لم يذكر التقرير مثلاً ان الحمصي كان يزور عدداً من الدول العربيّة في حقبة صداقته مع «الموساد» (لأداء الواجب القومي طبعاً). لم يرد في التقرير ان الحمصي وباعترافه تلقّى أموالاً من «الموساد» (لغايات قوميّة طبعاً)
لن أكتب نقداً لبرنامج (لا أراه) لكلود أبو ناضر الهندي على شاشة «إم. تي. في»، فقد أعطته حقّه الزميلة زينب حاوي في «الأخبار» وأوجزته بأنه «تبييض للفساد والعمالة». لكن سأتناول هنا الحلقة الخاصّة المشينة التي أفردتها المحطة لتبرئة عميل إسرائيلي محكوم، هو زياد الحمصي، والذي أخلى سبيله في توليفة طائفيّة خطيرة من قبل سلطة سياسيّة تطبّق معادلة 6 و6 مكرّر حتى في حق عملاء العدوّ الإسرائيلي.
وإذا بُرئ عميل ينتمي إلى فريق 8 آذار، فإن عميلاً منتمياً إلى 14 آذار يستحق التبرئة، وهذا دواليك. على كل عميل أن يصطحب معه إلى المحكمة عميلاً من طائفة أخرى كي ينعمان بالحريّة، خصوصاً من قضاء أليس شبطيني وميشال سليمان. هذا هو تعريف آخر لمسخ الوطن.
لكن هناك ما هو لافت وهو أن المحطة (ومعدّة البرنامج) قرّرتا تكريس برنامج لتبرئة زياد الحمصي المحكوم. 1) إن محطة «إم. تي. في» هي من أقل المحطات اللبنانيّة معاداة للعدوّ الإسرائيلي ومراسلها في فلسطين المحتلّة (الجندي السابق في جيش العدوّ) يكاد ينهي تقاريره بتحيّة خاصّة من القلب - قلبه هو - لـ«الموساد». وفي كل محطات الصراع المُسلّح وغير المُسلّح مع العدوّ فإن المحطة تضع نفسها دائماً ودوماً في خانة العدوّ باعتراف الكثير من مشاهدي ومشاهدات المحطة. كما ان مالك المحطة (أو واحداً من الأخوة) هو من الخارقين الفخورين لسياسة (وقوانين) مقاطعة العدو (لا بل إن الوقاحة بلغت عنده درجة تبنّي إطلاق اسم «الإرهاب الثقافي» على حملة مقاطعة العدوّ، وهي التسمية نفسها - يا لمحاسن الصدف الفاضحة - التي تطلقها منظمّات الصهاينة في الغرب على حملات مقاطعة العدوّ.
(يغيب عن أذهان الصهاينة العرب والغربيّين ان عدم الاتساق والانسجام سمة في موقفهم لأن المنظمات الصهيونيّة بادرت هي في فرض مقاطعات قاسية وصارمة ضد شعوب ودول إذا كان ذلك في صالح دولة العدوّ واحتلالها). 2) هل المفارقة وحدها ان كلود أبو ناضر الهندي هي نفسها التي كانت تدافع بقوّة عن متهم آخر بالعمالة للعدوّ الإسرائيلي (توفيق الهندي)، والذي أدلى باعترافات تفصيليّة ومحدّدة عن علاقات واتصالات مع العدوّ؟ إن مَن شاهد أو استمع أو قرأ تلك الاعترافات لا يساوره أو يساورها شكّ في صدقيّتها (أي في صدقيّة العمالة)، لكن القضاء اللبناني خاضع للسلطات السياسيّة التي أحياناً تبرّئ العملاء، وأحياناً أخرى ترفعهم إلى مراتب الوزراء والنوّاب ورؤساء الجمهوريّة.
