25-11-2024 08:03 PM بتوقيت القدس المحتلة

في خلفيات التصعيد السعودي

في خلفيات التصعيد السعودي

أطلق وزير الخارجية السعودي هجمات عنيفة ضدّ إيران بعد اتصالات ولقاءات وزيارات بين الحكومتين أوحت بانطلاق حوار سعودي ـ إيراني، بعد صدّ طويل من جانب الرياض لجميع المبادرات والمحاولات

 

 

غالب قنديل

 

أطلق وزير الخارجية السعودي هجمات عنيفة ضدّ إيران بعد اتصالات ولقاءات وزيارات بين الحكومتين أوحت بانطلاق حوار سعودي ـ إيراني، بعد صدّ طويل من جانب الرياض لجميع المبادرات والمحاولات التي حرصت عليها طهران طيلة السنوات الماضية.

تفسير حالة الغضب والارتباك السعودية يستدعي مراجعة لجملة من العناصر والمؤشرات التي تدلّل على التحوّلات الجارية التي تمثل نذيراً للمملكة السعودية بدنوّ استحقاقات سعت إلى تأجيلها بكلّ ما لديها من إمكانات، بينما يبدو أنّ ما كتب قد كتب عبر تراكم مستمرّ في البيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية.

اولاً: جميع التقارير الدبلوماسية والإعلامية تشير إلى أنّ المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني السلمي تتقدّم وتسود توقّعات كثيرة بقرب التوقيع على الاتفاق النهائي، وهو ما سيعني تحرّر القوة الإيرانية من قيود العقوبات الغربية وفتح صفحة جديدة في العلاقة بين واشنطن وطهران قاعدتها الندية والمصالح المشتركة، وحيث تعلم المملكة من جيش المستشارين الأميركيين الذين يعملون في خدمتها، وبينهم مسؤولون سابقون وخبراء، أنّ المؤسسة الحاكمة الأميركية استنفذت جميع محاور الضغط والمساومة مع إيران وهي ترسم برامج بعيدة المدى من التعاون بعد الاعتراف بها قوة عظمى في المنطقة والعالم وتدرك القيادة السعودية أنّ استقطاباً جديداً سوف يتولّد في المنطقة برمّتها، وفي الخليج خصوصاً، بعد تكريس الاعتراف الأميركي بالقوة الإيرانية وستكون تعبيراته الاقتصادية جارفة بعد إزالة الحظر وسيدفع ذلك حكومات الخليج إلى تلمّس تنقية العلاقة مع طهران بعد سقوط الحظر الأميركي لتبدو عُمان الدولة الخليجية الأكثر حكمة ودهاء منذ انتصار الثورة الإيرانية.

تخشى الحكومة السعودية الحالية التي خاضت فصول المواجهة طيلة خمسة وثلاثين عاماً ضدّ إيران ان تكون الكلفة المعنوية والسياسية والاستراتيجية لذلك التحوّل باهظة عليها في الداخل والخارج، فكالعادة سيتضح لكلّ من يفهم أنّ واشنطن استعملت حلفاءها لاستنزاف إيران خلال عقود، ثم ذهبت إلى تفاهم يقلب التوازنات الإقليمية، وتركت الدائرين في فلكها يدفعون الأثمان المستحقة من نفوذهم وقوتهم.

ثانياً: محور هجوم سعود الفيصل على إيران هو موقفها من سورية واتهامه لها باحتلال سورية لا يستحق الردّ من حيث مضمونه، وهو يعلم أنّ الحكومة السعودية هي التي خططت وتآمرت مع حكومتي تركيا وقطر لتدمير سورية بقيادة الولايات المتحدة وبالتحالف مع «إسرائيل» ودول «الناتو»، وانفقت المليارات، ويعرف كذلك أنه شخصياً أعلن قرار إرسال السلاح والمال للعصابات الإرهابية التي تضمّ مقاتلين من عشرات الجنسيات الأجنبية وتسمية الاحتلال والغزو تصحّ في تلك الجحافل المتوحشة والتكفيرية التي ترعاها المملكة في سورية وعلى أرضها واليوم تضطر الرياض تلبية لطلب أميركي ان تتلبّس قناع محاربة الإرهاب الذي دعمته وأسهمت في استجلابه إلى سورية، بينما تخشى ارتداده عليها، أما إيران فقد وقفت بكلّ شرف وإباء وحزم مع الدولة الوطنية السورية، شريكتها الاستراتيجية في مجابهة الخطر الصهيوني على المنطقة.

الذي حرك تصريح الفيصل هو بالذات إدراك القيادة السعودية بما لديها من معلومات أنّ إيران رفضت المساومة على حليفها السوري وصدّت جميع العروض والمقايضات الأميركية المتصلة بذلك لأنها تحترم شركاءها وتقيم تحالفاتها على المبادئ والقيم المشتركة ناهيك عن إدراكها لمدى صلابة وقوة حليفها السوري وثباته في وجه حرب كونية بقيادة الولايات المتحدة، وحيث تخشى القيادة السعودية من شبح استدارة اميركية نحو التعامل مع دمشق في ضوء ثبات قدرة الدولة السورية وقواتها المسلحة، وصلابة مواقف روسيا والصين وإيران المانعة لأيّ استهداف عدواني للدولة السورية.

تعتبر المملكة السعودية شبح هذا التحوّل خطراً مخيفاً مع استمرار تساقط أوراق الولايات المتحدة المستهلكة في الميدان السوري وفي ضوء مخاطر خروج عصابات التكفير الوهابية عن السيطرة، وربما تكون لدى الرياض معلومات عن فحوى المحاولات الأميركية لتطوير الاتصالات مع القيادة السورية التي تحدث عنها رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف يوم أمس الأول .

ثالثاً: مما لا شك فيه أنّ التحوّل الثوري في اليمن شكل صدمة قوية للمملكة السعودية، وهي تخشى من نتائجة وانعكاساته العديدة في المنطقة بالنظر إلى موقع اليمن التاريخي كفناء خلفي للحكم السعودي، وعلى الرغم من أنّ المملكة كانت أضعف اللاعبين في صيغة ما بعد الرئيس علي عبدالله صالح التي تصدّرها النفوذ القطري من خلال الدور المتضخم لـ»الإخوان المسلمين»، فما يثير التوتر السعودي هو نجاح الحركة الحوثية في قطع الطريق على الفتنة المذهبية بخطاب وطني جامع وبتحالفات عابرة للمناطق والطوائف اليمينة وهي تجربة تقدّم نموذجاً سياسياً قابلاً للانتشار والتعميم في كلّ من العراق ولبنان، حيث تمسك المملكة بيد أطراف محلية تقحمها في نزاعات وصراعات مكلفة وغير مشروعة وطنياً تحت عنوان مواجهة النفوذ الإيراني.

ما يقلق الرياض هو البرود الذي قابلت به الولايات المتحدة تحوّلات الوضع اليمني، بل ومشاركتها في تكريس النتائج عبر موفد الأمم المتحدة الذي ساهم في إعلان ميثاق الشراكة الجديد من القصر الرئاسي، بعد انتفاضة صنعاء، وهو ما يكشف نزعة إلى التكيّف الأميركي مع الحقائق الجديدة وحيث يتملك القيادة السعودية الهاجس من فرضية الرضوخ الأميركي لفكرة الشراكة مع حلفاء إيران العرب، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد، في الحرب على الجماعات التكفيرية والإرهابية التي زحف خطرها داخل المملكة نفسها، حيث يرتدّ هيكل الرعاية العقائدية والمالية إلى مصدر تهديد داهم لا يحتمل التأجيل.


http://al-binaa.com/albinaa/?article=18163

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه