25-11-2024 07:40 PM بتوقيت القدس المحتلة

الـيـمـن في لعبة الأمم

الـيـمـن في لعبة الأمم

ان الحالةَ الـيَـمَـنيةَ ولعُقُود طويلة تأثرت ولا تزالُ بصراع المحاور الدولية التي شهدها العالمُ إبَّانَ الحرب الباردة وما بعدَها، وكان بالإمكان إنجازُ الوَحدة الـيَـمَـنية...

عبدالله علي صبري

بغَضِّ النظرِ عن الموقف الحَذِرِ إزاءَ نظرية المؤامرة يمكنُ القولُ: إنَّ الحالةَ الـيَـمَـنيةَ ولعُقُود طويلة تأثرت ولا تزالُ بصراع المحاور الدولية التي شهدها العالمُ إبَّانَ الحرب الباردة وما بعدَها، وكان بالإمكان إنجازُ الوَحدة الـيَـمَـنية بُعَيْدَ استقلالِ الجنوب لولا أَن صنعاءَ وعدن انقسمتا على المعسكرَين الكبيرَين بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً والولايات المتحدة الأَمريكية، لذا لم يكن مستغرَباً أَن يؤديَ انهيارُ المعسكر الاشتراكي إلَى استعادة الوَحدة الـيَـمَـنية بصيغتها المعلَنة في 22 مايو 1990م.

اليومَ وفي ظلِّ نظام عالمي يتخلَّقُ باتجاه "تعدُّدية الأقطاب" تسارِعُ المحاورُ الإقليمية إلَى إعادة التموضُع وفقاً لحسابات الربح والخسارة، وبناءً على مُعطيات حَكَمَت الصراعَ الدوليَّ الذي اتخذ من "الشرق الأوسط" خلالَ العقدَين الماضيَّين مسرحاً لحروبٍ ملتبسة ومتداخلة تصدَّرَتها عناوينُ ومصطلحاتٌ سياسية مضللة من قبيل: صراع الحضارات، نهاية التَـأْريخ، الفوضى الخلَّاقة، وصياغة "الشرق الأوسط الكبير".

وإذا أعلنت واشنطن بُعَيْـدَ أحداثِ سبتمبر 2001م الحربَ على دول "محور الشر" وُصُولاً إلَى العراق وأفغانستان، فإن كثيراً من دول المنطقة قد استجابت للمخطط الأَمريكي وانخرطت في محور "الاعتدال/ الاعتلال العربي"، بينما اصطفت إيرَانُ وسوريا إلَى جانب تنظيمات المقاومة في فلسطين ولبنان لتشكِّلَ جميعُها محوراً فعَّالاً في مواجَهة المشروع الصهيوأَمريكي الذي لا يزالُ يعمَلُ باتجاه تفكيك دول المنطقة وإذكاء الصراع الإثني والطائفي بين شعوبها، مستثمراً ما يسمى بالحرب على الإرهاب، ومستغلاً ثوراتِ وانتفاضاتِ الشعوب، ومستفيداً من أنظمة عربية جُلُّ هَمِّها أَن تبقى في السلطة مهما قدَّمت من تنازلاتٍ لدول الهيمنة على حسَاب القضية الفلسطينية ومشروع النهوض العربي.

في الخضم دفعت الـيَـمَـنُ ولا تزالُ أثماناً باهظةً نتيجةَ الصراع الدولي وتداخُلِ المحاور الإقليمية من حولها، وضَاعَفَ من خسارتها افتقارُها إلَى سياسة خارجية رشيدة ومتوازنة تفقَهُ المتغيرات، وتتخذُ القراراتِ المدروسةَ بعيداً عن الانحيازات المشخصَنة، التي طبعت علاقاتِ الـيَـمَـن بجيرانها وبمحيطها الإقليمي والدولي. وللتذكير فقط ما تزالُ الـيَـمَـنُ تدفعُ ثمنَ انحيازها إلَى نظام صدام حسين، إبان احتلاله لدولة الكويت، وعندما حاوَلَ النظامُ السابقُ ترميمَ علاقاتِه بدول الجوار، فقد توصّل مع السعودية مثلاً إلَى اتفاقية بشأن الحدود وبثمَنٍ بخس.

في حُرُوب صعدةَ الستِّ بلغت الخارجيةُ الـيَـمَـنية ذروَةَ تخبُّطها، حيث وزّعت الاتهاماتِ على الدوَل يميناً وشمالاً، وفي ظلِّ الحرب الأَمريكية على ما يسمى الإرهاب سارعت صنعاءُ إلَى تقديم كـُـلِّ التسهيلات للإدارة الأَمريكية وتمَادَت في انبطاحها إلَى أَن سمَحت للطيران الأَمريكي بانتهاك السيادة وإزهاق أرواح الـيَـمَـنيين بدمٍ باردٍ!!.

ورغم أَن ثورةَ 2011م كان بإمكانها إعادةُ النظر في علاقاتِ الـيَـمَـن الخارجية إلا أنها انساقت وراءَ الطُّعْم الدولي الذي عَمِدَ إلَى تمييعِ ثورة الشعب عبرَ المبادَرة الخليجية، ودخلت الـيَـمَـنُ ولا تزالُ تحتَ رعاية الدول العشر، التي لم تكتفِ بانبطاح القيادة السياسية، بل أوصلت الـيَـمَـنَ أَيضاً ولأول مرة في تَـأْريخه إلَى فَخِّ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتهديد باستخدام القوة تحتَ أَيِّ طرف كان تحتَ ذريعة إعاقة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

ما حدث في 21 سبتمبر 2014م قد يساعدُ على تصحيح الاختلال في علاقات الـيَـمَـن الخارجية خَاصَّـة وَأَن مخرجاتِ الحوار ذاتَها قد أكَّدت على ضرورة انفتاح الـيَـمَـن على مختلف الدول والمحاور، في إطار متوازن، وبما يحقِّقُ المصلحةَ الوطنية العُليا.. وإذا كان محورُ المقاومة قد هَلَّلَ لانتصار ثورة الشعب الثانية، فإنَّ دولَ المحور الأَمريكي/ السعودي قد أعلنت أَنَّ أيديَها لن تظلَّ مكتوفةً.. وهذا يعني أَن على الـيَـمَـن التي لم تكُنْ يوماً بمنأىً عن لُعبة الأمم أَن تدرُسَ خطواتِها المستقبليةَ في إطار العلاقةِ بالخارجِ بعيداً عن الانفعالاتِ اللحظيةِ التي ما زلنا نكابِدُ تبعاتِها حتى اليوم.

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه