لو سلمنا بما افترضه بلمار بأن عناصر من حزب الله كان محيط قريطم والمجلس النيابي بالتزامن مع وجود رفيق الحريري، فماذا كان يفعل هؤلاء هناك؟
بعد أن عرضنا في الأجزاء الثلاثة التي سبقت جملة من المعطيات التي تثبت عدم صحة القرار الإتهامي الذي قدمه المدعي العام دانيال بلمار، وبعد ان كشفنا عن بعض القطب المخفية في قراري بلمار وفرانسين، إضافة إلى الهفوات والأخطاء التي وقع بها بلمار، نصل إلى الجزء الأخير من التقرير الذي سنفترض فيه بأن عناصراً من حزب الله كانت تراقب رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري كما ادعى بلمار، حيث أشار في تقريره إلى أن بعض الأرقام السرية (الشبكة الزرقاء) والعادية والتي يعتبر أن حامليها من حزب الله تواجدوا بين تشرين الثاني 2004 وكانون الثاني 2005 في محيط قصر رفيق الحريري في قريطم عدة مرات، كما كانوا يتواجدون في محيط مجلس النواب أثناء الجلسات النيابية، وادعى بلمار بأن هذه الشبكة كانت تراقب الحريري تمهيداً لاغتياله. وإن سلّمنا بصحّة وجود عناصر حزب الله في محيط قريطم والمجلس النيابي، فماذا كانوا يفعلون هناك؟
في هذه الفترة الزمنية (بين تشرين الثاني وكانون الثاني) كان سماحة السيد حسن نصرالله يزور رفيق الحريري في قريطم بشكل دوري، وفي أغلب الأحيان في منتصف الليل، وهذا ما أكدته أرملة الرئيس الأسبق نازك الحريري وحتى سعد الحريري نفسه. وعندما يزور قائد المقاومة الحريري أو أي أحد غير الحريري، فمن الطبيعي جداً لا بل من البديهي تواجد عناصر الحماية في محيط المكان! لا بل من المسلّم به انتشار عناصر من حزب الله على طول الطريق الممتدة بين حارة حريك وقريطم أو أي منطقة أخرى، وهل يحتاج الموضوع إلى عالم ذرة ليكتشف ذلك؟! فمن سيحمي قائد المقاومة سوى عناصر حزب الله؟! والمنطق هنا يجزم بضرورة تواجدهم ما قبل الزيارة بأيام وأثناءها وبعدها، ولن يقتصر الأمر على ثمانية عناصر مراقبة كما قال بلمار بل من الممكن أن يكون هناك مئة شخص وأكثر يراقبون المنطقة! نحن نتكلم عن قائد مقاومة مستهدف في كل لحظة من العدو الإسرائيلي وهو خليفة أمين عام استشهد بصاروخ إسرائيلي (الشهيد السيد عباس الموسوي).
أما بالنسبة لإشارة التقرير إلى الإتصالات التي جرت بين أرقام سرية وأرقام عادية، وتبيّن أن هذه الأرقام العادية تعود لعناصر من حزب الله تواجدوا في محيط مجلس النواب في الوقت الذي كان فيه الحريري هناك، فنسأل بلمار: لماذا يذهب رفيق الحريري إلى مجلس النواب؟ أليس لحضور جلسة نيابية؟ ومن بين النواب ألا يوجد نواب لحزب الله؟ من يتولى حماية هؤلاء؟ أليس أمن حزب الله؟
وفي عملية حسابية سريعة سنفترض أن هناك 20 نائباً من الحزب وأن كل نائب يرافقه 5 حراس، عندها سيصبح عدد العناصر الموجودة 100 عنصراً وليس بضعة عناصر كما قال بلمار. فأين الأمر المستغرب إذن أن يتواجد عناصر أمنية من حزب الله في محيط المجلس النيابي؟! أمن الممنوع أن يحمي حزب الله نوابه؟! ألم يقدّم سماحة السيد حسن نصرالله قرائن تثبت أن العميل غسان الجد كان موجوداً في المحيط؟ هذا يعني أن جهاز حزب الله الأمني موجود على الساحة، والحزب لم ينف ذلك إنما هدفه كان الحماية وليس مراقبة الحريري!
لماذا لم يذكر بلمار مثلاً أن هناك عناصر من حزب الله كانت تراقب دار الفتوى، أو بكركي أو فقرا (مصيف الحريري) أو منزل شقيقه شفيق في صيدا، مع العلم أن مراقبة الحريري واغتياله على طريق الجنوب أسهل بكثير من مراقبته واغتياله في بيروت؟! هناك عدة أماكن كان يقصدها رفيق الحريري بشكل دوري ولكنها ليست واردة في اتهام بلمار، بل المذكور فقط هو وجود عناصر في قريطم ومجلس النواب في نفس مواعيد الاجتماعات! فهل أصبحت هذه دلائل يبنى عليها قراراً اتهامياً وبلمار نفسه قال أنها استنتاج دون أي إثباتات؟!
ولقد ذكر المدعي العام في معرض تقريره أيضاً وجود عناصر من حزب الله في محيط المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أثناء زيارة الحريري لنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وهل من المعقول أن يصل رفيق الحريري إلى المجلس الشيعي الكائن في الضاحية الجنوبية ويكون أمن حزب الله غائباً؟!! هذا استخفاف كبير بعقول الناس.
ألم يسمع بلمار أنه عندما كان حسني مبارك يتحرك من قصره باتجاه مطار القاهرة، كان ينتشر 20,000 من عناصر الأمن لحمايته على طول الطريق؟ ألم يسمع أنه عندما يزور باراك أوباما أي مدينة في أميركا ينتشر فيها 5000 عنصراً من المخابرات ليكشفوا عليها قبل 15 يوماً من وصوله؟!
لطالما قال خبراء الإتصالات ورجال القانون، وبعيداً عن أي تحيّز سياسي، إنه إذا استند بلمار في قراره الإتهامي إلى دليل الإتصالات فلن يصمد طويلاً وسيتهاوى على عجل، لا بل سيدمّر تدميراً كاملاً وهذا ما يحصل، وأكثر من ذلك إستند إلى روايات بعيدة عن العقل والمنطق، وإلا فليشرح لنا بلمار الطريقة التي قدمها ليثبت أنّ "صبرا" جنّد "أبو عدس"! فمن أين له أن يعلم بأن صبرا سمى نفسه محمد وجنّد أبو عدس أو بالأحرى قام بتصفيته كما يشير التقرير، وبلمار يعلم أن تثبيت تجنيد أبو عدس بهذه الوسيلة غير مقبول بتاتاً.. ولماذا يبعث حزب الله بقيادي إلى مخيم البداوي في طرابلس ليشتري "فان" الميتسوبيشي الذي استخدم في عملية الإغتيال؟ وبعد ذلك يكلف القيادي نفسه بعملية الإغتيال! ألم يكن بإمكانه أن يبعث بعنصر مثلاً؟ أو أن يسرق سيارة؟! ثم لماذا يستخدم حزب الله هواتف خلوية ليغتال الحريري؟ أنسي بلمار أن الحزب يمتلك شبكة اتصالات داخلية يمكنه استخدامها لو أراد ذلك؟
أخيراً لقد جهدنا في الأجزاء الأربعة بأن نقدّم بعض القطب المخفية في القرارات والتحقيق ونهديها لطلاب الحقيقة والعدالة، ولو أردنا الخوض في تفاصيل التحقيقات منذ العام 2005 لما كنا انتهينا.. وفي النهاية تبقى الكثير من التساؤلات الغامضة التي تدور في عقول المواطنين بانتظار من يجيبهم عليها، فهل سنجد يوماً من يحترم عقولنا ويتكرّم علينا بقليل من المنطق؟
الجزء الثالث: قرار بلمار .. ف. س. يتصل بالمجرمين: الحريري في طريقه إليكم !
الجزء الثاني: قرار بلمار .. المخابرات البريطانية صاغت ملف الإتصالات
الجزء الأول: قرار بلمار.. فرانسين يشكك بملف الإتصالات ويوافق مع التحفظ