك مرتبط فقط بطبيعة الخرق الاسرائيلي الكبير في بلدة عدلون الساحلية الجنوبية، أم بمجمل التحديات؟
علي عبادي
العملية الاخيرة للمقاومة الاسلامية في مزارع شبعا المحتلة ليست الأولى بعد حرب العام 2006 وقد لا تكون الأخيرة، وهي تفرض نفسها خيارا دفاعياً في مواجهة سلسلة لا تتوقف من الانتهاكات الاسرائيلية التي تستفيد من غياب رد ٍرادع من الجانبين اللبناني والدولي. ولعل تسمية العملية باسم الشهيد حسن علي حيدر الذي قضى خلال العمل على تفكيك اجهزة تجسس اسرائيلية مربوطة بجهاز تفجير في بلدة عدلون في 5 ايلول 2014 يشير الى ان المقاومة تسجِّل ولا تنسى، وهي تريد من العدو ان لا ينسى ذلك. صحيح ان اكثر من شهر مضى على واقعة عدلون، لكن الرد يأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل الميدانية والظرفية، وتاريخ المقاومة يشير الى انها تدرس خطواتها بحكمة، خصوصاً ان "طبق الإنتقام لا يؤكل الا بارداً"، كما يقال.
لعلها المرة الاولى التي يعلن فيها حزب الله في اليوم نفسه مسؤوليته عن عملية ينفذها ضد قوات الاحتلال منذ انتهاء حرب العام 2006. قبل تلك الحرب، كان حزب الله يشن "عمليات تذكيرية" هدفها الأساسي التذكير بوجود احتلال لأراض تؤكد الدولة اللبنانية أنها تتبع لسيادتها. وبعد تلك الحرب، كانت عمليات المقاومة -وهي محدودة العدد- تأخذ شكل الرد على اعتداءات اسرائيلية فاضحة، لكن من دون اصدار بيان رسمي بشأنها فورا.
في عملية اللبونة التي استهدفت قوة اسرائيلية متوغلة ليلاً في الاراضي اللبنانية في 7 آب 2013، تأخر حزب الله في الإعلان عن مسؤوليته أياماً عدة، وجاء الاعلان على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله مرفقاً برسالة قوية. وفي عملية شبعا (آذار 2014) التي اعقبت الغارة على موقع لحزب الله في جنتا الحدودية قرب الحدود السورية، ترك حزب الله للاسرائيلي ان يستتنج بنفسه الخلاصة ومقصود الرسالة، علماً ان الحزب اكد عقب الغارة مباشرة انه سيرد في التوقيت والمكان المناسبين.
رسالة إعلان المسؤولية.. وصلت
لكن لماذا أعلن حزب الله المسؤولية عن تنفيذ عملية شبعا الجديدة مباشرة، وهل ذلك مرتبط فقط بطبيعة الخرق الاسرائيلي الكبير في بلدة عدلون الساحلية الجنوبية، أم بمجمل التحديات التي يواجهها؟
من دون شك، فإن الخرق الاسرائيلي في عدلون كان كبيراً، وهو يشير الى جرأة اسرائيلية تتخطى محيط المنطقة الحدودية، لكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها ذلك، حيث اكتُشفت سابقاً اجهزة تجسس اسرائيلية مزروعة على خطوط اتصال المقاومة، ولاسيما في منطقة الزرارية قضاء الزهراني في الثاني من تموز 2012 (تم تفجير جهاز التجسس من قبل طائرات العدو) ، وفي كانون الأول 2011 بين صريفا وديركيفا قضاء صور ( تم تفجير جهاز التجسس بواسطة طائرة استطلاع)، فضلاً عن اكتشاف اجهزة تجسس إسرائيلية مموهة في بلدة شمع قضاء صور في آذار 2011، وفي جبل صنين شمال شرق بيروت في كانون الأول 2010.
والاستمرار في اللجوء الى تفجير الاجهزة المزروعة في المناطق اللبنانية والتسبب بقتل مواطنين او مقاومين لبنانيين يجعل الرد حقاً مشروعاً بل وضرورياً لوقف الاحتلال الاسرائيلي عند حدّه ودفعه للتقيد بما يسميه "قواعد اللعبة". ويبدو انه فهم الرسالة المقصودة من عملية شبعا الأخيرة، وهو يَحْذر من "إشعال غير ضروري للنار يكون من الصعب بعد ذلك اطفاؤها"، كما عبّر عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس. لكن من الواقعي القول ان اسرائيل، بما عُرف عنها من عقلية اختراقية، لن تكفّ بين وقت وآخر عن القيام بمحاولة جسّ نبض المقاومة لتغيير هذه القواعد وامتلاك اليد العليا في تقرير الوضع الاستراتيجي في المنطقة، في كل مرة تظن فيها ان حزب الله ازداد انشغالاً في القتال داخل سوريا. وحتى إن لم تردّ في هذه المرحلة على عملية المقاومة في مزارع شبعا، فهي ستختار أية فرصة تتهيأ لها من اجل إضعاف قدرات حزب الله بصورة او بأخرى. بهذا المعنى، هي حرب مستمرة لم تخمد نارها بانتهاء حرب العام 2006.
ومع ذلك، يخشى الإسرائيلي من دون شك ان تتكرر مثل هذه العمليات لتصبح نمطاً اعتيادياً بعد كل خرق يقوم به في لبنان، وهو على الأرجح سيضطر لضبط سلوكه في هذه المرحلة تحاشياً لاستفزاز المقاومة والوصول الى "مرحلة اللاخيار". ولذلك، فان الرد الاسرائيلي كان ضعيفاً وسَجل "الحق في الرد بأي طريقة وفي الوقت والمكان المناسبين".
من جهته، يريد حزب الله في هذه المرحلة وبأداء مدروس وحكيم تثبيت "قواعد اشتباك" تلجم المحاولات الاسرائيلية الدؤوبة لإحداث خروق امنية في لبنان، إن عبر زرع اجهزة تجسس مطوَّرة في العديد من المناطق اللبنانية او تجاوز السياج الحدودي في اتجاه الاراضي اللبنانية او اطلاق النار على المزارعين ورعاة الماشية واختطاف بعضهم او القيام بنصب ابراج تنصّت على السياج، او القيام بعمليات اغتيال كما جرى مع الشهيد القائد حسان اللقيس. وهذه المعادلة تكرس "توازن رعب" يفيد الجانب اللبناني و"يذكّر" الاسرائيلي بضرورة حساب العواقب والتزام الحذر من انسياقه الى انتهاكات مفتوحة في لبنان. ولهذا، لا معنى لتصريحات بعض الجهات اللبنانية من فريق 14 آذار التي تسارع الى بث أراجيف عن تعريض لبنان لمخاطر حرب جديدة او حتى "احتكار" خيار الحرب والسلم، في وقت لا توجد حالياً وسائل ردع أخرى.
البعد الإقليمي للعملية
غير اننا يجب ان نضع الحدث في مزارع شبعا في اطار أوسع، مع اشتداد التحديات الأمنية على حدود لبنان الشرقية واتساع نطاق سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق في جنوبي سوريا وتحديداً في القنيطرة ودرعا، حيث يبدو للاسرائيلي انفتاح "أبواب فرص مهمة للمساعدة في رسم مستقبل المنطقة"، وتنطلق دعوة لاعتماد "الخيار الجنوبي" (المقصود جنوب سوريا حيث تسعى جماعات مسلحة لربط منطقة درعا على الحدود الأردنية مع القنيطرة بمحاذاة الجولان على الحدود مع فلسطين المحتلة وللسيطرة على الطريق المؤدي إلى دمشق) وتقديم مساعدة عسكرية اسرائيلية لبعض الجماعات المسلحة على نطاق أوسع في غضون الأشهر القليلة المقبلة بهدف تحويل هذه المنطقة إلى قاعدة لجماعات متآلفة مع اسرائيل.
واذا كان هناك ثمة حديث عن إمكان قيام الاسرائيلي بفتح "كوريدور" للجماعات المسلحة من حدود الجولان الى جنوبي لبنان عبر شبعا، كما يتردد في بعض الأوساط، فعليه ان يدرك ان المقاومة متيقظة في هذه المنطقة، كما في سواها، ولن تتردد في رد الحجر من حيث جاء. وتأتي عملية في شبعا في هذا التوقيت من اطلاق هذه التكهنات لتضع المقاومة وجهاً لوجه مع الاسرائيلي، وليحسبْ ما يريد أن يحسب.
والحديث عن فتح خط إشغال جديد لحزب الله عبر شبعا بإشراف اسرائيلي – صحّ أو لم يصحّ- لا يبعد عن حقيقة ان الاسرائيلي والتكفيري (ومن يلوذ بهما) يتكاملان في محاولة النيل من قدرات المقاومة والجيش السوري، وقد حرص الاسرائيلي على ضرب قدرات الجيش السوري الدفاعية في القنيطرة، إفساحا في المجال أمام الجماعات المسلحة لكي تسيطر على الشريط الحدودي لجهة الجولان، وهذا الأمر ناجم في الدرجة الأولى عن تقدير بأن إدخال مزيد من اللاعبين الى الجبهة من شأنه ان يؤدي الى مواجهات جانبية تريح الاسرائيلي. غير ان هذه اللعبة غير مضمونة العواقب بالنسبة للاسرائيلي الذي اعتاد اللعب بالنار منذ أن أنشأ في نهاية السبعينيات "جيش لبنان الحر" بقيادة الرائد المنشق عن الجيش اللبناني سعد حداد، وأضحت المنطقة اللبنانية الجنوبية الحدودية حينذاك منطقة عازلة يتصرف فيها على هواه مباشرة او من وراء الستار، قبل ان تصبح عبئاً عليه.
ومن الجهة الشمالية الشرقية، لا ينفك الاسرائيلي يراقب تطور قدرات المقاومة بكثير من القلق والحذر، وهو إذ يعزّي نفسه بأن الجماعات المسلحة في سوريا تستنزف بعضاً من هذه القدرات، فهو يرى من جهة اخرى ان الخبرات القتالية التي اكتسبها حزب الله، بما فيها التمرس على أساليب قتال متعددة الأوجه في الجبال والمساحات المفتوحة وداخل المدن سمحت له باختبار جهوزيته وتطوير بعض الأسلحة والردود الملائمة على تحديات ميدانية غير متوقعة. لهذا، فإن كانت الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة تهدف لجسّ نبض حزب الله واستكشاف استعداداته ورد فعله، فإن جواب حزب الله في عملية شبعا يأتي في محله تماماً.