3) ما حكاية اهتمام المحطة هذه، التي «صوفتها حمراء» في موضوع العدوّ الإسرائيلي، بهذه القصّة بين كل القصص؟ لنفترض أن المحطة ترى ان العميل الإسرائيلي المحكوم هذا هو مظلوم، أليس هناك مظلومين آخرين في لبنان؟ هل أفردت المحطة تقريراً خاصّا وطويلاً عن سجن فلسطينيّين في لبنان بسبب جرائم لم يرتكبوها مثلاً؟ 4) ركّزت المحطة في تقريرها الخبيث والمغرض عن أن العميل المحكوم كان ناشطاً في المقاومة الفلسطينيّة وان تاريخه المقاوم يشفع له.
يزعم الحمصي انه اتصل فور عودته من رحلته الآسيويّة بحزب الله
هذا يدفع إلى الاستغراب والاستنكار والريبة: إذا كان غرض المحطة تكريم وتقدير مقاومين في صفوف الثورة الفلسطينيّة، ألم تعثر في كل لبنان إلا على رجل أدين بتهمة العمالة للعدوّ لتكريم المقاومة الفلسطينيّة؟ ومنذ متى تقوم هذه المحطة بالذات بتكريم رموز من المقاومة الفلسطينيّة، هذا لو اعتبرنا ان الحمصي كان مقاوماً بالفعل في صفوف الثورة الفلسطينيّة التي أوت - للأسف الشديد - زعراناً وأوغاداً ومتطفّلين وسارقين ومجرمين وعملاء للعدوّ؟ ألم يقل مظفّر النوّاب ان «الثورة يُزنى فيها»؟ ما سرّ هذه التكريم المفاجئ للمقاومة الفلسطينيّة من قبل محطة تعارض وبشدّة ليس فقط مقاومة حزب الله (اللبنانيّة) المُسلّحة ضد العدوّ، لا بل هي تعارض وبشدّة المعارضة السلميّة (من حركة المقاطعة اللبنانيّة) ضد العدوّ الإسرائيلي.
تبدأ أبو ناضر الهندي (التي تجيد التحدّث بالعربيّة لكن بـ«اللغا اللبنانيّي») تقريرها بتسخيف العمالة والقول إن العمالة (هي عنت الاتهام بالعمالة) يُساء استعمالها. وهذا صحيح، إن كل الأنظمة العربيّة أساءت لقضيّة محاربة عملاء العدوّ الإسرائيلي عبر تسييس الاتهام بالعمالة للعدوّ متى شاءت ولأغراض خاصّة بالنظام (مثل اتهام رستم غزالة لتحسين خيّاط بالعمالة). لكن إن تسييس الاتهام من قبل الأنظمة لا يعني أن ليس هناك عملاء للعدوّ ولا يعني ان هناك عن حق وحقيق عملاء للعدوّ أقرّوا بعمالتهم، أرادت أبو ناضر الهندي والمحطة الإيحاء بأن كل إتهام بالعمالة للعدوّ هو باطل فقط لأن الأنظمة سيّست في مراحل ذلك الاتهام.
من الحسن أن التقرير هو تلفزيوني وليس إذاعي لأن الحمصي يدين نفسه بنفسه ليس فقط بسبب الأكاذيب التي يوردها في سياق التقرير، بل أيضاً لأنه يبدو للمشاهد والمشاهدة كاذباً (ولا يحتاج الأمير للاستعانة بهؤلاء «الخبراء» الذين يظهرون على المحطات ليفسّروا حركات اليدين والقدمين وتقاسيم الوجه من أجل تركيب صورة عن نفسيّة ونيّات الشخص). يقول التقرير إن الحمصي ناضل وقاتل ضد العدوّ الإسرائيلي في صفوف منظمّة «الصاعقة»، لكن التقرير ينسى ان يضيف ان منظمة «الصاعقة» هي كانت أداة - مجرّدة أداة - بيد النظام السوري في لبنان (ذلك النظام الذي يزعم الحمصي أنه قارعه لسنوات). ومن الطريف أن يزعم التقرير (لحسين خريس) أن الحمصي قاتل العدوّ في صفوف هذه المنظمّة بالذات، والتي كانت أقل المنظمّات الفلسطينيّة قاطبة قتالاً للعدوّ لانشغالها بأعمال السرقة والنهب (كان يُلقّب قائدها، زهير محسن، بـ«زهير عجمي» لكثرة ما ارتكب مقاتلوه من سرقات للسجّاد العجمي والنفائس في محلّة القنطاري وغيرها في مرحلة مبكّرة من الحرب الأهليّة عام 1975 - ومحسن هذا مات اغتيالاً في شقته في مدينة كان على الشاطئ اللازوردي، الذي لا يجاور حدود فلسطين المحتلّة حسب الخريطة). ثم إن الذين عرفوا الحمصي في تلك الفترة في البقاع يجمعون على ان الرجل كان معروفاً ليس ببطولاته العسكريّة بل ببطولاته الفوتوغرافيّة.
كان يزرع نفسه امام كل دبّابة أو مدفع كي يلتقط أحدهم صورته مبتسماً تدليلاً على نضالاته - الفوتوغرافيّة. ولو أراد الحمصي ان يزكّي سمعته عبر التذكير بانضوائه في صفوف عصابة «الصاعقة» فقد ساهم في تعكير سمعته لسببيْن: 1) ان المنظمة لم تكن معروفة بقتال العدوّ، و2) عاد الحمصي وزعم في التقرير عينه انه كان مختلفاً مع النظام السوري. هذا كأن يزعم واحدهم انه كان منضوياً في جيش لحد، لكنه كان معارضاً شجاعاً لإسرائيل. إن نشاط الحمصي في منظمّة «الصاعقة» يعطينا صورة عن مفهوم وممارسة النضال عند الرجل.
وطبيعة شخصيّة الحمصي وتنقّلاته غير الإيديولوجيّة (حتى لا نقول الانتهازيّة) وغير المقاوِمة تظهر حتى من خلال الصور التي تظهر في التقرير (ماذا كان دور حسين خريس في التقرير، بالمناسبة؟): هو ساعة مع النظام الليبي وساعة مع النظام السوري وساعة مع النظام العراقي وساعة مع ياسر عرفات وساعة مع «الصاعقة» وساعة مع «جيش لبنان العربي» وساعة مع «رفيق الحريري» وساعة مع مندوبي «الموساد»، هذا من دون الصور التي لم يعرضها لنا على الشاشة في التقرير.
أما عن الأعمال الفدائيّة التي قام بها بطلكم هذا، فهو يورد لنا واحدة فقط. قال إنه «كُلّف» بالقيام بعمليّة فدائيّة في... هولندا. هل هولندا، مثل مدينة «كان» التي كانت مقرّ ومستقرّ قائد منظمّة «الصاعقة»، مجاورة لحدود فلسطين المحتلّة؟ هلا حدّقت بالخريطة؟ عمليّة فدائيّة في هولندا، يا رجل؟ رفقاً بعقولنا، لكن حسناً فعلت لأن كميّة الأكاذيب في الحلقة ساهمت في تعزيز تهمة المحكمة ضد الحمصي. وإذا كانت «الصاعقة» لا تقاتل العدوّ في أرض الاحتلال، فلماذا تقاتله في هولندا؟ ولماذا ليس بلجيكا؟ ليس معروفاً عن هولندا أنها كانت تأوي جيشاً للعدوّ الإسرائيلي لكنها اشتهرت، للأمانة، بـ«الحارة الحمراء» وبمتحفها الشهير عن تاريخ الجنس.
ويستفيض الحمصي في الحديث عن معارضته للنظام السوري، لكن يتساءل المرء: هل كان معارضاً للنظام السوري عندما اختار بين كل الفصائل الفلسطينيّة المتنوّعة، ذلك التنظيم الأداة بيد النظام السوري، أي «الصاعقة»؟ ولماذا لم نسمع ببطولاته ضد النظام السوري في لبنان إلا بعد اتهامه وإدانته بالعمالة للعدوّ الإسرائيلي؟ أم ان سيرته الذاتية تتعرّض لتنقيح من أجل تبييض صفحته بعد ان اتسخت بالكامل، وبجدارة يحسدها عليها العميل المحكوم الآخر، فايز كرم؟
وتستمرّ أكاذيب الحمصي (ولم يكلّف حسين خريس في التقرير عناء التحقّق من الحقائق والوقائع بل ان تقريره كان مجرّد سرد لمزاعم وأكاذيب الحمصي من دون تعليق أو تفنيد أو ردّ أو دحض، في مخالفة لأبسط مبادئ التحقيق الصحافي) فيقول إنه خاض معارك «ضارية» ضد جيش العدوّ في عام 1982 في صفوف «جيش لبنان العربي» بينما لم يكن هناك «جيش لبنان العربي» في ذلك التاريخ لأن النظام السوري واللبناني كان قد حلّه، واعتقل قائده البطل، الراحل أحمد الخطيب، بعد التدخّل العسكري السوري في لبنان. صحيح، لقد أبقى النظام على أداة له باسم «طلائع جيش لبنان العربي» في منطقة البقاع، ويبدو ان صاحبكم أراد التعمية عن قصد كي يضلّل المشاهد والمشاهدة. (لكن يجب التنويه ببطولات الحمصي الفوتوغرافيّة إذ انه له عدد لافت من الصور يستعرض فيها امام الكاميرات - لعلّ ذلك هواية بريئة، ما علينا).
ثم يتعرّض الحمصي لموضوع انتخابه في رئاسة بلديّة سعدنايل. هنا اللافت: هو مثله مثل كل نائب ومختار ورئيس بلديّة في حقبة النفوذ السوري، يزعم ان النظام السوري كان ضدّه. ما هذا يا جماعة؟ هل كان النظام السوري ومخابراته العاملة في لبنان ديمقراطيّاً ومتساهلاً إلى درجة أن كل من عمل نائباً ووزيراً في تلك الحقبة يزعم اليوم انه أتى «ضد إرادة النظام»؟ أي أن النظام السوري سمح لكل منتقديه ومعارضيه بالفوز بالانتخابات؟ لكن هذه كذبة سائدة في أوساط الذين استفاقوا على معارضة النظام السوري بعد خروج جيشه: هم من ناحية يقولون ان النظام السوري كان يقرّر كل شيء وأنه كان يأتي بمن يشاء حتى في «المخترة»، ومن ناحية أخرى يقولون انهم أتوا رغم انف النظام السوري إلى هذا المنصب أو ذاك. هذه معادلة لا تستقيم بالمنطق إلا إذا كانت المخابرات السوريّة في لبنان على شاكلة منظمّة خيريّة سويديّة؟
ويصل الحمصي إلى موضوع اتصاله بالعدوّ (وهو يصف العدوّ الإسرائيلي الذي عمل لصالحه بـ«العدوّ» مثلما يصف أركان في 14 آذار، من الذين تلقّوا تدريبات ومعونات من العدوّ، إسرائيل بـ«العدوّ» لأن الوصف يحصّن المرء ضد العمالة - أو هكذا قرّرت ثقافة 14 آذار المُعينة للعدوّ خير إعانة منذ تأسيسها). ويقول الحمصي في حديثه عن رجال «الموساد» الذي التقى بهم إن الرجل الذي حدّثه عن مبلغ كبير من المال مقابل العثور على مفقودين لجيش العدوّ أصرّ عليه لمدّة ثلاثة أيّام لقبول العرض. أي ان مدة ثلاثة أيّأم كانت كافيه له لخدمة العدوّ - مقابل مبلغ كبير من المال طبعاً (مع أنه في موقع آخر من التقرير يضع خدماته للعدوّ في خانة العمل القومي المقاوِم).
ويزعم الحمصي انه اتصل فور عودته من رحلته الآسيويّة بحزب الله (من خلال إسماعيل سكريّة) وذلك لتقديم خدمات مجانيّة للحزب لأنه كان يدير الصراع ضد العدوّ. لكن إذا كان الحمصي «مقاوم النيّة» ويؤيّد مقاومة الحزب، كما زعم، فلماذا كان منضوياً في الفريق الذي كان ولا يزال معارضاً بشراسة لأية مقاومة ضد العدوّ؟ كيف تفسّر ذلك؟ وهل صحيح ان الحمصي اتصل بالحزب من أجل ان يروي قصة عمالته أم أنه كان مكلّفاً بمهمّة تجسسيّة ضد حزب الله من قبل مُشغّليه الموساديّين؟
ويقول إن تقريره لوسام الحسن عن رحلاته البريئة (بنظره هو) تضمّن استعداده للتطوّع في المسير مع «الموساد» لأسباب وطنيّة طبعاً، لأن «فرع المعلومات» معروف عنه مقارعة العدوّ الإسرائيلي حول العالم من ثكنة مرجعيون إلى نيويورك. ويعترف زياد الحمصي أنه وافق على خدمة العدوّ مقابل ملايين الدورلات لكن من أجل «غاية نبيلة» كما تقول لنا كلود أبو ناضر الهندي. ويصبح سعي الحمصي للعثور على جثث جنود العدوّ مشروعاً وطنيّاً بالنسبة له. لكن هناك ما هو مشبوه في التقرير: يتحدّث الحمصي عن العربي «جورج عطّار»، المُشغّل الموسادي الذي كان يتحدّث العربيّة، لكنه لا يعرض لنا صورة له مع أنه عرض لنا صوره العديدة من بكين وتايلند وغيرها. هل كان ذلك حماية لـ«المُشغل» حتى هذه اللحظة، مع ان التقرير أشار إلى ان الحمصي يلتقط الصور أينما يرحل، خصوصاً للاستعراض المُسلّح؟ لكن الحمصي يعترف انه قال لرجال الموساد ان لا مانع لديه من التعامل معهم حتى لو كانوا يهود (أي عملاء إسرائيليّين لـ«الموساد»).
لم يلتزم التقرير أدنى المعايير المهنيّة. لم يتضمّن التقرير شهادة ناقد أو معارض واحد للحمصي، ولا حتى عرضاً سريعاً لما تسرّب إلى الصحف من اعترافاته ومن وثائق المحكمة التي دانته. أكثر من ذلك، لم يرد في التقرير الكثير من مضمون المحاكمة الذي يكذّب ما أورده الحمصي. لم يذكر التقرير مثلاً ان الحمصي كان يزور عدداً من الدول العربيّة في حقبة صداقته مع «الموساد» (لأداء الواجب القومي طبعاً). لم يرد في التقرير ان الحمصي وباعترافه تلقّى أموالاً من «الموساد» (لغايات قوميّة طبعاً) وأنه تلقّى منه أيضاً أجهزة الكترونيّة خبّأها في أماكن سريّة، وبإعترافه. صمت الحمصي طويلاً بعد إطلاق سراحه، وبعد عراضة محاميه نقولا فتّوش احتفاء بالإفراج عنه وكأنه عاد من أرض الوغى في فلسطين، وعاد إلينا برواية انه كان يعمل لصالح العدوّ لكن لغايات قوميّة. هذا يذكّر بقصّة مصطفى أمين (الذي اعترفت الولايات المتحدة على الأقل بلسان سفير سابق لها وبلسان تاريخ شبه رسمي لوكالة المخابرات الأميركيّة، أنه كان بالفعل عميلاً لها) الذي بعد أن فضح النظام المصري امره، زعم فيما كتبه انه كان يتصل بالمخابرات الأميركيّة بعلم جمال عبد الناصر ولخدمة القضايا القوميّة الكبرى.
من اللافت ان الحمصي سرق حجّة أو دفاعاً أميناً. لكن «فرع المعلومات» كذّب رواية الحمصي كما ان التقرير الصادر عن قوى الأمن (والذي أورد التقرير جملة واحدة منه) لا يقول ما قال عنه الحمصي، حتى من خلال قراءة ما قبل وما بعد الجملة الظاهرة في الصورة. ولماذا لم يُرد التقرير ان الحمصي أصدر مجلّة باسم «الإرادة»، وبتمويل من العدوّ. لماذا لم يذكر التقرير ذلك؟
أما عن اتصاله باسماعيل سكريّة وبفرع الملعومات، فإن التقاير الصحافيّة المنشورة أوردت غير ما زعمه الحمصي. لم يكن العدوّ يريد فقط معلومات حول جثث إرهابيّي (حوّل الحمصي الموضوع إلى قضيّة إنسانيّة بينما هناك الآلاف من المفقودين الأبطال من اللبنانيّين والفلسطينيّين في أنحاء مختلفة في لبنان، لكن الحمصي «القومي» لم يكلّف نفسه عناء البحث بنفسه عن أماكن وجود المفقودين او جثثهم). أوردت الصحف ان العدوّ كلّف الحمصي في أمور أخرى وأنه كان يحاول ان يصل إلى شخص الأمين العام لحزب الله نفسه، وبتكليف من العدوّ. كما أنّ الحمصي (الذي زعم انه كان يريد خدمة الجهة التي تدير مقاومة العدوّ في لبنان، أي حزب الله) كان بعد أن تلقّى المبالغ الماليّة من «الموساد»، شنّ حملات قويّة في مجلّته ضد حزب الله: فكيف يريد ان يخدم المقاومة فيما كان يشنّ ضدها اشنع الحملات من صفحات مجلّته تلك؟
ولقد أورد الزميل عفيف دياب في «الأخبار» في مقالة له عن الحمصي انه كتب في عدد حزيران 1997 من مجلّة «الإرادة»، مقالة بعنوان «لماذا يخون المواطن العربي وطنه؟» وكأنه تسويغ ذاتي لفعلته الشنيعة. وفيها يقول: «إن معالجة تفشّي ظاهرة الخيانة في الجسم العربي تتطلّب إضافة إلى ذلك النفاذ إلى أعماق الذات الإنسانيّة للخائن الشخص... إنّ الذات التي أخذت قرارها في السقوط في جحيم الخيانة لا ترتكب فعل الخيانة لأسباب ماديّة أو حتى لأسباب عقيديّة فقط، قد يكون هذا قائماً بالفعل ومن الأسباب المتراكمة في ذهنيّة الخائن وباطن تفكيره».
ولمّحت كلود أبو ناضر الهندي في نهاية التقرير إلى مسؤوليّة النظام السوري وكأن النظام السوري كان لا يزال مسيطراً في لبنان عندما اعتقل الحمصي: اختلط عليها الأمر، ربما، بين قضيّة توفيق الهندي وبين قضيّة زياد الحمصي، والتشابه في الاتهام. جهدت أبو ناضر الهندي في تبرئة ذمّة المُدان الحمصي وأختارت ان تنهي التقرير بصورة للحمصي مع رفيق الحريري، الذي استضاف في قصره في جنيف على مدّة أشهر، واحد من جزّاري صبرا وشاتيلا، أعني إيلي حبيقة، والذي ساهم مع حلفائه في النظام السوري في إنعاش ونفض ثوب العمالة الإسرائيليّة عنه، لا بل حوّله إلى وطني ممانع. لا، لن تنقذ زياد الحمصي صورة رفيق الحريري، ولن تنقذ محطة متهمة (من دون إدانة في بلد ينأى بنفسه عن إدانة عملاء العدوّ، وفي دولة تقوم فيها أليس شبطيني بدور القاضي) بخدمة العدوّ سمعة زياد الحمصي. أما عن تاريخ الحمصي، وتقويم تاريخه فهذا قد يختلف بين رأي وآخر، ولكنه لا ينقذ حاضر الحمصي، لا بل يدينه لما يورد فيه من مزاعم وبطولات وهميّة وتناقضات صارخة. الكثير من عملاء العدوّ كانوا جنوداً في الجيوش العربيّة وبعضهم كان مقاوماً. أما الحمصي فهو كان ناشطاً في منظمّة أداة بيد النظام السوري، واغتيل قائده في ساحة النضال في مدينة كان.
يمكن للحمصي أن يطلب الغفران ويمكن له ان يثبت ندمه على فعلته الشنيعة بأن يتناول أقرب مسدّس إليه وأن يطلق رصاصة واحدة (أو اثنتيْن) على عميل للعدوّ الإسرائيلي يجلس على كرسيّه. فهل يجرؤ؟..
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه