وضعت السعودية «التاج» بأريحيّة على رأس «خصمها الفارسي». وعندما كانت يد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بيد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف
لينا فخر الدين
وضعت السعودية «التاج» بأريحيّة على رأس «خصمها الفارسي». وعندما كانت يد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بيد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، كان الأوّل يعترف على الملأ بالنفوذ الإيراني، قائلاً: «للسعودية وإيران نفوذ كبير في المنطقة، وإن التعاون بينهما سيؤدي إلى تأثيرات لا تنكر في إرساء السلام والامن الإقليمي والعالمي».
لقاء الرجلين في نيويورك، هو الأوّل من نوعه منذ انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران (منذ أكثر من عام)، وأتى بعد أقلّ من شهر على هبوط طائرة عبد اللهيان في جدّة، حيث عقد سلسلة لقاءات. صحيح أن «التسوية الكبرى» بين البلدين لم يأتِ أوان قطفها بعد، إلا أن الصورة وحدها كانت كافية عند الكثيرين للحديث عن ملامح توافق على عدّة ملفات في المنطقة، في ضوء تسارع الأحداث ودمويتها.
وبين لقاء الديبلوماسيتين الأوّل في الرياض والثاني في نيويورك، كانت التغييرات المفاجئة «تضع أوزارها» على خريطة العالم العربي، وتحديداً عند «نقاط التقاء» البلدين: فجأة قبل نوري المالكي بأن يتخلّى عن السلطة، وبقدرة قادر صار للرئيس المقرّب من إيران خلفاً مقرباً من إيران أيضاً، ولكن مرحّب به من قبل السعودية وأميركا. وبين ليلة وضحاها، تسقط صنعاء بيد الحوثيين (المقربين من إيران).
وإذا كان البعض قد رأى في الوضع اليمني أنّه سيناريو إيراني رداً على السعوديّة إزاء ما حصل في الموصل، فإن الغالبية باتت تدرك أن المملكة كبست على «الضوء الأخضر»، والدليل على ذلك بيانها المرحّب بالاتفاق اليمني، ولقاء الفيصل ظريف بعد 24 ساعة من تحرّك الحوثيين.
إذاً، لا تسوية بين السعودية وإيران حتى الساعة، ولكن يظهر أن البلدين بدآ بـ«تنظيم خلافهما» تحت سقف الأميركيين، من دون أن يعني ذلك إيقاف اللعب من تحت الطاولة.
في حين أن الحوار السعودي ـ الإيراني الذي وجد طريقاً إلى العراق واليمن، فإن صداه لم يصل بشكل واضح بعد إلى الحدود اللبنانيّة. ومع ذلك، بدأ أصحاب «الأنتينات السياسيّة» بخفض سقف خطابهم، أما الباقون فهم مصرّون على أن التوافق بين البلدين سيبقى محصوراً بالعراق واليمن، من دون أن يكون لبنان على «ضهر البيعة».
حتى اليوم، لا يملك تيار «المستقبل» قراءة واضحة لما يجري في الخارج. التخبّط بين الزرق ظاهر كـ«عين الشمس». البعض يعزو الأمر إلى عودة رئيس «التيار» إلى «قواعده السعوديّة» سالماً، وبالتالي عدم إطلاعهم على تفاصيل التطورات الإقليمية. فيما البعض الآخر يشير إلى أن تعدّد القراءات طبيعي لسببين: الأول هو أن التوافق السعودي ـ الإيراني على الملف اللبناني موجود، أصلاً لا سيّما على ضبط الاستقرار وتأليف الحكومة واستمرارها حتى تاريخه، من دون أن يعني ذلك أن هذا التوافق ليس بحاجة إلى تطوير بتسمية رئيس جديد للجمهوريّة والاتفاق على «تخريجة» للتمديد لمجلس النواب. والسبب الثاني هو «أننا لا نستطيع البناء على لقاء الديبلوماسيتين إلا من خلال نتائجه، ولكننا نستطيع الاجتهاد بالتحليل بأن الحوار المفتوح بين القوتين الإقليميتين المتواجهتين منذ عقود قد بدأ، وبحاجة إلى الاستمرار عبر اللقاءات المباشرة، لأنه اليوم أشبه ببذور تفاهم فقط وقد يتأثر بها لبنان إيجابياً من الناحية السياسية والأمنيّة».
