هذا الإعلان ليس نكتة يجري تداولها، إنما هو إعلان حقيقي يجري الترويج له عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وتمثل هذه التجارة آخر صرعة من صرعات تجار الحرب السورية.
«شهادات جامعية سورية للبيع». ظاهرة جديدة انتشرت في المناطق الحدودية التركية، حيث لاقت رواجاً كبيراً لدى عدد من السوريين الراغبين في الهجرة إلى الدول الأوروبية.
فراس الهكار/ جريدة الأخبار
«جديدنا هذا العام: شهادات هندسة. شهادات حقوق واقتصاد وأدب عربي. شهادات طب وصيدلة للطلاب الذين لم يتمكنوا من إكمال دراستهم في هذين الفرعين، بشرط أن يكون الطالب قد بلغ السنة السادسة في دراسته. فرع خاص لبيع شهادات الثانوية العامة بكافة فروعها».
هذا الإعلان ليس نكتة يجري تداولها، إنما هو إعلان حقيقي يجري الترويج له عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وتمثل هذه التجارة آخر صرعة من صرعات تجار الحرب السورية.
يروي أبو اليمان، وهو من مؤسسي صفحة ترويجية لبيع الشهادات الجامعية، لـ«الأخبار»: «طلعنا من مدينة حلب بسبب ظروف الحرب، فكرنا أنو الحرب رح تخلص بسنة أو سنتين ونرجع لبيوتنا، وقت شفنا إنها مطولة صرنا نفكر بالهجرة إلى أوروبا، وهذا يحتاج إلى مبلغ كبير ومن هون ظهرت الفكرة». إن تأمين مبلغ عشرة آلاف دولار للهجرة إلى أوروبا ليس بالأمر اليسير، إلا في حال كسبه عبر تجارات مشبوهة ومربحة معاً، ولا يرى أبو اليمان أي مشكلة قانونية أو أخلاقية في ذلك «ما دامت الشهادات تستخدم في الخارج».
«شهادات سورية للبيع»، هكذا انتشرت أكشاك العلم عند الحدود السورية ـ التركية. ويُعد «كشك جامعة حلب» الأشهر على الإطلاق، لما يُقدمه من تسهيلات للراغبين بالحصول على إجازة جامعية. لاقت التجارة رواجاً كبيراً بين الشباب السوريين، ويعرض التجار نماذج حقيقية لشهادات على شبكات التواصل الاجتماعي، بيعت لمهاجرين سوريين غادروا إلى أوروبا، وإلى الدول الاسكندنافية، واستفادوا منها في تسريع الحصول على الإقامة في تلك البلدان.
يُضيف أبو اليمان: «لم يتمكن معظم الطلاب من إكمال دراستهم وهم لاجئون، لذلك لا أجد أي مشكلة في مساعدتهم للحصول على شهادات تؤهلهم للعيش في أوروبا، هم لن يعملوا بشهاداتهم، لكنهم يستفيدون منها بأمور أخرى، كتسهيل الحصول على الإقامة».
تراوح كلفة الشهادة بين ألف وخمسمئة دولار للفروع الأدبية، وحوالى ألفين وخمسمئة للفروع العلمية، فيما تعد شهادات الثانوية العامة الأرخص، حيث لا يتجاوز سعرها ستمئة دولار، ويستطيع الزبون شراء شهادة ثانوية مُستصدرة في وقت سابق، وأخرى جامعية بتاريخ آخر يتناسب مع فرع دراسته وتاريخ حصوله على الشهادة الثانوية.
في حديث إلى «الأخبار»، يبرّر أحد الطلاب المستفيدين من تلك الشهادات الأمر، وقد رفض الإفصاح عن اسمه، بالقول «حين يتوقف تخرجك على مادة واحدة في إحدى الجامعات السورية، وتتوقف حياتك كلها بسبب حرب لم يكن لك فيها أي دور سوى أنك ضحية، يُصبح الإحباط رفيقك اليومي من لحظة اضطرارك لمغادرة وطنك، هرباً من الخدمة العسكرية، إلى لحظة انعدام الحيلة في بلد اللجوء»، إلا أن الطالب يستنكر، في الوقت ذاته، حصول أي شخص على شهادة جامعية، فهو يرى أنه «يجب ألا يحصل على الشهادة سوى من يثبت أنه كان في سنوات دراسته الأخيرة، وتوقف حلم تخرجه بسبب ظروف الحرب». هذا الكلام لا معنى له في قواميس أبو اليمان وبقية الشركاء، لأن اللغة الوحيدة التي تحكم الأفعال هنا هي لغة الثروة.
استفاد سوريون كُثر من تلك العروضات التجارية، بل حتى من المضاربات في الأسعار بين التجار، ولم يعد يكلف الحصول على شهادة جامعية سوى دردشة بسيطة عبر برنامج «واتساب» مع التجار الذين لم يخفوا أرقامهم التركية، إنما أرفقوها بإعلاناتهم لإمكانية التواصل والاتفاق على الاستلام والتسليم. ولم يقتصر الأمر على الدول الأوروبية بل حصل عدد كبير من السوريين في لبنان، وفي دول الخليج على شهادات جامعية، ولكن لم يثبت أنهم استخدموها بعد، خوفاً من التنسيق والتواصل القائم بين الجهات الحكومية السورية وحكومات الدول العربية، بموجب اتفاقيات موقعة بينهم سابقاً.
وجهة نظر القانون
بشأن تعاطي القانون السوري مع هذه القضايا، يقول المحامي عبد الرحمن العالول لـ«الأخبار»: «تندرج هذه الجناية تحت مسمى تزوير وثائق رسمية، ويمكن أيضاً أن تشمل تزوير أختام رسمية بما أن الشهادات مختومة بأختام الجامعات، ووزارتي التعليم العالي والخارجية السورية، وتراوح عقوبتها بين 7 سنوات إلى 15 سنة وفق أحكام القانون السوري». ويضيف أنه «يحق للدولة ملاحقة مرتكبي الفعل أينما كانوا في حال اكتشاف الجرم بأي بلد».
ويتابع المحامي أنه «بموجب العديد من المعاهدات والاتفاقيات القضائية الموقعة بين الدول، تلتزم الدول الأعضاء الكشف عن هذه الجرائم، وهذا يحتم عليها إبلاغ السلطات الرسمية للدولة السورية، وتسلم الدولة الشخص المتهم بمثل هذه الاعمال ليُصار تقديمه إلى القضاء المختص».
«علامات ذكية»
إن ظاهرة تزوير الشهادات قديمة نسبياً في سوريا، وقد لاقت رواجاً في عام 2002، وكانت تُجرى عبر شبكات للتزوير والمتاجرة بين سوريا ولبنان والسعودية، إلا أنها كانت سرية جدا، وضُبط عشرات المروجين لها وأُلقي القبض عليهم، إضافة إلى مئات الشهادات التي كانت تخضع لرقابة صارمة في وزارة التعليم العالي، لأنها كانت تستخدم في الداخل السوري. وقد تمكنت رئاسة «جامعة دمشق» بالتعاون مع الجهات المختصة من ضبط عصابة لتزوير الشهادات الجامعية، إضافة إلى العديد من الوثائق الرسمية في نيسان الماضي من هذا العام.
وأكدت رئاسة الجامعة في بيان لها ازدياد نسبة تزوير الشهادات الجامعية على نحو ملحوظ، وأشار البيان إلى أنه «سيجري قريباً تطبيق عملية منع تزوير الشهادات والمصدقات عبر تقنيات ووسائل حديثة، بالتعاون مع جهات متخصصة عالمية لها خبرة في مكافحة التزوير، عن طريق «العلامات الذكية» التي يجري من خلالها منع وتلافي أي حالات تزوير، مهما كانت الجودة أو دقة التزوير...».