بعد إعلان قائد الجيش عن «خطة داعشية» للوصول إلى البحر من خلال شمال لبنان وإعلان الجندي الفار من الجيش عبد القادر أكومي انضمامه إلى «داعش»، زاد منسوب القلق.
إيلي الفرزلي
بعد إعلان قائد الجيش عن «خطة داعشية» للوصول إلى البحر من خلال شمال لبنان وإعلان الجندي الفار من الجيش عبد القادر أكومي انضمامه إلى «داعش»، زاد منسوب القلق. قلق تركز على المستقبل والمصير. هل ينشق الجيش، وهل يُفصل الشمال عن بيروت، بما يؤدي، في الحالتين، إلى تدمير البلد؟ سؤالان تتفرع منهما أسئلة لا تحصى، تتعلق تحديداً بما تقوم به السلطة بوجهيها السياسي والأمني لمنع تدهور الأمور.
يزداد القلق عند كثر عندما يلاحظون أن سلوك السلطة يبدو ميالاً إلى التعايش مع الإرهاب أكثر من مواجهته. ما تزال حرب عرسال حاضرة أمام هؤلاء: لو لم يهاجم الإرهابيون الجيش لما وافق أحد على مواجهتهم. ففي زحمة الخلافات السياسية، لا يبدو أن هناك مجالاً للاتفاق على مواجهة الإرهاب، كما أنه لا مجال للحروب الاستباقية.. اللهم إلا في المجال الأمني.
من يتابع تحركات الجيش شمالاً يدرك أن المنطقة مضبوطة أمنياً. مشايخ وسياسيون يؤكدون أن الجيش واستخباراته ما يزالون يملكون المبادرة.. كما أن الشمال، وتحديداً عكار، ما يزال في موقعه التاريخي: حاضنة الجيش وخزانه.
من يتابع ما يجري في البيئة الشمالية، والسنية تحديداً، يدرك أن الحديث عن انشقاقات محتملة في الجيش ينم عن سوء تقدير للوضع في طرابلس وعكار. الأغلبية الساحقة من تلك العائلات ما تزال تعتز بانتماء أبنائها للمؤسسة العسكرية. وعليه، فإن انشقاق فرد أو آخر لا يغير في هذه المعادلة شيئا، خاصة أن الحالات التي أعلنت انضمامها إلى «داعش» معروفة بخلفياتها الدينية البسيطة، ما يبعد احتمال أن يكون النهج المتشدد قد وجد طريقه إلى الجيش.
ثمة من يبسّط الوضع أكثر، مؤكداً أنه في أي بلد في العالم، يحصل أن يخرج أحدهم على القانون، لكن هذا لا يعني، بأي شكل من الأشكال، أن بيئته خارجة على القانون. أكثر من ذلك، يعرف الجميع أن الجيش لا يمكن أن ينشق إلا بقرار من أي من المكونات السياسية الأساسية، وهو ما ليس وارداً عند أي منها.
القلق يبقى مشروعاً، إلا أن علاجه، بحسب رئيس «هيئة علماء المسلمين» الشيخ مالك جديدة، لا بد أن يكون سياسياً في الدرجة الأولى. المطلوب إغلاق كل منافذ الفراغ، لأن ثمة من هو جاهز دائماً لملئه، وهنا تكمن الخطورة. يتمنى جديدة أن «يسارع كل طرف إلى ساحته ويركز على مسألة التعايش وتدارك مستقبل البلد.. وإلا فستهلكنا الفتنة جميعاً».
من يستعرض العلاقة التاريخية للطائفة السنية مع الجيش، يدرك أنها أمتن من أن تتأثر بـ«داعش» وأخواته. حتى «الإمارة الإسلامية» التي أعلنها سعيد شعبان في 1982، لم تشهد التفافاً شعبياً حولها في طرابلس نفسها. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تكرر الأمر نفسه. ومن سعى إلى إنشاء جيش للسنة يكون نداً لـ«حزب الله» أيقن أن خططه أجهضت في مكانها.. ومن داخل الطائفة. «7 أيار» نفسها لم تفقد ثقة السنة بالدولة. كما أن المحاولات العديدة لعسكرة الطائفة، وأبرز نماذجها حركة الشيخ أحمد الأسير، لم تساهم إلا في زيادة الثقة بأن لا عباءة للطائفة إلا الدولة ومؤسساتها.
الطمأنينة من الوضع الشمالي ليست شاملة. البعض يؤكد أن المعالجات المنقوصة المعتمدة حالياً تزيد القلق.. ولكن في المقابل، طالما أن الشمال ما يزال عملياً تحت سلطة الجيش، فلا خوف على هذه المؤسسة، خاصة أنه بالرغم من كل ما يجري ما يزال ابن الشمال يسعى للدخول إلى المؤسسة. أفراد هم من ينشقون أو من يمكن أن ينشقوا. بعضم قد يتأثر، نتيجة ظروف خاصة، بالمتطرفين الذين يضعون ضعاف النفوس بين خيارين: الله والجيش.
الخطر الفعلي يبدأ بالظهور عندما تفلت منطقة الشمال من سلطة الدولة. عندها، سيصبح العسكريون، الذين سيكونون بعيدين عن مناطقهم وعائلاتهم، أمام عاملين ضاغطين، أحلاهما مرّ: إما سيضطرون إلى الالتحاق بعائلاتهم أو سيتركونهم رهينة بأيدي الإرهاب. هذا يشير بما لا يقبل الشك الى أن المطلوب معالجات استباقية وحاسمة من قبل الدولة حتى لا تتدهور الأمور.
من يضع هذا الاحتمال، يثق في المقابل أن الجرة لم تنكسر وأن الوضع ما يزال قابلاً للإصلاح. لكنه، يؤكد أن الأولوية في المعالجة تبقى لإسقاط احتمال التعايش مع الإرهاب. يدعو النائب الوليد سكرية إلى عدم إعطاء الإرهاب فرصة للتمدد في الداخل. تأمين خطوط التموين له هو إحدى هذه الفرص، التي قد تفتح أمامه إمكانية التوسع نحو الشمال تحديداً.
وعليه، يعتبر سكرية أن المطلوب اقتلاعه نهائياً من لبنان. ولكن ماذا عن الخلايا النائمة التي يحكى أنها تنتظر ساعة الصفر؟ يبدو الأمر مشابهاً، فإذا قطعت طرق الإمداد والدعم الآتية من الحدود، لن يكون هؤلاء قادرين على تنفيذ مخطط «داعش»، وبالتالي فإن إمكانية القضاء عليهم تكون متاحة.
من يتابع طريقة تعامل الدولة مع الخطر الإرهابي يخلص إلى أن المشكلة الأساس هي في عدم وجود رؤية وطنية واضحة للتعامل مع هذا الخطر. لا جدال في أن المسؤولية تقع على عاتق كل القوى السياسية التي لا تقيس الأمور إلا وفق مصالحها الخاصة. مع ذلك، تبقى المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق تيار «المستقبل»، نظراً لدوره الفاعل والحاسم في البيئة السنية. هنا يخرج كثيرون ليلوموا «التيار» على دوره الملتبس في محاربة «داعش». يقولون إنه لا يكفي أن يخرج الرئيس سعد الحريري من «قصر الإليزيه»، داعياً التحالف الدولي للقضاء على «داعش». لا بد من سؤاله قبلاً لماذا يغطيه في لبنان؟ استنكار تيار «المستقبل» لأساس السؤال، تواجهه «8 آذار» بالتأكيد أن من يربط بين وجود «داعش» في لبنان ووجود «حزب الله» في سوريا، يعني أنه، بشكل غير مباشر، يؤمن الغطاء لهذه الظاهرة الإرهابية.
http://www.assafir.com/Article/1/377733
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه