حسناً. غارات وضربات يومية على «مواقع وأهداف» في «أطراف» المدن. طائرات «التحالف الدولي» تستبيح سماء سوريا والعراق بلا جدوى. عين العرب (كوباني) السورية
تكتيكات قديمة تقوي الطرف الآخر.. وخسائر مادية هائلة
علي شقير
حسناً. غارات وضربات يومية على «مواقع وأهداف» في «أطراف» المدن. طائرات «التحالف الدولي» تستبيح سماء سوريا والعراق بلا جدوى. عين العرب (كوباني) السورية، بالقرب من الحدود التركية، لم تُسعف، وهي ما زالت تقاتل في انتظار المصير. وفي الجنوب الشرقي، أصبح مقاتلو «داعش» على بعد أميال قليلة من بغداد، ويهددون بتعزيز سيطرتهم على محافظة الأنبار، و«الخلافة» لا تزال سليمة باستراتيجيا واضحة، وقواتها «باقية وتتمدد».
إذاً، لا صدمة ولا خوف ولا تغيير في التوازن الاستراتيجي. ومن الواضح حتى الآن، أن الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فاشلة.
تقول صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، إن الرئيس باراك أوباما «كان متردداً لسبب وجيه بشأن المشاركة في الحرب السورية، أو تجديد التورط العسكري الأميركي في العراق. واستراتيجيته بالقيام بالضربات الجوية فقط تعكس هذا الحذر. ولكن النتائج حتى الآن تشير إلى أن الرئيس، قد يكون لا يزال يتبع غرائزه الأصلية، ويريد البقاء خارج الصراع».
وقبل ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يوم الأحد الماضي تحديداً، رداً على سؤال في مؤتمر في القاهرة حول الوضع اليائس في عين العرب، إن هذه المدينة لا «تحدد» استراتيجيا التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش»، وأضاف أن «التركيز لا يزال أولاً على العراق».
لكن في العراق، سيطر «داعش» على أراض جديدة، وعزز مكاسبه السابقة، ناهيك بالتخطيط للسيطرة على المدن الرئيسية في محافظة الأنبار، مثل الفلوجة والرمادي، والهجمات في أبو غريب على مشارف بغداد.
أوباما كان يعلم منذ البداية بأن هذه المشاكل، وغيرها، في العراق وسوريا هي سياسية أساساً، وبالتالي لا يمكن حلها من خلال العمل العسكري وحده، ولذلك، لا بد من التساؤل مرة أخرى: ما هي الإنجازات التي يمكن أن تحققها الغارات؟
لماذ الفشل؟
يواصل «داعش» ضم الأراضي. منذ شهر ونصف الشهر، وبرغم القصف الجوي، قدرات التنظيم لا تبدو في حالة تقهقر أو تراجع، بل على العكس، يبدو أكثر قوة، حتى كاد العالم يقول إنه من غير الممكن القضاء عليه، إلا في حالة التدخل البري ربما.
ويبدو أيضاً أن التحالف أصبح مشلولاً جراء عدم فعالية الغارات، مع الانخراط العسكري «المتذبذب» لتركيا الذي سببه رغبتها في تحقيق مكاسب في شمال سوريا.
أضف إلى ذلك، أن «جبهة النصرة» أوقفت منذ أيلول الماضي هجماتها ضد «داعش»، ما يجعل هذه المصالحة تصب في خانة الدعم.
أسباب عدة تكمن وراء عدم فعالية هذه الضربات. أولها، أن التحليل لمجموع المعلومات التي وفرتها وزارة الدفاع الأميركية، وكذلك المنظمات ومعاهد الدراسات، حول نتائج هذه الضربات على الميدان، يشير إلى أنه ما بين الثامن من آب الماضي والسادس من تشرين الأول الحالي، نفذت على الأقل 250 ضربة جوية في العراق و90 في سوريا.
وبحسب صحيفة «لو نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، فإن هذه الضربات واقعياً، لا تدمر إلا المعدات والمباني البعيدة عن المراكز الحضرية وأساطيل السيارات. كما أن اختلاط «الجهاديين» مع السكان يجعل «التحالف» غير متيقن من القوة التدميرية للصواريخ التي تلقى، ما يجعل الصور التي يتم نشرها في الإعلام غير موثوق بها.
ثانياً، وبطبيعة الحال يتم استهداف المراكز الحيوية لـ«داعش» في الرقة ودير الزور في سوريا، أو الموصل وسنجار وحديثة والفلوجة في العراق، والعديد من المواقع التي هي تحت سيطرة «داعش» منذ أشهر. ولكن ما يقارب 30 في المئة من عمليات القصف التي يقوم بها الطيران الأميركي تستهدف أحياء أربيل وكركوك وأمرلي وبغداد، هذه المدن التي لا تسيطر عليها «داعش».
ثالثاً، معظم الخرائط التي يتم نشرها في المجلات الفرنسية والأميركية لتوضيح الرؤية للرأي العام حول المناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتشدد، هي خاطئة. فهي غالباً ما تقدم المناطق ذات الصلة بسيطرة «داعش» تحت ثلاثة مسميات:
«المناطق تحت سيطرة داعش»، والتي يتم رسمها في شكل خطوط رقيقة مثل بيت العنكبوت، و«المناطق التي تتعرض للهجمات المتكررة من داعش»، و«المناطق التي يدعمها داعش». ولكن كل هذه المناطق هي في الأخير تحت التنظيم دون غيره.
وعلى هذا الاساس، يمكن القول إن «المناطق التي يدعمها داعش» هي في الحقيقة «خزان من الأراضي» يتم ضمها في كل وقت من طرف هذا التنظيم، ورسم هذه الأراضي على أنها مساحات فارغة لا تنتمي لا إلى بغداد ولا إلى الولايات المتحدة، هو تزييف للحقائق لأنه على الميدان هذه الأراضي هي تحت سيطرة «الخلافة».
في التفصيل الرابع، فإن الحرب الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة والأمم المتحدة ضد «داعش»، تخفي في الحقيقة قوة هذا التنظيم، الذي يحترف التعامل مع عدوه. فهذا التنظيم يواجه غرباً حافظ على تكتيكاته الحربية القديمة، والتي أصبح من السهل التنبؤ بها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلام العسكري لـ«التحالف»، أراد أن يحول تركيز انتباه الرأي العام العالمي على الحرب التي تدور في عين العرب وعلى القضية السورية، في حين أن الوضع يبدو أكثر خطورة في العراق.
وهكذا يتم إعداد الرأي العام الغربي حتى يتعود على الخطوة التالية المتمثلة في إرسال جنود أو قوات الكوماندوس في سوريا وليس في العراق.
والسبب أن الولايات المتحدة لديها ميل للمسرح السوري، بما أنها تريد إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد منذ سنوات، حتى انها عملت على إدخال تركيا ضمن «التحالف» في مقابل إعطائها تعهدات، وبالرغم من عدم الوثوق بها.
التكلفة المادية.. ذاتية!
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال التكلفة المادية للحرب. فللوهلة الأولى، قد يبدو أن الضربات تفعل ضرراً كبيراً. وإذا نظرنا فقط في المعدات، مثلاً تدمير دبابات بقيمة ما يقدر بنحو 4.5 إلى 6.5 ملايين دولار لكل منها، و«هامفي» ما بين 150 إلى 250 ألف دولار.
ولكن يصبح هذا الضرر أقل إثارة للإعجاب عندما نعلم أن كل ضربة جوية من ضربات الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية»، تكلف ما يصل إلى 500 ألف دولار، وفقاً للخبير في «مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية» في واشنطن تود هاريسون.
ويقول هاريسون إن أرخص ضربة جوية يمكن أن تكلف ما يقارب 50 ألف دولار، على افتراض إسقاط طائرة واحدة لواحدة من أرخص أنواع القنابل. لكن غالبية الضربات الجوية تكلف أكثر من ذلك بكثير، حيث تنطوي على استخدام طائرات «أف 15 أس» و«أف 16 أس» و«أف 22 أس». والطائرات الأخرى، التي تكلف ما بين تسعة آلاف إلى أكثر من 20 ألف دولار لكل ساعة عمل، والمتفجرات التي تكلف عشرات إلى مئات الآلاف من الدولارات.
ويشير الخبير إلى أن سعر كل ضربة «يعتمد على المسافة إلى موقع الهدف، وكم من الوقت قد يحتاج تنفيذ الضربة، ونوع الطائرات المستخدمة، وما إذا كانت هذه الطائرات بحاجة إلى التزود بالوقود الجوي، وعدد مرات قيامها بذلك».
ولكن باستخدام أعلى تقديرات هاريسون، وهي 500 ألف دولار للضربة الجوية الواحدة، تكون تكلفة ضربات يوم واحد حوالي 4.5 ملايين دولار، وهذا الرقم لا يتضمن أجور ونفقات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع اللازمة للقيام بالطلعات الجوية، وهي النفقات التي ساعدت في جعل الحملة المنخفضة المستوى ضد «داعش» مكلفة بشكل كبير.
ولزيادة الإحباط، فإن معظم المعدات التي دمرت جاءت في الأصل من الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في القدرة على تقدير قيمتها. هذه المعدات أعطيت للجيش العراقي قبل انسحاب القوات الأميركية في العام 2011، واستولى عليها التنظيم عندما تقدم في العراق.
هذا يعني أن واشنطن تنفق الآن مئات الملايين من الدولارات من وزارة الخزانة الأميركية لتدمير شاحنات الـ«هامفي»، والدبابات، وغيرها من الأسلحة، التي تم شراؤها من نقود دافعي الضرائب الأميركيين!
في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، قال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش جملته الشهيرة لأربعة من أعضاء مجلس الشيوخ، بأنه لم يكن «ذاهباً لإطلاق صاروخ ثمنه مليونا دولار على خيمة فارغة بقيمة عشرة دولارات، وضرب جمل في مؤخرته». والآن ها هي الولايات المتحدة مجدداً، توقع على صفقة خاسرة.
http://www.assafir.com/Article/5/378560
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه