وأكّد سماحته ضرورة تفعيل الوحدة بين المسلمين وتعزيزها، لأنها تمثل عنصر خلاصهم وقوتهم في وجه من يريد تخريب هذا الواقع، وإسقاط كل عناصر القوة فيه
دعا العلامة السيد علي فضل الله، إلى أن يكون يوم الغدير مناسبةً لتأكيد الوحدة الإسلامية وحماية الإسلام، وفقاً للمنهج الّذي كرّسه الإمام عليّ(ع)، مشدّداً على ضرورة العمل للدفاع عن صورة الإسلام التي تُشوَّه في هذه الأيام، بسبب الجماعات التي تمارس القتل والذبح باسمه زوراً.
جاء ذلك في احتفال أقامه المعهد الشّرعيّ الإسلاميّ، برعاية سماحته، لمناسبة يوم الغدير، في قاعة المعهد في حارة حريك، بحضور عددٍ من العلماء، وأساتذة المعهد وطلابه.
استهلّ الحفل بآيات من القرآن الكريم، ثم كلمة المعهد ألقاها الشيخ زهير قوصان، تلاها كلمة السيد فضل الله الذي قال: "عندما نحيي هذا اليوم العزيز، فإنَّنا ننطلق في إحيائه من منطلقات إسلاميّة، لتأكيد الحرص على الوحدة الإسلاميّة، ولأنَّ هذا اليوم يربطنا برسول الله(ص)، وبهذه المسيرة، وبهذا الدين، بعيداً عن أيّ بعد مذهبيّ أو طائفيّ، أو استحضار للتاريخ وأحداثه".
وأضاف: "لقد أكمل رسول الله هذا الدين، وأتمّ النّعم، ولم يغادر هذه الحياة إلا بعد أن اطمأنّ على المسيرة الّتي انطلق فيها وجاهد من أجلها، ولم يتركها من دون تركيز دعائمها وتثبيت قواعدها، لأنَّه كان يدرك حجم التحديات والمخاطر التي ستواجه الإسلام بعد موته، من قبل المنافقين الذين كانوا يتربَّصون أيّ فرصة للنفاذ منها، كذلك القوى المحيطة بالعرب، من فرس وروم، التي كانت تريد إسقاط هذا الدين، إضافةً إلى بقايا الشرك".
وتابع سماحته: "عندما نحتفل بهذا اليوم، فإننا نجدّد العهد والولاء لرسول الله(ص)، في حفظ هذا الدين وإبقائه قوياً عزيزاً، وهذه هي الصّورة التي عمل لها الإمام علي(ع) وجاهد من أجلها، فتحمّل المسؤولية بالرغم من أنَّ الظروف التي حصلت بعد وفاة الرسول، حالت دون استلامه الخلافة مباشرة، ولكنَّ هذا الأمر لم يثنه عن العمل على تقوية الإسلام، وتقديم النصح والإرشاد لمن يحكم، حيث كان الجميع يرجع إليه، فكان يُسدّد ويضبط المسار، ويعتبر قيمة الخلافة بمقدار ما يقيم الإنسان حقاً ويُسقط باطلاً، فكان همه حفظ وصية رسول الله بالحفاظ على الإسلام وتقويته، ورفد هذه المسيرة بكل ما يساعدها على التصدي لكلّ التحديات التي واجهت الإسلام، انطلاقاً من قوله "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين" ، فهو لم يقلها ضعفاً أو خوفاً، لكن لشعوره بالأخطار التي تتهدَّد الإسلام والمسلمين، والتحديات الكثيرة التي ستواجهه وتحاول منعه من الانتشار والحكم".
وأردف قائلاً: "ما قام به الإمام(ع) يمثّل قمّة المسؤوليّة الرساليّة التي تفترض بنا جميعاً كمسلمين الاقتداء به، والعمل بهذا المنهج الذي رسمه لنا، ولا سيما أننا نعيش في ظل واقع إسلامي مضطرب، تعصف فيه رياح الفتن والحروب والفوضى والقتل تحت عناوين مذهبية وطائفية وعرقية وقومية، حتى بات المسلمون يستعينون بالمستكبرين لمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب".
وأكّد سماحته ضرورة تفعيل الوحدة بين المسلمين وتعزيزها، لأنها تمثل عنصر خلاصهم وقوتهم في وجه من يريد تخريب هذا الواقع، وإسقاط كل عناصر القوة فيه، وإدخالهم في أتون الفتن والحروب، وصولاً إلى تدمير الإسلام كدين رسالة ومحبة وتسامح، وإلصاق تهم الإرهاب والقتل والذبح به، من أجل تشويه صورته النقية.
وتوجَّه إلى طلاب المعهد قائلاً: "عليكم مسؤولية كبيرة في الحفاظ على جوهر هذا الدين وصفائه، وإبعاد كلّ ما لحق به من غلو وتطرف وخرافة وإرهاب. لسنا دعاة تغيير من أجل التغيير، ولسنا من دعاة إثارة التساؤلات، ولكنَّ مسؤوليتنا الشرعيَّة تتطلّب منا أن نكون أمناء في حفظ هذا الدين وتنقيته من كل الشوائب التي علقت به عبر هذا التاريخ. لذلك، عليكم أن تكونوا باحثين لا ناقلين، وأن تعملوا على الجمع بين العلم والدين، والاستفادة من كل وسائل البحث، حتى تستطيعوا أن تصلوا إلى الحقيقة. وعندما ندخل من أبواب العلم، ونتحرك من خلاله، نستطيع أن نواجه كلّ التحديات المعاصرة التي تواجه الدين، وترمي إلى إسقاطه أمام الأجيال الحالية والقادمة، لدفعها باتجاه الإلحاد والانحراف، وإبعادها عن هموم قضايا الأمة وما تواجهه من تحديات".
وختم سماحته بالقول: "علينا مواجهة هذا التطرف، ليس بالعمل العسكري والأمني فحسب، بل بالعمل الفكري والثقافي أيضاً، لأنَّ القائمين عليه يحاولون أن يرتكزوا في أعمالهم الوحشية على مفاهيم إسلامية وتأويلات يعطونها بعداً إسلامياً، من أجل نشر أفكارهم وطروحاتهم، ولا سيما بين جيل الشباب، ما أدى إلى تشويه صورة هذا الدين، من خلال عمليات القتل والذبح الّتي قاموا بها، الأمر الذي يستدعي تحركات إعلامية وثقافية، والاستفادة من كلّ وسائل التواصل الاجتماعي، للدفاع عن الإسلام وتقديمه بصورته الحقيقية".