ولذلك، استعد «البراغماتيون» داخل «التيار» لإجراء التعديلات على خطابهم السياسي للانسجام مع التطوّرات، وإن كانوا لا يسعون إلى «تكبير حجر» أملهم بلقاء القطبين الإقليميين.
أحد نواب «المستقبل» يؤكد أن «السعودية وإيران ملزمتان بالجلوس على طاولة واحدة، فهناك التقاء مصالح في عدّة أمكنة ولا إمكانية لإلغاء الدور الإيراني في المنطقة، ونحن لنا مصلحة بالتهدئة»، مشدداً في المقابل على «أننا لسنا في الوقت الحاضر على رأس أولوية أجندة الدولتين».
النائب المستقبلي مرتاح لأن الحوار مع السعوديين هو مطلب وحاجة إيرانية أكثر منها سعوديّة. ما يعني بالنسبة له هو «عدم انتشاء حزب الله داخلياً»، وإن كان لا يريد الذهاب بعيداً في الاستنتاجات ولا حتى التفكير للحظة بمن خسر ومن ربح، مكتفياً بالذهاب نحو «المدينة الفاضلة» قائلاً: «لا نريد التفكير بالمنطق التسجيلي وتراكم النقاط. الجميع مهشّم في المنطقة، فلنركّز على نقاط الالتقاء والاستفادة منها داخلياً».
زميله في «التيّار» يعتقد أن «اللقاء لن يكون إلا على حساب حزب الله لأنه جزء من المنظومة الإيرانية التي لن تقدّم التنازلات إلا من جيبه»، واضعاً لقاء الفيصل ـ ظريف في إطار «بداية طريق التسوية البعيدة حالياً عن لبنان، الذي سيمرّ خلال الأشهر المقبلة بمرحلة عنف أكبر وبعضه سيكون لتسجيل النقاط وتحسين شروط المفاوضات».
القيادي يعتبر أن إيران تحسّن من تعاطيها مع شعوب المنطقة، «فهي تمارس الديبلوماسية بدلاً من تمثّلها في بعض البلدان عبر الحرس الثوري وإثارة القلائل والفتن المذهبيّة لشدّ الحبال مع الأطراف الإقليميين والغربيين».
«القيادي الأزرق» يتحدّث كما لو أن إيران بدأت تقدّم «أوراق اعتمادها» إلى السعودية، إذ يرى أن إيران تستعدّ للتراجع خطوات للخلف، على اعتبار أنّ «الدولة الفارسية بدأت تخسر من نفوذها في بعض المناطق ولا سيّما في العراق وسوريا».
وإذا كان البعض يؤكّد أن «التفاهم بين السعودية وإيران» مطلوب وبدأ بـ«سنّ أسنانه» لقطف التحوّلات، فإن داخل «المستقبل» هناك من لم «يبلع» بعد ما يسميها «سياسة اعتدال السعودية» في وجه «سياسة العصا والجزرة» التي تنتهجها إيران.
هؤلاء غاضبون لأن «إيران ذكية وبراغماتية وهي تتوسع أكثر وأكثر في المنطقة العربية، في ظلّ غياب سياسة عربيّة واضحة»، متسائلين: «بعد كلّ الذي فعلته إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، عسكرياً وسياسياً، يقوم السعوديون بإعطائهم ركلة جزاء بلقاءات سياسية ستنعشهم أكثر، فيما الحليفة أميركا مشغولة فقط بإسرائيل والسلاح النووي!».
يعترف هؤلاء أن «العالم العربي بحالة يرثى لها بسبب سياسة التوسّع الإيرانية، ولا قدرة لنا ـ كتحالف إقليمي ـ على مواجهة المدّ الفارسي، فإيران تمسك الأرض بالعسكر فيما السعودية إذا تدخّلت لا تتدخّل إلا في الإطار الديبلوماسي، بالإضافة إلى الخلافات بين الدول العربية».
بالنسبة لهؤلاء، «لا حجم لهذا اللقاء، لأن السعودية لن تفاوض إيران، ولا تأثير له على لبنان»، متخوفين في الوقت عينه بأن تتنازل السعودية بمفاوضات تكون ترجمتها في المستقبل داخل لبنان بتعاون الجيش اللبناني مع «حزب الله» لمحاربة الجماعات المتطرّفة.. هذا يعني «انتفاخ الحزب» داخلياً ثم حربا أهلية ونقطة على السطر، بحسب أحد قيادات «التيار».
http://www.assafir.com/Article/1/377465
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه